سنووايت الشرقية في رسالةٍ عاجلة إلى ابنتها



روزا سيناترا
2020 / 9 / 25

أرادوني دميةً أرفع يدي فيقطفون من تحت إبطي زهرة البابونج بقوة،
أغمضُ عيني فيسرقون من شفاهي الكرز،
أخلعُ شالي فيعصرون من صدري العنب ،
أديرُ ظهري فيكتبون على مؤخرتي كل ما منعوه عنهم منذ الصغر !
كسرتُ كل القضبان الحديدية، وزّعت صوتي خبزاً للعصافير، هربتُ من سجنهم ونزلتُ إلى السوق كي أبتاع لي عيناً فأرى وقلباً كي أعيش وفي الطريق نحو المجهول البعيد توهجت في عقلي شمعةُ الحدس الجميل بأن كل شيء قادم سيكون بهياً وهكذا كان .
أنارت لي الشمعةُ أزقة الطرقات القديمة المبلولة بالمطر حتى وصلتُ مسرحي البهيج، لم أكتب كثيراً لكنني وقفتُ على الخشبةِ مراراً عاريةً وحافية وباكية ثم بشجاعة النبلاء تدربتُ على الحياة !
الموسيقى خففت عني مرارة الشاي الليلي الثقيل
الكتب بساط علاء الدين السّحري أهدتني رحلات ديزني السعيدة
أما الذكريات فوحدها من كانت تلسعني ..
النحل لا يعرف قيمة العسل لكنه يتألمُ حين يموتُ بفرح
كذلك حرية الأحرار !
علمني قلبي معنى البياض الخالص وعلمتني عيني أن أسدل الستار وأغمضها عن كل ما قد يلوثني ومن يومها وأنا أسمع عن الشر الذي يسير في الطرقات العامة مختالاً ببدلة السموكن وربطة العنق وأنا وظلي نبتعد بفزعٍ نحو البحر..
البحر ليس مالحاً كلا..
وحدهم المظلومون من ملأوه دموعاً واختنقوا بملحهم .
في الغابة خلع النهر ثوب مائه وجاءني عارياً وقال: تعالي إلي فالحقيقة كلها عندي، نظرتُ إليه وإذ بحجارته تخبرني كذب عذوبته واستشهاده بالماضي البعيد وكل الجثث التي ألقيت بقسوةٍ فيه وكل الدماء التي سبحت في قلبه باسم تعقيم العراة المقدس وتذكرتُ أنني عاريةٌ تماماً وأن العري مقدس ولا حاجة لنا بتعقيمه أو تغطيته فهربت..
كنتُ أصلي في درب الهروب على طريقتي، طريقة عشتارنا الأم وأدندن بكل أغاني الخير والشمس والشروق والسنابل وفي كل خطوة كنتُ أتخلص من نظرة حجارة النهر تلك التي علقت بجلدي رغماً عني وكلّما أسرعت أكثر تخلص جسدي من تلك البقع لدرجة أني رأيت العيون كلّها تتدحرج أمامي مثل كرات كريستال تتكسر ..وعلى صوت تكسرها كنتُ أضحك.
الضحك وسيلةٌ ممتازة لمقاومة الخوف وبالضحك نجوت.
راودتني الضباع عن نفسي مراراً تحت أحاديث السترة ورفع أصحاب العمامات كتبهم من خلف الأشجار على السيوف مطالبين بنات جنسي وإياي بتخفيض أصواتنا بإدعاء ان صوتنا عورة، وحدها الشمس فوق الجبل ظلت تخبرني أن غداً يومٌ جميل .
أغلقتُ عليهم غابتهم جيداً ودفنتها بالتراب الأسود، داعبتُ شفتاي بالروج الأحمر، ألبست جسدي أغنية الحب ورحتُ أزرعه في الجبل.
كان من الصعب مواجهة النّار بالشعر والجهل بالموسيقى ومن قال ان الحياة سهلةٌ أصلاً ؟
الدمية المحشوة بالقش نضجت وصارت امرأة الفرح في مواسم الكرز أما أنيابهم جميعاً فقد كسرتُها تحت نعلي وأقمتُ حفلةً للشواء ودعوت إليها الأمراء جميعاً .
ومن يومها وأنا أقيم حفلةً للتابوت الزجاجي كل سنة وأهديه ضبعاً مذبوحاً بفرح ولهذا سأنصحك يا ابنتي بما يلي :


في يومٍ ما في ساعةٍ ما ستكتشفين أن كل الذين خفتِ من ملامتهم أو كلامهم الفارغ أو أحكامهم ليسوا أكثر من حشرات مستهلكة لا تعرف عن الإنتاج أو التقدم أو الحياة شيئاً، مجرد أرقام يأتون الى هذه الحياة ويرحلون دون أي أثر أو بصمة وستكتشفين انك عملتِ حساباً لفراغ اسمه مجتمع لم يقدم لك شيئاً سوى الإحباط والملامة والتخلف حتى في أصعب لحظات حياتكِ سترينهم يسقطون من عينك الواحد تلو الآخر فهم لم يقدموا لك لا سنداً ولا ظهراً ولا حناناً ولا عطفاً ولا مالاً ولا حتى كلمة طيبة بل على العكس سترينهم أكثر من أنانيين يهتمون لمصالحهم وحسب، مصالحهم التي لا تتعدى الأكل والشرب واقتناء الأغراض التي لن تزيدهم قامةً ولن ترفعم شأناً ففارغ الروح والعقل والفكر سيظل فارغاً حتى لو ملأتِ عظامه ذهباً !
في مجتمعك الشرقي يا صغيرتي سيعلمونك أنك قطعة حلوى وجب تغليفها لا فراشة تحلق بين البساتين، سيوهمونك بأنهم كرموك ونصبوكِ ملكة البيت لا ملكَ نفسك، سيمنحونك صفات الأم الرؤؤم الحنون التي تتشابه تماماً مع ضرع البقرة الحلوب فهم لا يرونك انساناً بقدر ما يرون فيك قطعة لحم وحسب والأخطر من كل هذا أنهم سيعلمونك كيف تصبحين مطيعة ومستسلمة وخاضعة ومنهزمة لا كيف تبنين حياة ملؤها الأمل.

في إحدى التجارب العلمية قام أحد العلماء بإحضار مجموعة من الكلاب وربطها ووضع أمامها مصباحاً، وكلّما أضاء المصباح صعق الكلاب المربوطة، كانت الكلاب تعوي وتتألم من أثر الصعقة الكهربائية وتحاول الإفلات والهرب وكرر العالِم هذه التجربة مراراً ظاناً ان الكلاب ستهرب كلما رأت ضوء المصباح ولكن حدث عكس ذلك تماماً فحين فك الحبل وأعاد التجربة وأضاء المصباح كانت الكلاب تنبطح على الأرض مستسلمة بدل ان تهرب وتنجو لأن الكلاب بُرمجت على أنها لن تنجح في الهرب وهذا تماماً ما تحاوله مجتمعاتنا معنا كل الوقت منذ الصغر أن تدربنا على نظرية العجز المكتسب كي لا ننجح ولا نكون مختلفين ولا حتى نحاول، وهذا ينطبق على عدة أمور في حياتنا مثل الذين يتزوجون فيفشلون في أكثر من زواج فيظنون أنهم فاشلون على الدوام ،أو مثل الذين يتقدمون لامتحانات القيادة ويفشلون أكثر من مرة، ومثل كل حوادث الاعتداءات العنيفة الأسرية التي تظن فيها الضحية انها لن تنجو فتستسلم.
وهذا تماماً ما سيحاولون زرعه فيكِ العجز والطاعة العمياء والخوف من كلام الناس والأحكام المسبقة وهم أنفسهم الذين يذوبون شوقاً ل "بوز جزمتك القديمة" أو حتى لنظرة حنان واحدة منكِ، سيتدخلون في كل شيء في حياتك، من طريقة تفكيرك، لون غرفتك، جسدك، طريقة لبسك، الموضوع الذي ستختارينه في الجامعة ثم حين تفشلين أو تتبعين آراء تختلف عن القطيع سيتهمونك بالعهر وهذه حجج الضعفاء الذين يعيشون التخلف المكتسب والعجز في كل يوم من جديد.
أما أنت يا مسكينة فستصدمين لأنك بنيتِ حياة كاملة وقرارات خاطئة بناء على راحة الآخرين لا راحتك وعلى حساب صحتك وأعصابك وسنين عمرك، تبعاً لكلام الناس لا مبادئك وقناعاتك أنتِ وحينها ستكتشفين انك عشت الوهم الكبير.
قبل ان تكوني نعجةً بين الخراف تذكري أن اوروبا التي تحلمين بزيارتها لم تتحرر ولم تهب نساءها حقوقهن الا بعد ان تخلصت من الهرطقات وحكم الكنيسة وتحكم الجهلة ببقية الناس عبر صكوك غفرانهم وقراراتهم المحطمة لكل طموح.
كي لا تقعي في هذه المصيدة كوني ملك نفسك وقراراتك واستقلي مبكراً وتعلمي ان الحرية مسؤؤلية وحياة وانجازات لا صعلكة وانفلات، جربي العزلة لبعض الوقت، ادرسي الموضوع الذي تحبين، اشتغلي في مجال شغفكِ انتِ لأجلكِ لا لأجل الألقاب أو البرستيج، والأهم من هذا كله اصنعي استقلاليتك المادية ومملكتك الخاصة كي لا تحتاجي أحدا وتضطري لتقديم التنازلات يوماً.

أعرف يا ابنتي انك لن تقرأي هذه الرسالة لأنني قررت ان لا احضر اولاداً لهذا العالم ولكنها رسالتي لكل اللاتي سيتحملن مسؤؤلية ولادة الأجيال القادمة.

https://www.facebook.com/rozasinatra2020