حقوق المرأة وضرورة النضال ضد التيارات الشعبوية



نادية محمود
2020 / 11 / 1

لمعرفة ماهي حقوق النساء، لماذا تتمتع النساء بقدر معين من الحقوق يختلف عما يتمتع به الرجل؟ وكيف حدث هذا التفاوت في الحقوق؟ يجب ان نعرف اولا كيف جرى تحديد هذه "الحقوق" و استنادا الى اي شيء جرى تحديدها؟
انطلاقا من تفسيرنا الطبقي فان الحقوق تحددت على اسس طبقية اقتصادية. حيث ان المجتمع الذي نعيش فيه هو مجتمع رأسمالي يقوده رجال لهم ايديولوجية سياسية وفكرية تريد الابقاء هذه الطبقة وان يكون لها السيادة والهيمنة . تبعا لذلك، فان النساء- باعتبارهم اناث- العمال، الاجانب، المعاقين جسديا، هم الفئات الاضعف، والاكثر تهميشا واقل حقوقا مقارنة بالرجل.
في هذا المجتمع الطبقي، جرى تقسيم العمل بين الرجال والنساء في انتاج ما يحتاجه البشر. الرجل انيطت به مهمة الانتاج، اما المرأة فاوكلت لها مهمة "اعادة الانتاج" او" تهيئة مستلزمات ألانتاج". اي ان يكون للرجل الدور في العمل خارج المنزل، مثلا في الصناعة، الزراعة، الخدمات، او اية مهنة اخرى، اما المرأة فقد عيّن لها ان تكون مسؤولة عن العمل المنزلي. اي ان تكون مسؤولة عن العناية بالزوج، اشباع حاجاته من طعام، ومنام، انجاب الاطفال وتربيتهم واعدادهم ودعمهم الاجتماعي والعاطفي. اي تهيئة قوة عمل حاضرا ومستقبلا للانتاج الرأسمالي. وبهذا اعتبر عمل الرجل في الانتاج او في الخدمات، عمل مدفوع الاجر، له قيمة، بينما عمل النساء، عمل لا قيمة مادية له، ولا يقدر بثمن، ولا يدفع له اجر.
تمت صياغة قوانين وتقاليد وبنية فكرية فوقية باكملها من اديان وايدولوجيات واحزاب وسياسات بناء على هذا التقسيم وتوزيع الادوار على اساس جندري وضعت المرأة في موقع دوني، بحقوق اقل، مانحة الرجل حقوق اكثر، وله حق القوامة والوصاية والتأديب للمرأة. وسّنت القوانين التي تجعل المرأة في المرتبة الثانية، في مرتبة دنيا قياسا بحقوق الرجل. لقد ثبت هذا الموقع الدوني للمرأة بالنسبة للرجل الى درجة انه حتى وان كان الرجل في احايين لا يعمل في الانتاج، بل المرأة هي العنصر الذي له دور في الانتاج، والرجل لا يقوم باي عمل على الاطلاق كما يحدث في احايين كثيرة في الريف العراقي، الا ان الرجل بقي يتمتع بموقع ومكانة اعلى مقارنة بالمرأة، وبفرض هيمنته وسلطته عليها، حتى وان كانت مكانتها مهمة اقتصاديا للاسرة وهي التي تجلب الدخل الى العائلة.
الذي اسهم في وقتنا الحاضر في تثبيت هذا التمايز بين الرجل والمرأة، النظام الرأسمالي وتياراته الشعبوية التي لها وجود مؤثر وقوي في كل انحاء العالم. هذه التيارات الشعبوية قد تكون دينية، قومية، وطنية، يسارية-قومية. ولكن لنوضح ما هي الشعبوية.

ماهي الشعبوية؟

الشعبوية هي اي تيار يصيغ تصوراته للمجتمع على اساس ال" نحن" وفي الجهة المقابلة – الخصم هو ال " هم". تذوب في هذه ال"نحن،" كل التقسيمات الطبقية والجنسية على اساس الطبقة، الجنس، الجنسانية، فنحن "كل واحد"، والطرف الاخر، هو ال" هم" الخصم، العدو، المخالف، المعارض. الشعبوية في جوهرها تقوم على انكار وجود طبقات، وانكار وجود صراع طبقي داخل مجتمع ال " نحن". من هنا، لا تشكل قضية المرأة ومطالبها، العامل ومطالبه، الاجنبي، المثلي، ولا تحتل اية اهمية في تفكير التيارات الشعبوية على اختلافها. وهكذا يجب ان تنصهر حقوق المرأة، حقوق العامل، الاجنبي او قد يحرم بشر من الحقوق بسبب عدم انسجامهم مع هذا الجمع. الجمع الذي يصفه التيار الشعبوي بـ "اننا كلنا معا". ولطالما نسمع عبارات من قبيل" نحن في قارب واحد"! والحال اننا لسنا في قارب واحد. هذه ال"نحن"، مهيمن عليها من قبل طبقة مستفيدة، سائدة " ناطقة باسمنا جميعا"، تقوم بسوق وتحشيد الجميع تحت رايتها، وتسعى للتحدث باسمنا، بتخويل او عدم تخويل منا ورغما عن ارادتنا! التيارات الشعبوية لا تعترف بوجود مؤسسات وقوانين، بل تعتمد على وجود شخصيات كارزماتية تتحرك وكأنها هي القانون، ويجري اتباعها وطاعتها بغض النظر عن مؤسسات الدولة وقوانينها. شخصية ترامب، كشخص شعبوي هو نموذج في الولايات المتحدة، كما هو نظام صدام حسين في العراق، او مقتدى الصدر. يهدف هذا التيار في جوهره وفي حقيقته على المحافظة على النظام الطبقي القائم الذي يتميز بهيمنة الرجل على المرأة ويوظف من اجل هذا الهدف الفكر القومي والديني والعنصري وافكار التيار المحافظ اي الحفاظ على الوضع الحالي ومعاداة التقدم والتغيير.
التيار اليميني الشعبوي في امريكا على سبيل المثال معاد لحقوق المرأة نتيجة لفقدان الرجال الابيض لموقعه المتميز في المجتمع الذي استمر لمدة 150 عاما اي من 1820 – 1970، اي في فترة "دولة الرفاه" او "دولة الرعاية" كان الرجل يحصل على وظائف تدّر عليه دخلا كافيا وبضمانات عالية. الا انه مع تبني النظام الليبرالي القائم على تقليص موظفي دور الدولة، ودفع العاملين الى التوجه للقطاع الخاص وما يعنيه ذلك من قلة اجور وانعدام ضمانات، مع توقف الزيادات في الرواتب فقد الرجل بسبب هذا الوضع الاقتصادي الجديد، موقعه الاقتصادي السابق. اضطر هذا الامر النساء لدخول سوق العمل من اجل تأمين دخل اضافي جديد يعوض عن النقص الذي حصل في دخل الرجل. من هنا دخلت المرأة في الانتاج بشكل اوسع، ومن هنا تم اتهام النساء من قبل التيار اليميني بان وجودهن في ميدان العمل وتحررهن قد قوّض من وضع الرجل وموقعه، وهو الاساس الذي يقوم عليه كل النظام الطبقي، اي الموقع المتفوق للرجل. لذا، تعتبر الشعبوية ضرورية لانها تسعى للمحافظة على موقع الرجال في الاسرة والمجتمع، وتريد تأبيد تفوقه.
التيارات الشعبوية اذن، هي تيارات برجوازية تهدف الى المحافظة على الوضع القائم وتستفاد من الفكر الديني والقومي والعنصري والفاشي من اجل تثبيت الهيمنة الطبقية للرأسمالية، وتثبيت هيمنة الرجل ايضا. لذا، يمكن تفحص " الحقوق" والاوضاع التي رسمتها التيارات الشعبوية سواء كانت قومية، دينية، فاشية، او تيارات مزيجة من اكثر من تيار فيما " اقرّته" من حقوق للمرأة. لنوضح كيف حددت وقررت التيارات الشعبوية حقوق المرأة.

كيف ينظر التيار الشعبوي الى حقوق المرأة؟

اولا: دور المرأة في اعادة تهيئة مستلزمات الانتاج: تعتبر التيارات الشعبوية ان العائلة هي الخلية الاولى والاساسية في المجتمع. وفي هذه الخلية الاساسية لبناء المجتمع تلعب المرأة الدور الاساسي والجوهري. يتضمن هذا الدورالعناية ورعاية افراد الاسرة والاستجابة لمتطلباتها على انواعها واختلافها. بينما يحتل الرجل دورا اقتصاديا من خلال تدبير دخل مالي للاسرة. اي لا يضع هذا التيار دور المرأة في الانتاج ودورها الاقتصادي الا في المرتبة الثانية وبشكل لا ينافس عمل الرجل.
ثانيا: دور المرأة كحزام ناقل للقيم والعادات السائدة من جيل الى جيل. قّرر للمرأة ان تكون حاملة فكر وعقيدة التيار الشعبوي. و انيطت بها مسؤولية ادامة الاعراف والتقاليد الاجتماعية والاخلاق. حيث اوكلت لها مسؤولية تربية الاجيال، اي نقل القيم والعادات واخلاق ألقوى السائدة والمسيطرة وصاحبة النفوذ في المجتمع الى ابنائها وبناتها. وبما ان الاسرة هي الخلية الاولى في المجتمع، فان النساء والامهات تحديدا سينقلن تلك القيم الاجتماعية الى كل الخلايا التي يتكون منها نسيج المجتمع، فتعم الافكار السائدة في المجتمع للاجيال اللاحقة عبر النساء والامهات. كلنا يتذكر الشاعر حافظ ابراهيم ( الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها أَعدَدتَ شَعباً طَيِّبَ الأَعراقِ) . اي جرى تحميل المرأة مسؤولية تجسيد القيم مثل قيم الشرف والاخلاق والعادات والتقاليد. لذلك، لا تعدم ان تجد النساء متشربات تماما ويعكسن على اتم وجه القيم المرتبطة بالذكورية والابوية ومعاداة المرأة.
ثالثا: دورها في خدمة وحماية الوطن، وطن الرجال. جرى تشبيه ألمرأة والام بالارض. وانها تلد اجيالا وتنذرهم فداءا للوطن. من هنا، فان سياسة التيارات الشعبوية على اختلافها في عدم منح المرأة حق الخيار بالاجهاض ينبع من حاجة هذه الطبقة الى ولادة جيل محارب ومقاتل ومدافع عن الدولة، عن السلطة، او بكلمة اخرى عن الطبقة والسلطة الحاكمة. لذا فان امتناع المرأة عن الحمل او الولادة او الرغبة في الاجهاض تواجه بالرفض والاستنكار وعدم الدعم من قبل الدولة. اعتبرت المرأة هي الام والاخت والمناضلة من اجل الوطن. اي نسبة الى الوظائف التي اوكلت اليها في المجتمع لتقوم بها. لذلك جرى تمجيد المرأة التي تقوم باداء واجبات وطنية او قومية باعتبارها انجازات للمرأة، والحال ان المرأة جرى استخدامها من اجل تنفيذ اجندة الطبقة الحاكمة ورجالها. لقد شهدنا كيف جرى تمجيد دور النساء المقاتلات في حروب التحرير مثل المقاتلة الجزائرية جميلة بوحيرد، او تمجيد " الماجدة العراقية" في العراق نظرا لدورها في دعم حرب نظام صدام حسين، وبغض النظر عن دور المرأة في هذه الحروب الا انهن تعرضن لاحقا لهجمة مع انتهاء حروب التحرير او الحروب الاخرى.
اذن لم تكن مشاركة النساء في هذه الحروب لتحقيق حقوقهن هن، او مطالبهن هن، في خضم الصراع في هذه الحروب. ولما نزل حين تصغي الى هتافات النساء في ساحات الاعتصام في العراق في انتفاضة اكتوبر 2019-2020 ( نسوان وطلعّنه، ونساند اخوتنه) او " هاية بناتك يا وطن هاية- رفعن الراية" لم تردد النساء شعاراتهن ومطالبهن هن كنساء في خضم هذه الانتفاضة العظيمة، بل كونهن منفذات وعناصر مساعدة لاصحاب المطالب " الاصليين" وكأن دورهن هو داعم او لخدمة اما " الوطن" او " الاخوة". جرى غض النظر تماما عن مطالب النساء في هذه التظاهرات، او قلما جرى التطرق له من قبل النساء المتظاهرات انفسهن.
واذن ينظر للمرأة كعنصر ثانوي، وليس اساسي وهو دعم الرجل، مساعدته، مساندته، وليس باعتبارها هي اساسا انسانا، او جمعا، او جنسا بذاته، له قضاياه، ومطالبه، وتحديات تواجهه، و يحتاج الى ان يكون حرا ومتساويا مع الجنس الاخر. وهذا يعني في جوهره الابقاء على دور الرجل في السياسة كدور اولي، كما رأينا في الاقتصاد، وابقاء دور المرأة ثانويا ومساعدا في السياسة، كما رأينا في الاقتصاد ايضا. اي لا ينظر الى دور و دخول المرأة في ميدان السياسة كحقل وميدان لتغيير اوضاعها هي، لاهدافها هي، وتمتلك الاستقلالية التامة في كيفية العمل والتصرف والسلوك في هذا الميدان. لذلك اذا تمعنا حقوق النساء في التفكير الشعبوي الديني والقومي فاننا نرى:
لناحية الحقوق الاقتصادية: في ظل هذا النظام الاقتصادي الرأسمالي النيولبرالي العالمي للعمل حيث تقل فرص العمل، يشتد التنافس فيها على هذه الفرص، تنعدم حقوق العمل والضمانات الاجتماعية، قلة الاجور، الطرد من العمل بدون اي حماية و تستلب حقوق المرأة فيه. تحصل النساء على اجور اقل من اجور الرجال لمزاولة نفس الاعمال. وهذا هي الفائدة التي يجنيها النظام الرأسمالي على اساس التفريق على اساس الجنس في العمل، حتى يدفع اجور اقل للعاملين فقط لانهن "نساء". وفي احايين اخرى يعتبر دخل المرأة " دخل اضافي" " لمساعدة " رب الاسرة" او معيل الاسرة، اي انه دخل ثانوي رغم وجود الملايين من الاسر تعيلها نساء. من جهة اخرى، تخلي الدولة مسؤوليتها تجاه المواطن، من خصخصة الخدمات، مما يعني ان تدفع المرأة كلفا اضافية على الماء والكهرباء والصحة والتعليم والانترنت. لذلك ادت الاوضاع الاقتصادية في الغرب الى عزوف النساء عن الزواج، او عزوفهن عن الانجاب من اجل المحافظة على فرص العمل. اما في المجتمعات الشرقية والمحكومة بالقوانين الاسلامية فانه يصار الى اللجوء الى تزويج البنات والنساء، وتحويل الاسرة- اسرة الاب، او اسرة الزوج لاحقا- كمؤسسة لضمان معيشة ألفتاة وألمرأة، وذلك بنقل مسؤولية معيشتها من الاب والاخ الاكبر الى كاهل زوجها، في مجتمع يفتقد لفرص عمل ويفتقد ايضا لبرامج الرعاية والضمان الاجتماعي. من هنا تمثل النساء الأغلبية الساحقة من جيوش الفقراء والعاطلين من العمل والمستغَلين في هذه المجتمعات. في العراق تبلغ نسبة النساء العاملات النسبة الاقل في الشرق الاوسط، حيث لا تتجاوز 12%. اما النساء في اوربا، فانهن يخشين بشكل مستمر من فقدان حقوقهن، فرص عملهن، ويفتقدن الشعور بالامان الاقتصادي والاجتماعي. من هنا، رفضت الكثير من نساء خروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي، او "بريسكت " حيث تتعرض نساء المملكة المتحدة الى التهديد بفقدان الحقوق التي كانت قد التزمت بريطانيا بها نتيجة وجودها في الاتحاد الاوربي. حيث ان حقوق النساء في اوربا التي ثبتت، لم تعد ملزمة للمملكة المتحدة. واذن، في ظل هذه الانظمة الرأسمالية النيوليبرالية، سواء في الشرق او الغرب ، ادت الى انعدام الشعور بالامان الاقتصادي والاجتماعي، ومن اجل تدبر معيشتها تعيش المرأة في اجواء العنف والتحرش الجنسي وامتهان كرامتها.
لناحية الحقوق السياسية: هنالك تعامل انتهازي مع حقوق النساء السياسية من قبل الاحزاب والتيارات الشعبوية. في وقت الحروب، تجري الاستعانة بالنساء، حيث يستدعين الى القيام بادوار مختلفة من قتال، وطبابة، وتوفير طعام، وغسل ملابس، والخ. وما ان تنفض الحرب حتى تعاد النساء الى موقعهن الهامشي. تجربة النساء في اوربا في الحرب العالمية الاولى كان بالغ الاهمية، لكن لم يجري اعطائهن حق التصويت الا بعد نضال ضار وتضحيات كبيرة. تجربة المرأة في الجزائر حيث شاركت المرأة في حرب التحرير، الا انه ما ان انفضت الحرب، حتى اعيدت المرأة الى دورها الهامشي، وبقيت تعاني من الحرمان من حقوقها. بل صدر في الجزائر ذاتها قرار بمنع المرأة من السفر بدون موافقة ولي امرها عام 1981. في العراق شاركت النساء كقوة عمل، في الحرب العراقية- الايرانية، وجرى التغني ب" الماجدة العراقية" الا انهن اخرجن كفائض عن الحاجة حال انتهاء الحرب ومع عودة الرجال من جبهات القتال لميادين العمل في عام 1988. بل الاكثر من هذا صدر قرار بمنعهن من السفر دون مرافقة ولي امرهن. اي جرى معاملتهن كاناس قاصرات لا يمتلكن الاهلية على القرار على انفسهن. اما الحاجة الى اصوات النساء للفوز بالانتخابات.، فهي شاهد اخر على التعامل الانتهازي مع المرأة. على سبيل المثال في الوقت الذي تعامل الاحزاب الاسلامية وفقا لقوانين الشريعة بانها مبتسرة الحقوق المدنية، وهي غير قائمة على نفسها، بل الرجل هو صاحب الامر والنهي على المرأة. ولكن حين يتعلق الامر بالانتخابات يطالبون باصوات متساوية للنساء، فقط للحصول على اصواتهن لفوز الاحزاب لعضوية البرلمان.
الحقوق الفردية والمدنية: الاحزاب الشعبوية اليمينية الدينية منها والقومية ، ونظرا لفلسفتها القائمة على ان دور المرأة مقتصر على داخل الاسرة، وان مهام العالم الخارجي هي من اختصاص الرجل فان التركيز على موضوع الرجولة والرجولية اصبح سائدا. تعزز الحركات السياسية اليمينية الشعبوية من صورة الرجل القوي، المسؤول عن " حماية والدفاع عن الوطن" و"حماية النساء" ايضا. والتي هي على النقيض من تقوية النساء. هذه الصورة سمحت الامر بتصعيد العنف المنزلي واستخدام العنف من قبل السلطات ضد النساء. ان الذكورية والرجولية هي ما يسم احاديث وخطابات القادة الشعبيون من اسيا الى الولايات المتحدة ومن فرنسا الى استراليا. الامر الذي يؤدي الى تكريس وتعزيز ثقافة العنف الجسدي، والتحرش الجنسي ضد البنات والنساء، بل وايضا السيطرة على حق التصرف باجساد النساء، وتحديد حرية حركة المرأة، والتحكم في لباسها وبقية حقوقها المدنية والفردية. ولا نعدم ان نجد ان حتى النساء لديهن القناعة بان العنف له ما يبرره لتأديب النساء.1
تعتبر قضية عدم منح حق الاجهاض احد القضايا الكبرى التي اتفق عليها اليمين الشعبوي في امريكا وفي اوربا الشمالية وفي دول اوربا الشرقية وفي اسيا. في وسط ازمة انخفاض الانجاب في هذه البلدان، هنالك رفض لحق الخيار في الاجهاض من قبل القادة الشعبويين. ان هذه الحكومات تريد الاطمئنان على ان هنالك ايدي عاملة تلد، وتدير عجلات الانتاج من اجل تحقيق الارباح، في الوقت الذي يعني الحمل بالنسبة لكثير من النساء الطرد من العمل. في خضم تناقض الرأسمالية هذا، تتنصل الدولة ليس عن تقديم العون للنساء من اجل التحكم في الانجاب، بل وايضا لا توفر للنساء سبل الوقاية الحمل. من هنا اثيرت الكثير من الجدالات في الغرب حول حق الاجهاض.
لذلك، وفق التفكير الشعبوي، لم يعد حق الانجاب او عدم الانجاب قرارا شخصيا، بل قرار سياسي تتدخل به الحكومات. 2 ادارة ترامب قلصت من الدعم لصحة الانجاب3. ان منع الانجاب في الولايات المتحدة، يعني عدم تمويل اجراءات الوقاية من الحمل. و تحويل جزء من تمويل الوقاية من الحمل الى المنظمات اليمينية الداعية الى "الامتناع عن الممارسة الجنسية للحيلولة دون حدوث حمل" بدلا من ايجاد وسائل منع الحمل في العيادات الصحية. في ايطاليا بدأت حملة ضد عدم الانجاب او التحكم في الانجاب. في اوربا الشرقية وفي دراسة قامت بها منظمة كفينا تل كفينا اوردت العديد من النماذج التي توضح ان قضية الانجاب اصبحت قضية وطنية و ليست قضية شخصية. حيث "ان الوطن يحتاج الى اجيال جديدة." في امريكا اللاتينية قال شافيز " نساء فنزويلا هن روح المسار الثوري، لانهن يلدن الجيل الجديد في البلد، لانهن زوجات"4. ويتحدث عن دور المرأة في الامومة بانها " امومة ثورية" من اجل تعبئة النساء لدعم السلطة. يصف الرئيس الكوراتي عدم الانجاب من قبل نساء كرواتيا باعتباره "عمل عدائي للدولة". اما الرئيس الباكستاني عمران خان يقول ان "النسوية تفسد دور الامومة". ولهذا، تتعرض النساء المدافعات عن حق الخيار- اي حق الاجهاض- الى الاخطار والى العنف. تتعرض النسويات الى حملات الكراهية، وتهديدات عبر وسائل الاعلام الاجتماعي.
ان هذه السياسة والذهنية الشعبوية تفقد المرأة قدرتها على السيطرة وامتلاك قرارها على خياراتها ، وتحركاتها وعلى حرية جسدها. تتحول كل هذه الى قرارات ألاخرين. والاخر هو الدولة، السلطة، الفرد، الدين، العشيرة. كل هذه الهيئات لديها تصوراتها عن ماهية وكمية حقوق المرأة، ومساحة قدرتها على التحكم في جسدها. لذلك تفقد المرأة شعورها بالخصوصية والاستقلالية. بل تصبح هذه المفاهيم غريبة، وغير مألوفة. تلغي الشعبوية، كتحصيل حاصل، الفوارق بين الخاص والعام. حيث يذوب الخاص بما هو عام. لذلك لا يبقى الحيز الخاص للنساء. ان الدول المحكومة بالانظمة والقوانين الاسلامية تقدم افضل دليل على مدى حرمان المرأة من السيطرة والسيادة على قراراتها وعلى جسدها، مما ساوضحه في القسم التالي.

حقوق المرأة في الدول المحكومة بالقوانين والانظمة الشعبوية الاسلامية:

في الدول الناطقة بالعربية ظهرت الحركات الاسلامية منادية بالاسلام باعتباره "دين ودولة"، ويمتلك الاسلام السياسي تصور شامل وكامل عن وضع وحقوق المرأة. ان مجمل السياسات والقوانين التي مورست ضد النساء في الشرق الاوسط وشمال افريقيا، توضح مدى المعاملة الدونية والانتقاص من حقوق المرأة. ان رأس حربة الحركات الاسلامية موجهة الى المرأة وحقوقها. ابتداءا من ايران عام 1979 بفرضها الحجاب الاجباري، معاقبة " التبرج"، الفصل بين الجنسين، تشريع زواج المتعة، تشريع زواج الاناث من الاطفال، والتي هي اجزاء من الحقوق "المقّرة " للنساء في الدول المحكومة بالقوانين والانظمة الاسلامية، وصولا الى افغانستان والسودان والجزائر في تسعينات القرن المنصرم، و الاردن ومصر والعراق والسودان والسعودية حيث حقوق المرأة، لا تحتاج الى شرح كثير.
لقد شهدت المنطقة برمتها مساع محمومة من اجل تغيير قوانين الاحوال الشخصية التي كانت قد شرعت في مراحل ثورات التحرر الوطني. جرى تقديم قانون الاحوال الشخصية في الجزائر في عام و1984 و هو مخل بحقوق ومباديء مساواة المرأة. وبعد الاستنكار له، جرى تقديم مسودة اكثر رجعية من المسودة الاولى وجرى تمريره بالضد من مصلحة النساء. في العراق جرت عدة محاولات لتغيير قانون الاحوال الشخصية الذي صدر عام 1959 الى قانون اسلامي شيعي في اعوام 2003، حين اقدم رئيس مجلس الحكم عبد العزيز الحكيم انذاك على محاولة احلال الشريعة الاسلامية محل قانون الاحوال الشخصية، الا انه تم رفضه. في عام 2005 تم حشر تلك المواد التي رفضت عام 2003 بدستور 2005، وفي عام 2014 كانت هنالك مساعي لفرض القانون الجعفري الذي دحر هو الاخر بفضل تظافر القوى النسوية والتحررية.
ما قامت به حركات اسلامية سنية مثل داعش، لا يحتاج الى الكثير من الشرح او التفصيل. لقد قتلوا النساء، او وباعوهن في سوق النخاسة، و استخدمت المرأة كوسيلة اشباع حاجة للمقاتلين فيما اطلق عليه بفتوى "جهاد النكاح" في آذار 2013 ، و نسبت إلى الداعية السعودي محمد العريفي.5
اما فيما يتعلق بملكية المرأة لجسدها وحقها في التصرف بهذا الملكية الخاصة بها، يضع الإسلاميون اطرا محددة وخاصة لحرية النساء في التصرف باجسادهن. فالحجاب يفرض على الفتيات وفي سن مبكر، للحيلولة دون "فتح شهية الرجال". حرية الحركة للمرأة مشروطة بموافقة الرجل، فعلى المرأة الاستئذان من الرجل اولا ونيل موافقته قبل الاقدام على اية خطوة من اجل نيل رضاه وموافقته. "الشرف والعفة، والطهارة" هي من المفاهيم التي تشبع بها اذهان الفتيات ومن سّن مبكرة، لـ" وقايتهن وتحصينهن" من أية احتمالية للتفكير مستقبلا باختيار شريك لهن خارج الاطر والقوانين الدينية. الحركات الدينية تجرّم العلاقة الجنسية خارج اطار الزواج الرسمي وتعتبره جريمة تعاقب عليها قوانين الشريعية الاسلامية باعتباره " زنا". وتعفي الحكومات المحكومة بالقوانين الدينية عن مرتكبي جرائم الاغتصاب اذا قرر الاخير الزواج من الضحية، دون توجيه عقوبة لهذه الجريمة، نابع من التصور بان المرأة او الفتاة بدون غشاء بكارة ستكون ناقصة القيمة، بحيث يكون زواج مغتصبها منها هو لترقيع هذه الشق، في "تسوية" بين المغتصب والمغتصبة. الفصل بين الجنسين و عدم الاختلاط، هو احد مباديء الحركات الاسلامية.
جرى استخدام موضوع النساء وحقوقهن من قبل اليمين الشعبوي في الغرب كما في الشرق. استخدمت التيارات اليمينية في الغرب موضوعة "العداء ضد المرأة" لدى الجماعات الاسلامية لتأليب المجتمعات الغربية ضد المهاجرين القادمين من الشرق الاوسط واسيا وشمال افريقيا، باعتبار ان هؤلاء اصحاب ثقافة مناهضة للمساواة ومعادية للمرأة. من جهتها تروّج التيارات الشعبوية الاسلامية في الشرق او في الجنوب بان اوربا تنتهك " كرامة المرأة" حيث يقوم الغرب " بتعرية" النساء واستخدامهن بشكل سلعي وان المجتمعات الغربية، هي بدون اخلاق، تتصف بالانحلال. اما المجتمعات الاسلامية فهي، من نفس وجهة النظر هذه، اكثر حفظا لكرامة المرأة لانه يقام بتحجيبها وبمنع اختلاطها بالرجال. والحال، ان التيارات الشعبوية الاوربية الغربية والاسلامية الشرقية، ينطلقان وينهلان من نفس المصدر، الطبقي المحافظ على ثقافة وسياسات الطبقات الحاكمة وقوانينها ونظرتها المعادية لحقوق المرأة.
لقد واجهت النساء في مختلف انحاء العالم التيارات الشعبوية. لذلك في رسالة وجهتها نساء احتللن مواقع قيادية مختلفة في العالم المتقدم بان الشعبوية بتصوراتها المحافظة تقتطع حقوق النساء، شيئا فشيئا. واجهت النساء في الولايات المتحدة سياسة ترامب المعادية للمرأة والداعية الى حرمان النساء من حق الاجهاض او الوقاية من الحمل. التظاهرات التي عملتها النساء في امريكا كانت اكبر ثلاث مرات من تظاهرة استلامه لمهامه كرئيس للولايات المتحدة. في كل مكان في العالم تواجه النسويات التيارات الشعبوية.
في العراق نظمت الشابات والطالبات و النساء تظاهرة مليونية نسوية ضد تغريدة مقتدى الصدر، كممثل للتيار الشعبوي الاسلامي الشيعي في العراق والتي اطلقها في يوم 8 شباط داعيا فيها الى عدم الاختلاط في الخيام في ساحات الاعتصام في انتفاضة اكتوبر في العراق. اجابته الشابات بهتافات عالية انهن سيكوّنن مع المتظاهرين " روح وجسد". كان الشباب الرجال يوفرون للتظاهرة النسوية الحماية الامنية من اي اعتداء و بسلسلة طويلة امتدت على امتداد ساحة التحرير في بغداد كما وفي المحافظات الاخرى. في تلك التظاهرة رفضت النساء التقسيم الجندري في ساحات الاحتجاج او في خيام الاعتصام وعدم الاختلاط والفصل بين الجنسين، مساندات ومدعومات من قبل الرجال المتظاهرين.
واخيرا، نؤكد على ان سعي النساء لنيل حقوقهن يسير في علاقة عكسية مع الحركات الشعبوية الدينية والقومية. فكلما حققت النساء تقدما، بفعل نضالهن النسوي والتحرري، وبوجود و نضال القوى اليسارية والعلمانية التحررية، كلما تمكنت من دحر الحركات الشعبوية على اختلافها. ولذلك تستقبل النسويات السياسات الشعبوية بالرفض.6 وبالعكس، فان ازدياد وتصاعد نفوذ التيارات الشعبوية سيؤدي الى تراجع حقوق المرأة. من هنا، تمتلك النساء المصلحة الاولى والاخيرة بالنضال ضد نفوذ الحركات والتيارات الشعبوية القائمة على " اننا كلنا في نفس القارب". والحقيقة هي ان هنالك في القارب من يقمع الاخر الذي معه " في نفس القارب"، انه متمايز عنه اقتصاديا، طبقيا، وانه يريد استغلال مسالة الجندر، لتحقيق غلبة للرجال على النساء في ظل هذا التمايز الطبقي ومحافظا وساعيا الى تخليد وتأبيد هذا التمايز الطبقي. ان من مصلحة النساء وحقوقهن ونضالهن انهاء كل تمايز طبقي اقتصادي بين البشر، والقضاء على الطبقة التي تريد الاستفادة واستغلال هذا الاختلاف الجنسي من اجل بقائها. ومن هنا، يصبح من الضروري للنساء الوقوف بوجه التيارات الشعبوية على اختلاف عقائدها وافكارها من اجل نيل حقوقهن في المساواة كاملة وغير منقوصة.