زها حديد : نساء من بلاد الرافدين



مظهر محمد صالح
2020 / 11 / 7

زها حديد : نساء من بلاد الرافدين
مظهر محمد صالح
في صيف عام ٢٠١١ وفي مساء رمضاني هاديء رافقت الاستاذ العزيز الدكتور سنان الشبيبي محافظ البنك المركزي الاسبق يومها وعدد من الحضور الكرام للقاء بالراحلة زها حديد في مساء سطعت فيه سماء اسطنبول الصافية يسلاسل من النجوم لكي نتناول الفطور في مطعم تقليدي مكشوف في الهواء الطلق وسط العاصمة التركية القديمة اسمه : مطعم اسطى رجب طاوجي //واتذكر ان حديثنا قد انصرف في بداية فطورنا على نوعية لبن رائب ،رائع المذاق من صنع قرية قريبة من اسطنبول ويقال انه مخصص لرواد ذلك المطعم حصريا في شهر رمضان او غيره . حدثتنا الراحلة زها حديد بعد ان تسلمت منها والجميع Business card بلون واحد بسيط كتب فيه بالانكليزية زها حديد فقط لا شي اكثر من ذلك وخلا من المبالغات واللالقاب والعناوين او شهادات وغيرها !!!!وهي تروي لنا ان اسمها بالعربي في العراق هو (زهاء )وليس (زها) لكون نطق الهمزة بالانكليزية شديد الصعوبة ، لذلك اعتمد اسم زها لسهولة تداوله .
كانت المهندسة المعمارية الراحلة بسيطة في ملبسها وفي حديثها وهي تتناول قصة الحزن الانساني لعائلة عراقية من الطبقة الوظيفية الوسطى يوم كانت تقضي صيفها في انكلترا في ستينات القرن الماضي بغية المتعة والرفاهية الى ان انتهت تلك العائلة البغدادية الى بيع مدفئة الشتاء لتشتري خبزا وتتدبر عيشها ايام الحصار التسعيني على العراق ...ابكتنا جميعا لهذه الاحزان التي حلت بشعبنا على مدى عقود بائسة من الحروب والصراعات والنزاعات الفاشلة.
لم تكن الراحلة متعالية او متغطرسة وهي بنت ذلك الزعيم السياسي والوطني الكبير محمد حديد ،الوزير المتميز واحد اغنياء العراق ورائد الصناعة الوطنية العراقية وزعيم من زعماء الحزب الوطني الديمقراطي والشخصية العراقية الاولى التي حصلت على شهادة عالية من مدرسة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية LSE في النصف الاول من القرن الماضي يوم راج الفكر الاقتصادي الكنزي وكتاب النظرية العامة في الاستخدام والفائدة والنقود
للورد والاقتصادي الشهير جون ماينزد كنز ١٩٣٦
كتبت شخصيا خاطرة تلقائية عن زهاء حديد في موقع الحوار المتمدن وكان عنوانها :امرأة من حديد ...وما زلت اعتز بما كتبت من كلمات مخلصة حولها واسلوب المدرسة المعمارية التي تنتمي اليها .
لقد تولت زهاء حديد تصميم مشروع تصميم بناية البنك المركزي العراقي الجديدة التي تشيد حالياً في بغداد على ضفاف نهر دجلة (كاحد الابنية اليتيمة والوحيدة قطعاً في العراق من حيث التصميم والارتفاع الشاهق )ولا احد يعلم ان الراحلة زهاء حديد قد تنازلت عن اتعابها لتحسم من كلفة التصميم لمصلحة بلدها العراق وهي تعتز بذلك وانطلقت من كونها قد شرعت بوضع تصميم البناية الاولى في حياتها على ارض بلادها ،ارض الرافدين ،ارض الحضارات القديمة قبل ان يتوفاها الاجل في ٣١ آذار ٢٠١٦ .
لقد تركت زهاء حديد ارثاً معماريا للانسانية قل نظيره وهي تضع بصماتها على مرتسم الحضارة العراقية القديمة لتبقى ارض الرافدين تنبض بالحياة .