الجزائرية روح ثورة الابتسامة



حميد زناز
2020 / 11 / 28

لم تبق الجزائريات مكتوفات الأيادي بل تجندن في ثورة الابتسامة للمطالبة بحقوقهن وضد كل أشكال العنف المسلط عليهن وطالبن كما كن يفعلن منذ 36 سنة بإلغاء قانون الأسرة المفروض عليهن سنة 1984 من طرف برلمان جبهة التحرير وذلك قبل اكتساح الإسلاميين للمشهد في الجزائر.

هذا القانون الأصولي الظالم للأنوثة المستمد رأسا مما يسمى شريعة إسلامية كان هدية من النظام للإسلام السياسي الصاعد في محاولة يائسة لإسكاته ومنذ ذلك الحين غدت النساء الجزائريات في نظر القانون قاصرات من المهد إلى اللحد، غير متساويات في الحقوق مع الرجال.

ولم تخرج المرأة الجزائرية للنزهة في مشاركتها الواسعة والدائمة في المسيرات والاعتصامات الاحتجاجية منذ البداية وطيلة سنة كاملة وحتى آخر جمعة وآخر ثلاثاء، بل لإدراكها ووعيها بأن هذا النظام حليف للإسلاميين ومستعد لتطبيق كل برامجهم بشرط أن يحتفظ بالحكم وريعه. فالنساء هن أكثر تضررا مع بقاء هذا النظام لأنه متحالف مع القطاعات الأكثر تخلفا والتي تعتبر دونية المرأة جزءا من الدين. وكان حضور النساء محجبات وغير محجبات، ورفعهن للألوان الوطنية ردا على هذا التحالف الذي يريد تأبيد الاستبداد في الجزائر.

نساء من مختلف الأعمار والمهن والفئات الاجتماعية خرجن للتظاهر ليستعدن مكانهن الطبيعي في الفضاء العام وقد فعلن. وكان لانضمامهن القوي للثورة ومشاركتهن الواسعة في المسيرات الأسبوعية والتجمعات تأثير إيجابي على الأداء النضالي بترسيخ سلميته المطلقة. ولا نبالغ إن قلنا إن مشاركة النساء بفعالية وكثافة قد خلخل النظام البطريريكي المتحجر الذي كرسه النظام الجزائري منذ الاستقلال.

ويبقى راسخا في الأذهان ذلك الشعار الدال المكتوب والمردد في كل المظاهرات وفي كل المدن الجزائرية “لن يتحرر الوطن إن لم تتحرر المرأة”. وذلك منذ 8 مارس 2019 الذي صادف الجمعة الثانية من الحراك والذي شهد ذلك الاحتفال المليوني الباهر في الجزائر العاصمة وفي كل ربوع الوطن حيث استعادت المرأة الجزائرية عيدها وانتشلته من بين أيدي نظام أفرغه من مضمونه وحوّله إلى فلكلور سنوي لا طعم فيه. ومما زاد من مصداقية مطالب النساء لدى قطاع واسع من الجزائريين وعلى الخصوص الحراكيين هو عدم خروجهن كفئة ذات مطالب خاصة وإنما كمواطنات متمسكات بإقامة نظام ديمقراطي ينعم فيه الجميع بالحرية ويشارك في نهضة جديدة تعيد إلى الحركة النسوية الجزائرية حيويتها. حافظت الجزائريات المتظاهرات على سلمية التمرد فكثيرا ما وقفن عازلا بين متظاهرين شبان غاضبين وبين رجال الشرطة ومنعن احتكاكات حاول النظام من ورائها ضرب سلمية المظاهرات لتبرير استعمال العنف لتفريق الجموع المقاومة.

وما زادهن قوة وتشجيعا نزول مجموعة من المجاهدات من بينهن أيقونة الثورة الجزائرية جميلة بوحيرد للتظاهر معهن في الشارع وقد أطلق عليهن اسم “جميلات الحراك” نسبة إليها.

ولم يتردد النظام في اعتقال الناشطات والحكم عليهن بعقوبة السجن، لكن ذلك لم يثن من عزمهن على مواصلة النضال حتى الإطاحة به والتحرر بصفة نهائية من المخيال الذي سجنها فيه النظام السياسي البطريركي.

يقول العنابي إن من لم يتزوج عنابية عاش طول حياته أعزب، وكذلك الوهراني عن الوهرانية والعاصمي عن العاصمية وهكذا.. ألم يحن الوقت للقول إن من لم يتزوج حراكية عاش طول حياته أعزب؟