تعديل المادة ٥٧: هجوم آخر على حقوق النساء في العراق



هدى الجابري
2020 / 10 / 6

بالرغم من كل ما يعانيه المجتمع العراقي من فقر وعوز وفقدان فرص العمل. بالرغم من المطالبات الجماهيرية بأنهاء الطائفية والفساد في المؤسسات الحكومية والسيطرة على الأحزاب وميليشياتها وسحب السلاح من الشارع. بالرغم من الحاجة الملحة لسن قوانين رادعة ضد القتل والعنف المنزلي واغتصاب الاطفال، من فشل المنظومة الصحية في علاج المرضى او حماية أجساد وكرامة الموتى من سراق ومتاجري الأعضاء البشرية. وبالرغم من امتلاء الشوارع العراقية بالمتسولين ومن كل الاعمار وزيادة نسبة الانتحار بين الشباب وهم في اعمار الفرح، فقد قررت الحكومة العراقية وبرلمانها الطائفي اجراء التعديلات على المادة ٥٧ لسنة ١٩٥٩ والتي تمتعت فيها الام بحق حضانة الطفل الى سن الثمانية عشر في محاولة من هذه الحكومة لتقليص فترة الحضانة الى سبع سنوات وبعدها توكل الحضانة الى الاب وعائلته.
هل تهتم وتقدر حقا هذه الحكومة الرجعية والطائفية حقوق الطفل في العائلة والمجتمع ليتركوا كل المشاكل والتي هم الجزء الأكبر منها ويحاولوا اجراء تعديلات على المادة ٥٧ لعام ١٩٥٩ المتعلقة بحضانة الأطفال؟ هل سنت هذه الحكومة أي قانون لمصلحة الأطفال منذ توليهم الحكم الى هذا اليوم؟ ومن الذي طالب بهذا التعديل؟
هل الأطفال او عوائلهم طالبوا بتغيير المادة ٥٧ المتعلقة بحضانة الاطفال؟ هل طالبت المظاهرات والاحتجاجات، بدأً من ساحة التحرير في بغداد الى أصغر وابعد قرية في العراق من الجنوب الى مدن كردستان، بأعاده النظر في المادة ٥٧؟ هل حَلت هذه الحكومة وبرلمانها الطائفي المتفسخ كل مشاكل الأطفال؟ وهل وفروا كل الحاجات الرئيسية والإنسانية ليعيش هؤلاء الأطفال بظروف صحية وإنسانية مع قدر من الأمان الاقتصادي والمعيشي لكيلا يتسولوا في الشوارع من اجل ان يجدوا لقمة عيشهم من بيع قناني الماء والمناديل الورقية؟ هل حموا البنات والأولاد من الاغتصاب والتحرش الجنسي في مواقع العمل التي تُشغِل الأطفال. هل سنت هذه الحكومة وبرلمانها الرجعي قوانين تجرم زواج القاصرات ومعاقبة المغتصب؟ هل حصل هؤلاء الأطفال على التعليم العلمي المتحضر في مدارس نظيفة ومجهزة بوسائل الراحة الجسدية والنفسية؟
يجب علينا التساؤل لمصلحة من إذن هذه المطالبة بالتعديل على المادة ٥٧ من قانون ١٨٨ المدني في ظل ظروف اللااستقرار والاحتجاجات والقتل المتعمد لناشطي الحركات المدنية وعدم قدرة الحكومة على السيطرة ولا حتى على مفصل واحد من مفاصل الدولة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية؟
المناقشة والعمل على تعديل المادة ٥٧ الخاصة بحضانة الأطفال ليست بخطوة غبية ابداً ولم تأتِ من فراغ او انعدام الرؤيا. إن القضية ليست على هذا النحو ابداً. انها خطوة مدروسة ومخطط لها لتفتيت مطالب الشارع العراقي في توفير فرص العمل وضمان البطالة. هذا التعديل هو لزرع التفرقة بين مكونات المجتمع ولشق وحدة أهدافهم واحتياجاتهم التي طالبوا بها وقدموا أكثر من ٨٠٠ شهيد وعشرات الالاف من الجرحى. ان تعديل وتغيير المادة ٥٧ ما هي الا هجمة أخرى من الحكومة وبرلمانها الطائفي ضد المتظاهرين والناشطين في ساحات المدن العراقية والذين يطالبون بحكومة علمانية ومدنية. تغيير حق حضانة الام للطفل من ثمانية عشر سنة الى سبع سنوات هو تعديل بائد له جذوره الدينية والإسلامية المتطرفة.
ومحاولة تعديل المادة ٥٧ الخاصة بحضانة الأطفال هي خطوة لأقصاء المرأة، ولسلب حقوقها ولدفعها خطوات الى لوراء مرة أخرى. ففي الوقت الذي رفعت فيه الكثير من المنظمات النسوية والتحررية شعارات تطالب فيها الى إقرار قانون لتجريم العنف المنزلي ومعاقبة المعتدي، وبعد ما عانت الكثير من النساء والفتيات من القتل والحرق والاغتصاب وخاصة بعد كم الجرائم الهائل الذي حدث بعد تفشي جائحة كورونا، وبدلا من ان تستجيب هذه الحكومة البائسة لمطالب النساء والمنظمات النسوية والمدنية في انهاء العنف المنزلي، قررت هذه الحكومة ان تعدل قانون حضانة الأطفال ليزداد العنف والاضطهاد والاجرام في العائلة الواحدة.
لقد أثار النقاش حول التعديل الكثير من السخط والرفض بين الناشطين والمدنيين واولهم المنظمات التي تدافع عن حقوق النساء وحمايتهن. التعديل الجديد الذي سيقلل من حق الام في حضانة الطفل الى سبع سنوات بدلا من ثمانية عشرة سنة سيكون وصمة عار في جبين هذه الحكومة البائسة ومواليها الطائفيين. انها خطة مدروسة لزيادة التنكيل بالمرأة والطفل وتهديدها بسلب الحقوق التي حصلت عليها منذ العام ١٩٥٩. الان بدلا من ان تناضل المرأة ضد العنف وتطالب بحريتها أصبحت تطالب بحق الامومة والحفاظ على عدم حرمانها من اطفالها. أنها مسألة مصيرية ويجب على المنظمات التي تدافع عن حقوق الانسان بشكل عام والمرأة بشكل خاص ان لا يخدعوا بهذه الممارسات والطرق الملتوية والتي قصد منها تفتيت وحدتهم ونضالهم من اجل مطاليبهم المشروعة. على الاحرار والناشطين ان يقفوا صفا بصف مع النساء ضد أي قانون او تعديل قانوني في ظل هذه الحكومة التي لم تمثلهم ولن تمثلهم يوماً. على النساء ومن كل المنظمات والمؤسسات الوقوف بوجه هذا التعديل لان المقصود من هذا التعديل هو تمزيق مطاليب الجماهير المحتجة من اجل فرص العمل وضمان البطالة وايضا سحب حقوق المرأة الواحد تلو الاخر ولمنعها من ان تعيش في حياة إنسانية ومدنية.