غياب القوانين الرادعة وسلطة القانون من أهمّ الأسباب المجتمعيّة لممارسة التحرُّش الجنسيّ



فاديا حج فاضل
2020 / 10 / 27

التحرّش الجنسيّ هو سلوك يقوم به المتحرِّش بدافع جنسيّ تجاه الآخر على اختلاف جنسه ذكراً كان أم أنثى، ممّا يشعره بالإهانة والإذلال، أو هو صيغة كلام غير محبَّب أو أفعال ذات صفة جنسيّة تنتهك خصوصيّة المشاعر أو الجسد، تجعل المتحرَّش به يشعر بالخوف والترويع والإساءة ويفقد الأمان، ويصنَّف ضمن السلوك الإجراميّ للأفراد، فهو يمثِّل العنف الجنسيّ ويشمل (الاغتصاب، الاعتداء الجنسي، والتحرّش) ويكون لها تبعات في غاية الأذى للآخر الذي تعرَّض للتحرّش بينما قد يغذِّي غريزة المتحرِّش على أنَّه لا يتحكَّم بغريزته الجنسيّة.

أشكال التحرّش
أحياناً، يبدأ التحرّش من نقطة لينتهي بنقطة، فقد يكتفي بعض المتحرّشين بالتحديق أو الملاحقة، أو استعمال إيحاءات جنسيّة، أو استعمال ألفاظ جنسيّة، وربّما طلب رقم الهاتف.

وآخرون قد يقومون بعرض الأعضاء الجنسيّة بصورة غير مباشرة أو عرض ملصقات توحي بالإثارة أو طلب الممارسة الجنسيّة بصورة غير مباشرة.

ويكون الشكل المدمِّر للمتحرَّش به هو طلب ممارسة الجنس بشكل صريح، وقد يتعدَّى ذلك إلى ممارسة الاعتداء الجنسيّ، مثل لمس الآخر المتحرَّش به، أو محاولة التقبيل، أو تمزيق الثياب إذا حانت الفرصة، وهنا ينتقل المتحرِّش إلى مرحلة الاعتداء الجنسيّ.

ولن أغفل هنا حالات الاعتداء الجماعيّ الذي ترتكبه مجموعة من الناس بحقّ شخص مفرد وأعزل.

من هم المتحرِّشون؟
المتحرِّش قد يكون فرداً لوحده أو فرداً ضمن جماعة من الذكور والإناث، في الغالب يكون غريباً بالكامل، أوقد يكون أحد الأقرباء، وفي العمل قد يكون ربّ العمل أو زميل العمل، وفي المدرسة يكون المعلّمون هم على الأرجح المتحرِّشون والتلاميذ والطلبة من الذكور والإناث هم المتحرَّش بهم، والأمر ينطبق على التحرّش في الجامعات ويكون أقسى درجة، إذ يصل الأمر إلى ابتزاز الطالبات من قبل الأساتذة، وبالتالي تكون النتائج سلبيّة جدّاً قد تصل إلى درجة الجريمة أو الانتحار أو ترك الدراسة الجامعيّة، وفي المعامل يكون الأمر أيضاً فظيعاً جدّاً، إذ ربَّما يتمّ ارتكاب جريمة بحقّ المعتدى عليها وإخفاء الجثّة في مكان ما.

أمّا ضمن العائلة قد يتمّ التحرّش بصورة مباشرة أو غير مباشرة، والمتحرِّش في العائلة يكون ممثَّلاً بالذكر، فقد يتذرّع الأخ بذريعة ما، بفتح الباب على أخته بينما تستبدل ملابسها، أو فتح باب الحمام، وأحياناً يتظاهر بحبّها على أن يقبّل مناطق في جسمها ليوهمها أنّه يحبّها كأخت، ولكنّ الغاية تكون إشباع رغبة جنسيّة، أو قد يدّعي حاجته للنوم في أحضان أمّه بذريعة حاجته إليها، ولكنّ الدافع يكون غير ذلك في غالب الأحيان، وخاصّة إذا كان الأخ أو الابن في مرحلة المراهقة وتندر لديه الفرص التي تسمح له بالتعبير عن نضوجه الجنسيّ. ذات الأمر ينطبق على الأب وبعض الأقارب في محيط العائلة، وتكون الضحيّة دوماً هي الأخت أو الابنة بمعنى الفرد (الأنثى) في العائلة.



أماكن التحرّش
قد يتمّ التحرّش في أيّ مكان ابتداءً بالأماكن العامّة، كالشوارع أو الأسواق والمواصلات والمدارس والجامعات والمحالّ التجاريّة وداخل البيوت، وهذا ما يحدث بين الأصدقاء والأقارب والعائلة نفسها أو عبر الانترنت، أو الأطفال فيما بينهم في أثناء اللعب وفي خلواتهم البعيدة عن أعين الأهل.

الأسباب
لن تكون الأسباب مجتمعيّة فقط، بمعنى أن تكثر في مجتمع وتقلّ أو تنعدم في آخر، فإذا كانت الأسباب في المجتمعات المحافظة ناتجة عن الكبت الجنسيّ وغياب الرادع الدينيّ الذي يفرض منظومة قيم أخلاقيّة، تحدُّ من ارتكاب الكثير من السلوكيّات الشائنة، فإنّ المجتمعات المنفتحة أيضاً فيها ظاهرة التحرّش والشواهد كثيرة إذا أردنا أن نوردها.

ولكن قد نفصل هنا، ما بين عوامل مرتبطة بالفرد وعوامل مرتبطة بالمجتمعات.

على مستوى الفرد: نجد أنّ المتحرِّش إمّا أن يكون هذا الفرد قد تعرَّض لإساءة جنسيّة في طفولته من أشخاص قد يكونوا غرباء أو أقرباء، وإمّا أن يكون فرداً في عصابة أو مجموعة سوء، أو مدمناً أو شخصاً معادياً لجنس المرأة أو ربّما فرداً تخلو شخصيّته من كلّ هذه الأسباب، ولكنّها الغريزة الجنسيّة هي التي تدفعه إلى هذا السلوك.

على مستوى المجتمع: العوامل غالباً ما تكون لها علاقة وثيقة بمفهوم الذكورة الذي يعبّر عن قوّة الرجل أو لها علاقة بذائقة المتحرِّش الذي يدعم سلوكه البغيض، على أنّ تلك الفتاة سلوكها غير لائق وفق محدوديّة منطق المجتمع الذي ينتمي إليه، الأمر الذي يتعارض مع مفهوم حرّيّة الفرد في ممارسة قناعاته وعقائده، ويمكن هنا اعتبار سلوك المتحرِّش قناعة خاطئة يجب دحضها بالمطلق.

لكنّ منظّمة الصحّة العالميّة وجدت في أنّ أهمّ الأسباب المجتمعيّة لممارسة التحرّش والعنف الجنسيّ، هو غياب القوانين الرادعة وسلطة القانون التي بإمكانها محاسبة المتحرِّشين وحماية الضحايا وفق قوانين يضمنها الدستور.


التحرّش الجنسيّ في المخيّمات
كحالة طبيعيّة من انعدام الأمن في المخيّمات ونتيجة الاختلاط المباشر وضيق المساحة وسكن أكثر من عائلة في خيمة واحدة أو بيت واحد، الأمر الذي يعرّض النساء خاصّة والأطفال ذكوراً وإناثاً إلى التعرّض للإساءة الجنسيّة والعنف الجنسيّ.

كما أنّ للأمر علاقة وثيقة بحاجة النساء ضمن المخيّمات إلى توفّر الاحتياجات الأساسيّة، وهنّ بلا عمل وبلا معيل في معظم الأحيان، مما يدفعهنّ إلى قبول ما يُطلب منهنّ كمبادلة الجنس بالطعام والسكن، من قبل الرجال اللاجئين أو عناصر الإغاثة، أو أمن البلد المستضيف.