ليس دفاعاً عن أمينة عبد الله



كريم محمد الجمال
2020 / 11 / 8

حالة من الهجوم الشديد الغير مبرر تعرض له ديوان الشاعرة الأستاذة أمينة عبد الله بنات للألم الصادر مطلع هذا العام وصدرت طبعته الثانية منذ عدة أشهر ، بل وازداد الهجوم واحيانا التطاول على شخصها من كثير من المتابعين ، وعلي الجانب الآخر استقبل كثير من القراء والنقاد الديوان بالحفاوة والتقدير لعمل أدبي يحمل في طياته قضايا وافكار هامة وجديرة بالمناقشة .

قبل أن أقرأ الديوان وجدت اتهامات للشاعرة بالإساءة للأديان وإهانة المقدسات من بعض من ينسبون أنفسهم للشعر ومدعين الثقافة وبعض العاملين في مجال الدعوة الدينية و كثير من صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي وصلت حد التكفير و امتد الاتهام إلي شخصها كشاعرة في جوانب أخلاقية وغير ذلك من سلوكيات متدنية لا تصدر عن أشخاص لهم وعي أو ثقافة أو أدب وإنما تنم عن الجهل والغوغائية وسوء النية والقصد لأن من أهم سمات العقل الواعي التعامل مع النص الأدبي ببعض الحياد والموضوعية ونقد النص وليس نقد وسب والطعن في الكاتب .

أمينة عبد الله شاعرة مثيرة للجدل وكتاباتها وأعمالها تسيل الكثير من الحبر والنقاش حولها منذ قرأت عملها الاول ألوان رغاوي البيرة الساقعة وأدركت أنها تستهدف التابوهات الخاصة بالمجتمع وموروثاته الثقافية والاجتماعية ، وهذا هو مقصد الادب والفن بشكل عام والشعر بشكل خاص إثارة الخيال وفتح التوقعات وإعمال العقل وتناول قضايا الفلسفة والحياة من خلال النص الأدبي ، وهذا ما تحقق في الديوان بشكل واضح باستثناء من يعانون قصور في الخيال وإصرار على التشبث بظاهر النص وهو ما يخالف طبيعة الادب والشعر حيث الأولي والأصل فيها المجاز .

قرأت الديوان وأسرني من الصفحة الأولي الخاصة بالإهداء لشهيدة الورد الغالية شيماء الصباغ ، وبعد القراءة المتفحصة للديوان وجدت أن الديوان يقدم تساؤلات وإجابات و يناقش التابوهات بشجاعة معهودة عن الشاعرة ،و قامت بنقد ونقض أفكار وعادات وتقاليد بالية وحفزت خيالي بشكل كبير لفهم نصوص دينية بطريقة غير تقليدية وجديدة ، كما أن القصائد تناولت قضايا المرأة بشكل مجرد ودون تمييز .

استطاعت الشاعرة أن تحقق تنوعا في تناولها لقضايا المرأة وتحدي لسلطة رجال الدين ويعتبر الديوان إضافة للأدب النسوي من حيث الموضوع والأسلوب واللغة ولكنها لم تتخل عن تحقيق وحدة عضوية للديوان ككل من خلال الحفاظ على الخطوط العريضة للديوان بشكل خاص والشاعرة في أعمالها السابقة بشكل عام وهو الكتابة النسوية .وتنوعت الصور بين الواقعية والخيال وأجادت في تعبيراتها بشكل كبير .ومما يحسب للشاعرة استخدام قصيدة النثر كقالب أدبي يعبر عن مضامين وأفكار وقضايا المرأة وسلطة رجال الدين و الوعي الجمعي الظالم للمرأة .

ومما عاب النصوص استخدام الشاعرة لبعض العبارات الغامضة التي تحتاج إلى تفسير وتوضيح ،وبالاخص في مسائل عقائدية وفقهية مما أثار النقد والهجوم وتحفظ الكثير من القراء والمتابعين ، وكان علي الشاعرة أن تراعي تدني الخيال والمستوي الثقافي والفكري للكثيرين وانتشار الأفكار المتشددة وتاثيرها على قطاع كبير من المجتمع وأن استخدام تلك العبارات الغامضة سيحدث تأثيرا سلبيا بل وصادما ، وإن كانت الشاعرة حاكمت الرجل إلي النص الديني واشتكت الفهم الذكوري المتعالي إلي النص المقدس ، والحقيقة أن القصائد محل الاعتراض الكبير لما تحمله من تناول لبعض القضايا الدينية لما اخترعه الشاعرة بل هو من الميثولوجيا القديمة كالفرعونية مثلا وتتشابه مع نصوص كبار الشعراء والفلاسفة من المتصوفة كابن عربي و جلال الدين الرومي وغيرهما .

ولكن الديوان أثار ثنائية ملكية النص الأدبي بين الكاتب والمتلقي ، وكيفية تقييم النص الأدبي إذا تناول قضايا وافكار دينية ،و مدي حرية المبدع و الحدود والقيود التي يلتزم بها وكيفية تلقي انتاجه الأدبي والفكري ودور رجال الدين أو النقاد في تقييم النص سواء دينيا أو أدبيا .

وعلي كل الأحوال فإننا يجب ألا تتساهل أو نتسامح مع محاولات البعض مصادرة النص الأدبي و لا نرضخ للابتزاز من قبل المتشددين والمتحجرين عقليا ، فحصار الإبداع ليس في صالح المجتمع ولا يساعد على الارتقاء بمستوى الادب والثقافة والشعر ،ووجود الخلل والقصور في النص الأدبي مسألة طبيعية يتم التعامل معها من خلال التوجيه والنقد البناء وليس بالهجوم والتحريح والتطاول علي الأشخاص ،ولذلك يكون اصطفاف أصحاب الرأي والمثقفين مع حرية التعبير والإبداع واجبا أصيلا ومسئولية كبيرة لتحسين الإنتاج الفكري والأدبي ورفع مستواه علي مستوي الكتاب والقراء معا .