حقوق المرأة العراقية في ظل الاحتلال البربري *



عبدالوهاب حميد رشيد
2006 / 7 / 2

"إن احترام حقوق المرأة... يشكل انتصاراً وأكثر في الشرق الأوسط" قالها الرئيس الأمريكي جورج بوش في الأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر 2002. لكن دراسات ومسوحات ميدانية كثيرة خلال السنوات الثلاث الماضية أكدت أن ظروف المرأة العراقية تزداد سوءاً في ظل الاحتلال الأمريكي. بينما في ظل النظام العراقي قبل الاحتلال، وقبل الحرب الأمريكية على العراق (1991) وثلاث عشرة سنة من الحصار الدولي، تمتعت المرأة بحقوق نوعية لا خلاف عليها بما فيها مجال الصحة والتعليم.
أن أعداداً غير معلنة من العراقيات هنّ ضحايا جرائم التعذيب والعنف لقوات الاحتلال الأمريكي (الذين يسميهم الرئيس الأمريكي بـ المحررين). من هنا فإن أعداداً متعاظمة منهن يفضلن حالياً البقاء في المنزل خوفاً من تعرضهن لجرائم الاختطاف وسوء المعاملة. لقد أنكر الاحتلال الأمريكي حقوق المرأة العراقية بضمنها حقها في الرعاية الصحية والتعليم والعمل.
تلقي افتتاحية حديثة لصحيفة ميديل إيست أونلاين الضوء على معاناة العراقيات المعتقلات. أن حالة المرأة العراقية في السجون العراقية التي تشرف عليها قوات الاحتلال الأمريكي لا تقل معاناة ورعباً عن تلك التي واجهها الرجال العراقيون في سجن أبو غريب.
تذكر المقالة بتفصيل ما تواجهها العراقيات المعتقلات (أسباب أمنية) داخل هذه السجون. حيث تعتبر سلطات الاحتلال الأمريكي أسباب الاعتقال واحدة لجميعهن: دواعي أمنية، ووفق تفسيرها لقرار مجلس الأمن الدولي 1546، بزعم تهديدهن الأمن والاستقرار في العراق. عليه يشمل الاعتقال لمزاعم أمنية كل مواطن عراقي تعرض للاعتقال العشوائي بغض النظر عن الجنس، العمر، وظروف الاعتقال.
حسب شهادة العديد من منظمات حقوق الإنسان، فإن المحتجزات لأسباب أمنية في السجون العراقية تحت إدارة سلطات الاحتلال الأمريكي، يتعرضن لمعاملات لاإنسانية: الإهانات، التعذيب النفسي والجسدي. علاوة على ظروف الاعتقال غير الصحية. ولقد بادرت مجموعة من هذه المنظمات إلى توثيق ظروف المعتقلات العراقيات، بما في ذلك مطبوعات صادرة عن هيئات ومنظمات إسلامية محلية، ومنظمات دولية تعمل داخل وخارج العراق، مثال ذلك: المجموعة المستقلة للمرأة وحقوق الإنسان، منظمة العفو الدولية، الصليب الأحمر الدولي، بعثة الأمين العام المساعد للأمم المتحدة في العراق، محكمة بروكسل.
إن حالة من السرية ونقص المعلومات تغطي ظاهرة الاعتقال في العراق، حيث يقدر عدد المعتقلين بحدود 30-100 ألف معتقل منذ بداية الحرب (الاحتلال) في مارس/ آذار 2003، بضمنهم العراقيات المعتقلات في السجون التي تديرها سلطات الاحتلال الأمريكي والتي ترفض باستمرار إعطاء أية معلومات تفصيلية محددة بشأن العدد الفعلي للمعتقلين والمعتقلات.
قامت إدارة بوش بمحاولات مستميتة لإخفاء ظاهرة تعرض المعتقلين لسوء المعاملة والتعذيب في سجن أبو غريب. لكن تقارير صحفية أزالت غطاء السرية في نيسان/ إبريل 2004، وكشفت أشكال سوء المعاملة والفضائح التي تعرض لها المعتقلون.
تمارس الولايات المتحدة الأمريكية، مرة أخرى، محاولات الإخفاء، وهذه المرة بإنكار وجود عراقيات معتقلات في السجون التي تديرها في العراق، بغية تهربها من إلقاء اللوم عليها على المستوى العراقي وعلى الدولي، وفي محاولة منها لإعطاء العراقيين شعوراً (كاذباً) بأن مهمة قوى الاحتلال هي فقط إنهاء القمع ضدهم، وبأنها تحترم بقوة تقاليدهم.
كما أن العراقيين المتعاملين مع الاحتلال يشاركون في نشر هذه الأكاذيب بإنكارهم تعرض العراقيات المعتقلات لسوء المعاملة والتعذيب، إذ زعم أحد كبار المسؤولين في وزارة الداخلية- أحمد يوسف- بتاريخ 18 إبريل/ نيسان 2004 بقوله: نحن مسلمون، نعرف جيداً كيف نتعامل مع العراقيات المعتقلات.
ولكن بعد يومين من التاريخ المذكور (20 نيسان 2004) نطق عبدالباسط تركي بعد أن كان قد قدم استقالته كوزير لحقوق الإنسان، وذلك احتجاجاً على انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها قوات الاحتلال والحاكم المدني في العراق بول بريمر، نتيجة إهمالهم المستمر لتقارير الوزير المستقيل السماح له بزيارة سجن أبو غريب، وبعد أن أخبر بريمر تلفونياً أن المعتقلين يتعرضون لسوء المعاملة والتعذيب من قبل قوات الاحتلال. "لقد حُرّم المعتقلون من الرعاية الصحية. ولا تتوفر لهم مراحيض مناسبة. وأعطوا فقط بطانية واحدة، رغم فصل الشتاء القارص"، حسب قول الوزير المستقيل.
تمت مقابلة أعداد متزايدة من العراقيات المعتقلات من قبل منظمة العفو الدولية ممن تعرضن لسوء المعاملة والتعذيب، وشكت أكثريتهن التعرض "للضرب، التهديد بالاغتصاب الجنسي، الألفاظ البذيئة، والسجن الانفرادي لمدد زمنية طويلة"، حسب المقالة الافتتاحية لـ: ميديل إيست أونلاين. كذلك قررت مبعوثة منظمة حقوق الإنسان البريطانية إلى العراق (آني كلويد) كشف المعاملة اللاإنسانية التي تتعرض لها العراقيات المعتقلات عندما "علمت لاحقاً باعتقال وتعذيب امرأة في عامها السبعين من العمر، حيث أجبروها ولجموها وركبوا على ظهرها تشبهاً بالحمار"، حسبما كشفت المقالة المذكورةWomen Will Organization.
من بين أكثر وسائل التحقير التي مورست وتمارس ضد المرأة العراقية المعتقلة، حسب تقرير منظمة نسائية حقوقية
هي إجبارها على الحضور للتحقيق عارية. وهنا تكون عرضة للسخرية والإذلال من قبل المحققين وحراس السجن والمترجمين.
هدى عزاوي تجسد واحدة من المعتقلات العراقيات.. وصفت كيف أن الجنود الأمريكيين عرضوها للسجن في زنزانة منفردة على مدى مائة وستة وخمسون يوماً. كذلك تم اعتقال أختها ووضعت داخل زنزانة مقفلة ومعها جثة أخيها المقتول.. لقد اعتقلت العزاوي ومعها طفليها: نورا (15 عاماً) وسارة (20 عاماً) من قبل قوات الاحتلال الأمريكي والحرس الوطني في شباط/ فبراير 2005 بتهمة دعم مقاومة الاحتلال. وهناك أشكالاً أخرى من تعذيب العراقيات المعتقلات، منها إجبار المعتقلة الوقوف لساعات طويلة مع تعريضها للتهديد والرعب.
علي القيسي المواطن العراقي الذي ظهر ضمن الصور التي كشفت تعذيب المعتقلين في سجن أبو غريب وعلى رأسه حقيبة/ كيس، يتذكر سماعه لصراخات العراقيات المعتقلات تحت التعذيب. يستمر في سرده لهذه الفضائح: "كان طعامهن يجلب إلى زنزاناتهن من قبل رجال عراة"، مضيفاً: "شعرنا أنفسنا عاجزين ونحن نسمع صراخاتهن، غير قادرين على فعل أي شيء سوى الدعاء لله".
كذلك أكد موظفون في سجن النساء بالكاظمية في تشرين أول/ أكتوبر 2005 نبأ وقوع حوادث اغتصاب في هذا السجن. كما أكد الأمين العام المساعد للأمم المتحدة في العراق أن شرطياً مارس التعذيب بحق امرأة معتقلة في مركز شرطة الديوانية منذ مارس/ آذار 2006. أقرت المرأة المعتقلة أنها تعرضت للتعذيب بواسطة الصدمات الكهربائية على كعبها. وأنها واجهت أيضا التهديد باغتصاب ابنتها المراهقة ما لم تزود محققيها بالمعلومات.
أن أغلبية حالات الاعتقال للمرأة العراقية هي بغرض استخدامها أداة مساومة لإجبار أقربائها من المطلوبين لسلطات الاحتلال على تسليم أنفسهم. وأحياناً يتم اعتقالها بتهمة جاهزة هي ببساطة: دعمها مقاومة المحتل.
وفي السطور التالية قصص واقعية لبعض النساء العراقيات اللواتي اعتقلن من قبل قوات الاحتلال:
+ زكية سبعاوي.. اعتقلت بسبب هروب زوجها من قوات الاحتلال.
+ إيمان أحمد من الأميرية.. اعتقلت بقصد إجبار أخيها- الذي هو محل مطاردة قوات الاحتلال- تسليم نفسه.
+ سارة طه الجميلي/ الفلوجة.. اعتقلت مرتين: الأولى بتاريخ 19 تشرين أول/ أكتوبر 2005، عندما زعمت القوات الأمريكية أنها ابنة الزرقاوي. والمعروف في المنطقة عموماً أن سارة هي ابنة طه الجميلي- السياسي المعروف- والذي كان معتقلاً لدى قوات الاحتلال عندما اعتقلت ابنته سارة. وقد تم إطلاق سراحها كرد فعل للمظاهرات العامة وإعلان الإضراب العام.. الثانية اعتقلت سارة في 8 تشرين الثاني/ نوفمبر بتهمة كونها إرهابية. ومرة ثانية لم يتم إطلاق سراحها إلا بعد إضراب عام وتوزيع منشورات تهدد قوات الاحتلال بالانتقام.
+ اعتقلت قوات الاحتلال إلهام حسين حالما انتهوا من قتل زوجها ياسر إبراهيم حسين أمامها وأمام عائلتها بتاريخ 6 مايس/ أيار 2006، وذلك أثناء غارة لقوات الاحتلال على منزلهم في حي الجامعة ببغداد. حيث كان الزوجان قد احتفلا تواً بعيد ميلاد ابنهما البالغ خمس سنوات.
سبق لصحيفة الغارديان أن نشرت تقريراً يتهم القوات الأمريكية بانتهاك القانون الدولي، نتيجة أخذها نساء عراقيات رهائن لإجبار أقربائهن من الرجال على تسليم أنفسهم. وفي إحدى غاراتها على منزل ببغداد، اختطفت القوات المحتلة امرأة وابنتها من المنزل، تاركة على بوابة المنزل ملاحظة تقول: "كن يا محمد خلف رجلاً وسلم نفسك وعندئذ سنطلق سراح أخواتك، وإلا سوف يقضين وقتاً طويلاً في المعتقل."
أن هذه الممارسات المتكررة تناقض معاهدات جنيف التي تتضمن أن لا أحد (رجلاً كان أم امرأة) يُعاقب بجريمة لم يرتكبها أو لم يتسبب فيها." وأن غالبية حالات الاعتقال للنساء العراقيات هي نتيجة دعاوى بمشاركة أقربائهن في المقاومة الوطنية العراقية ضد المحتل."
ممممممممممممممـ
* مصدر المقالة: Middle East On Line- Aljazeera.com 27,June2006.