مقولة المرأة عدوة نفسها وعلاقتها مع الذكورية



رزان الحسيني
2020 / 9 / 16

المعروف أن الذكورية: هي مجموع السلوكيات والتحركات التي يقوم بها الذكورللمحافظة على هيمنتهم في المجتمع الأبوي ضد النساء, إلا أن الذكورية لا تقتصر على الرجال فقط, بل تمتد الى النساء فيكنَّ ذكوريات أيضا على أخواتهن من النساء, وهذه الفئة يظنها البعض أخطر, على النساء وحركتهنَّ, من الرجال.
إذ إن بناء الفرد في المجتمع, ذكراَ كان ام أنثى, يقع على عاتق الأم نفسها, ففي حال إن الطفل نمى وكبر على انه "السيد" وله الحق في التسلط على أخته وزوجته وحتى أمه, تنمو الطفلة ايضا على مفهوم إنها "عورة, ناقصة عقل, تحتاج الى حماية وتقويم" وتكبر لتصبح أنثى  ذكورية, ولا يمكن لوم الأطراف الثلاثة في الواقع؛ لأن الأم لا تكون حرةَ حين تقوم بتربية أطفالها فهي خاضعة الى معايير المجتمع وقيوده ولا تريد مخالفة السائد بل ترغب لأطفالها أن يكبروا تحت ظل إحترام الناس لهم وتقديرهم بالتالي تملي عليهم ما يُريده المجتمع لهم, ولا يمكن لوم الطفل الذكر حين يُربّى على أن يُخشّن صوته ليصبح رجولي وأن يأمر وينهى على أخواتهِ ويصيح بهن فيقابله أهله بالتصفيق والتشجيع, ليس أمامه إلا أن يقوم بما يرغب به أهله ومجتمعه ويحظى بإحترامهم, فتراهُ يفتل شاربه وينفخ عضلاته ويمشي رافعا صوته معنفا أخواته, واضعاَ معايير محددة عن شرف النساء وصورتهن الصحيحة, ويُملي ذلك على جميع الأناث في محيطه, ولا يمكن لوم الطفلة ايضا حين تنمو على إن المرأة يجب ان تطيع رجال البيت في كل قراراتهم عن حياتها وتعنيفهم السلطوي لها, بل إن المرأة ضعيفة ومكانتها معززةَ مُكرمةَ في بيت زوجها لا حاجة لها بالدراسة او العمل او الخروج من المنزل وهي راضيةَ بذلك تمام الرضا, وهنا يكمن لب الكارثة, فحين تخرجُ امرأة أُخرى عن السرب مُطالبةَ بحقها في ألّا يتم تعنيفها والتحرش بها او حقها في التعليم اوحتى في عدم زواجها وهي قاصر والتدخل بجسدها وطعنها؛ يرتفع صوت المرأة الذكورية الاولى تطعن في قضيتها وشرفها خوفاَ على مكانتها المريحة المهددة وطلباَ لإرضاء السلطة الذكورية السائدة, فهي لا تريد لأختها ان تطالب بحقوقِ هي حقوقها ايضا وحقوق بناتها من بعدها لأنها اضعف من أن تقاوم مثلها واكثر خوفَا من ان يتم رفضها وتهميشها من المجتمع لذلك تقوم بتلك السلوكيات للحفاظ على مكانتها ولرضى الذكور عنها بالتالي رضاها عن نفسها وحياتها.
والحقيقة إن الموضوع متأصل في الفرد من أجداده من جيلِ الى آخر ويسري على القبائل كلها والتي هي تتحكم بنظامنا المجتمعي, فليس من المنطقي أن نطلب ممن كبر وربي على تلك المبادئ ان يحيدَ عنها بسهولة أو يحلَّ محلها مبادئ أخرى, بل ان  ما نستطيع فعله الآن كأفراد بذلك المجتمع لوضع حد للعنف والتخلف هو أن نحاول قدر الإمكان أن ننشر السلام والأحترام, وأن نجبر الأفراد المُتسلطين على أن لا يتجاوزوا حدودهم ويُزهقوا أمانة الله, عن طريق القانون وحده, فهو ما ستلجئ له الأنثى حين تتعرض للظلم وهو ما سيسندها, وعن طريقه ستتم محاكمة المجرمين الذين يقتلون من يشاؤون دون رادع ولا خوف من السجن والمحاكمة, وتعديل القوانين الموجودة وتشريع القوانين المفقودة ثم تطبيقها ستكون الخطوات الأولى لرد حقوق المرأة وتغيير النظرة النمطية عنها بالتالي يجد الذكور نبذاً من المجتمع حين يقوم بإحدى تلك الممارسات السلطوية, بالإضافة الى خوفه من العواقب, وتغير النساء تجاه بعضهن بعضا ويصبح الجميع يدا واحدة ضد ما يُسمى العنف الأسري, وغسل العار.
أما المسؤولية بعد تلك الخطوات ستقع على عاتق الاباء والأمهات الجدد, فهم من سيغرسون في الجيل الجديد مبادئ الاحترام والمساواة, ودوره كفرد في المجتمع وترسيخ التعاليم الاسلامية الصحيحة بداخله دون تعصب او تطرف ودون تدخل من مبادئ القبيلة البدوية وخوفهم منها بل سيحتقرون من لا يزال يفكر بنفس الطريقة السابقة, والطفلة ستنمو وهي تشعر بنفسها فرد تام العقل كامل الأهلية والمسؤولية وتشعر بوجوب دراستها وتعلمها بكل نواحي الحياة, بالتالي نعود الى موضوعنا الأهم وهو متى ما انعدمت الذكورية عند الذكور؛ تنعدم عند النساء ايضا, فتجدهم متحدين, ذكوراً وأناث, ضد عدو واحد, وهو التخلف.
إذن, مقولة أن " المرأة عدوة نفسها" ما هي إلا مقولة ذكورية أُخرى ضد النساء لتُظهرهن بمظهر المنافسة والغيرة وعدم الاتفاق في ما بينهن وان الأمر كله يدور حولهم, الذكور. فيصدحُ صوت المرأة النَسوية بحقها في العيش بكرامة, لتُصدم بصوت انثوي آخر يدعوها الى التزام بيتها وزوجها و "لعن الشيطان". والواقع إن متى ما حصلت النسوية على حقها في التعلم والعمل والزواج برغبتها, هللت النساء الذكوريات وتنعمت بتلك الحقوق دون أن يكون لهن مساهمة وحق في ذلك.