الجندر .. والتنوع الثقافي



السيد إبراهيم أحمد
2020 / 8 / 29

إن مفهوم "الجندر" أو "النوع الاجتماعي" مازال غير معروف في بيئاتنا العربية وقاصر فقط على المتخصصين أو المهتمين بقضايا الجنوسة والنسوية والمرأة، كما يشكل أيضًا فهما يُحتاط منه في الفكر الإسلامي، وبين الأمرين يحمل العديد من المفاهيم المغلوطة التي تستدعي التغاضي عنه، أو محاربته أو تجاهله، وهو ما يعني أن الجندر كمصطلح ومفهوم يخلق إشكالية كبيرة في سبيل التعامل معه من خلال التنوع الإنساني، وقضية الجندر في هذا الإطار وبحسب تعريفاته تخلق عاملا مضادا لها في المجتمعات العربية التي ترفض غير المفهوم الديني عن المرأة في إطار التنوع الإنساني الاجتماعي العربي ـ الذي لا يعادي المرأة في الأساس ـ طبقًا لما استقر في وعيه من احترامها، وتبقى الإشكالية الحقة في التعامل معها طبقا لمفهوم الجندر.

أما مفهوم الجندر فيدور حول الأدوار أو المراحل المنبثقة عن الحقوق والواجبات والالتزامات التي ترتبط بالنوع الاجتماعي من حيث تحديد المجتمع لأدوارهم طبقا للفترة التاريخية طبقا للمفهوم الاجتماعي والثقافي بشكل يسمح بالتغيير في فترات قادمة، وهو ما يعني أن الصورة التي ينظر بها المجتمع للنوع الاجتماعي من الرجل والمرأة من حيث الأسلوب والأفكار وحاجة المجتمع، وليست النظرة على الأساس البيولوجي المعروف.

ومفهوم التنوع الثقافي في أصله ينتمي إلى التنوع الإنساني الذي يعني أن هناك اختلافا بين الأفراد ليسوا هم من صنعوه، بل هو راجع إلى الصفات الإنسانية المشتركة بين جماعة ما، والمستمدة من نظامهم الثقافي المركوز فيهم، الأمر الذي يخلق المعايشة والقبول بين الأفراد بعضهم البعض في إطار هذا التنوع المحمود.

وهنا يجب أن نسأل: ما الذي أدي إلى ظهور الجندر أو النوع الاجتماعي الآن؟

وتأتي الإجابة من خلال التعرف على فلسفة الجندر وأهدافها، أما فلسفتها فتقتضي محو الفروق الطبيعية بين الذكر والأنثى، وهذا اتساقًا مع محو الفروق الفوقية والعلوية بين الجنسين مما يقتضي أن يكون هناك قبولا مجتمعيا للتعامل مع المرأة داخل التنوع الثقافي والإنساني للمجتمع، غير أن هناك من يقول أن الأمر أكبر من هذا فالجندرية لا تقبل بغير التكامل بل التطابق بين النوعين مع رفض الاختلاف الفطري وذلك في ضوء أدوار النوع الاجتماعي حسب المستقر مفهومه في أربع أدوار، وهي:

ـ الدور الأسري أو ما يسمى بالدور الإنجابي: وفيه يقتسم الرجل والمرأة الأدوار فالإنجاب دور المرأة والتخصيب دور الرجل، ويشتركان معا في رعاية الأسرة والأطفال.

ـ الدور التشاركي أو ما يعرف بالإنتاجي: وفيه أن الرجل والمرأة يعملان وينتجان، ويحققان عائدا، وهذا يعني التماثل في الجهد والإنفاق.

ـ الدور التنظيمي أو المجتمعي: دور المرأة في العمل التطوعي النابع من إنجابيتها في أعمال تخص التوعية الصحية وما شابه، بينما دور الرجل في المشاركة في العمل الاجتماعي بما يعرفه.

ـ الدور السياسي: وهو مقسوم بالمشاركة السياسية أو التمثيل السياسي وغيره.

أما الأهداف فتتمثل في مشاركة المرأة في التنمية مشاركة فعالة طبقًا للعوامل المتعلقة بالاقتصاد والإنتاج، والثقافة، والعوامل الاجتماعية وليس قصرها على العوامل الفطرية الطبيعية المعروفة، والعمل على توزيع الأدوار بين الرجل والمرأة في العمليات القائمة على التنمية مما يؤدي إلى تعظيم العائد من المشاركة الاقتصادية التي تعود بكل النفع على المجتمع، كما أن من أهم الأهداف هو الكشف عن القدرات المخبوءة في الرجل والمرأة، وتوظيف المهارات الموجودة لديهما، واكتساب مهارات أخرى تعمل على تعظيم العائد الذي يساهم في النفع العائد على المجتمع.

مما تقدم نفهم أن الهدف القائم من الجندر هو الدفع بعملية التنمية في المجتمع التي وضعت لها العديد من المؤشرات المرتبطة بالتنمية، والمؤشرات المرتبطة بالمرأة، غير أن مؤشرات التنمية تقيس بشكل واضح مدى قبول وإدماج المرأة في سوق التنمية الفعالة طبقًا لمقاييس المساواة بين الرجل والمرأة، مما يصبح معه أن القبول بالتنوع الثقافي المجتمعي به خلل ما، وهو ما يعتمد في قياسه على مؤشر المشاركة النسائية في المجتمع واعتمادها على: مدى مساهمة المرأة في اتخاذ القرار، ومجالات العمل المفتوحة أمام المرأة ومداها، ثم قياس العائد من دخل المرأة عليها، وهذا ما يؤكد عدم تضاد التنوع الثقافي لمساهمة المرأة ومشاركتها أو عدم قبوله لها، وذلك سيكشف بالطبع غياب المرأة ودورها على من يخططون لبرامج التنمية في المجتمع.

كما يتوقف على تقدير فعالية عمل المرأة داحل البيت كما تعمل خارجه تماما، ولقد كانت المرأة مندمجة في سوق العمل قبل تطبيق الجندر لكن على الرغم من ذلك لم تكن مندمجة بصورة متساوية، مع الوضع في الاعتبار أن التنوع الثقافي مازال قاصرًا عن قبول المرأة كعضو عامل في عملية التنمية، ولذا فالجندر تهدف إلى تواصل الرجل بالمرأة وتحقيق تقسيم أدوار العمل في المجتمع بينهما، ومدى مساهمة المرأة بالنسبة للرجل والعكس لتبيان وجه القصور الحادث في التنمية من ناحية، والقبول بالجندر داخل التنوع الثقافي المجتمعي من ناحية أخرى.

إن مصطلح الجندر من المصطلحات التي ما زالت مجهولة في قطاعات كثيرة مجتمعية، وحتى لو ذكر مرادفه العربي فلن يكون مُعينًا على تفهمه، كما يساهم تفسيره في خلق وجهات نظر مختلفة متعارضة أو متضامنة، ولا شك أن ارتباط المصطلح في سبيل مشاركة المرأة بالعمل التنموي أمر محمود غير أن قبول هذا المصطلح باعتباره من التنوع الثقافي سيواجه معارضة شديدة ليست باليسيرة في اعتماد قبول المرأة داخل هذا التنوع الثقافي والإنساني تحت أي مسمى.

إن التنوع الثقافي في تعامله مع الجندر أو النوع الاجتماعي لن يتأتى إلا بالتوعية وإدراك مفهومه الصحيح، وعقد ندوات تعرضه بشيء من التبسيط، وما مدى أهمية فلسفة النوع الاجتماعي، وأهدافه، وغايته في مجال التنمية بما يعود بالنفع على الجميع، ومحاولة قبوله في إطار التنوع الثقافي الحميد، وتبيين الأفكار المغلوطة عن النوع الاجتماعي بما لا يتعارض والقيم الدينية المستقرة التي تعترف بالفروق البيولوجية، ولا تقبل بالتساوي التام بين الذكر والأنثى، كما يجب الوقوف مع دمج المرأة في التنمية، وتقليص الفجوات بين الجنسين، وهو ما سيتم بيانه في المقالات اللاحقة التي تتصل بذات الموضوع إن شاء الله.