قضايا اجتماعية إنسانية وعربية .. حوار أجرته معي الكاتبة السورية روعة محسن الدندن..



السيد إبراهيم أحمد
2020 / 11 / 28

ــ السيد إبراهيم أحمد.
ـــ رئيس قسم الأدب العربي باتحاد الكتاب والمثقفين العرب.
ــ نائب رئيس مجلس إدارة صالون المنصورة الثقافي الرياضي العربي.
ــ حاصل على دبلوم الدراسات العليا في المحاسبة المالية، جامعة عين شمس بجمهورية مصر العربية، ودبلوم الدراسات العليا بالمعهد العالي للدراسات الاسلامية بالقاهرة.
ــ منحه المجلس الأعلى للإعلام الفلسطيني بدولة فلسطين الدكتوراه الفخرية في الأدب العربي بدرجة الامتياز، ومرتبة الشرف الأولى، تقديرًا لإبداعاته الأدبية، ولجهوده الجليلة في إثراء الثقافة العربية.
ــ عضو اتحاد الكتَّاب والمثقفين العرب، وشعبة المبدعين العرب التابعة لجامعة الدول العربية، ومن كتاب ومفكري شبكة الألوكة، والمختار الإسلامي، وصيد الفوائد العالمية، ورابطة أدباء الشام، ودار ناشري، وحروف منثورة للنشر الإلكتروني، والحوار المتمدن، صحيفة ذي المجاز، وعضو بتجمع ناشرون.
ـــ نال العديد من الأوسمة والدروع، وشهادات التقدير والتكريم والألقاب، من: اتحاد الكتاب والمثقفين العرب، وشبكة النور “المختار الإسلامي”، الملتقى الأول لصالون عزة أبو العز الثقافي، صحيفة ذي المجاز الأردنية، وحزب حماة الوطن،أمانة السويس تكريمًا له عن مساهماته في إثراء المكتبة العربية.
ـ له العديد من الدراسات الدينية والأدبية، والحلقات الإذاعية والتليفزيونية، وثلاثة دواوين شعرية،ومجموعة قصصية، ومسرحيتين، واعتمدت الجامعة الإسلامية العالمية بالمدينة المنورة، وجامعة الخليل بفلسطين المحتلة، بعض مؤلفاته كمراجع أكاديمية أدرجتها في مكتبتهما الرقمية.
ـــ فاز بمسابقة قصص على الهواء بإذاعة هيئة الإذاعة البريطانية BBC والتي قدمتها مسموعة من خلال البرنامج، بالاشتراك مع مجلة العربي الكويتية في مايو 2010 عن قصته: "القطار".
ــ اختارت دار (نور نشر) NOOR PUBLISHING الألمانية تسعة عشر عملًا من مؤلفاته.

أهلا بك دكتور السيد إبراهيم أحمد وأشكرك لقبولك الحوار... ولنبدأ دكتورنا:

ـ كيف تتشكل صورة فتاة الأحلام لدى الرجل في البدايات ليرسم صورة شريكة حياته؟

صورة أحلام فتاة المراهق تأتي كثيرًا مغلفة بالرومانسية الحالمة التي رسختها السينما بأفلامها، والمسلسلات التليفزيونية، ومع تقدم العمر والفكر يكون للعقل مكانه، وكلمته التي يفرضها على القلب، ليس في كل الأحوال بالطبع، ولكن عند تخيلنا لشريكة حياتنا ننقسم نصفين، قسم يرتد إلى الموروث الثقافي، والاجتماعي، والبيئي، والعائلي، ولهذا فهو لا يغفله من حسبته، والجزء الثاني هو صورته التي يحلم أن تكون عليها تبعًا لتعيمه، وثقافته، وعمله، واحتياجاته، وغالبًا عند اختيار الزوجة لا يستطيع الشاب الخروج من العادات والتقاليد بالكلية.. ولهذا تتلون مواصفات شريكة الحياة من مرحلة إلى أخرى..

.هل هذا يعني أن الرجل الشرقي مجبر على الاختيار التقليدي والارتباط من غيرالتي يرغبها؟

بعد دراسات علمية اجتماعية للواقع الاجتماعي العربي، ثبت أن زواج الصالونات كان له الحظوة والأسبقية في النجاح عن زواج الحب، وليس هذا حكمًا عامًا، ولكن في هذا النوع من الزواج يتأخر القلب ليتقدم العقل، وتكون القرارات بين العروسين وأهلهم قد نضجت على نار هادئة، وهم يتناقشون في كل الأمور بالعقل، من حيث الكفاءة بينهما، وبين أهل العروسين، ثم يأتي الميل القلبي أو العاطفي، ثم التكافوء النفسي والعقلي بينهما، وزواج الحب كان له النصيب الأكبر في إيقاع الطلاق عند المأذون وسط دهشة الأهل والأقارب بعد ما سمعوه عن قصص حب ملتهبة.. وكانت قصص الطلاق بعدها ملتهبة أيضًا..

. من هي صاحبة الحظ الأوفر بالنسبة للرجل ليتم القبول بينهما في مرحلة إلغاء القلب وإبراز دور العقل؟

لا يستطيع الرجل أو المرأة أن يضغط على زر فيوقف عمل القلب، ويفعل دور العقل، والحب الأجمل والأعقل هو الحب المتوازن الذي يكون الرجل والمرأة فيه شخصيات تبادلية، بمعنى إذا جنحت هي إلى الإفراط في التقديرات الحالمة كان هو “فرملتها” التي تعيدها إلى الواقع، وإذا شطح الرجل بخياله في تقدير بعض الأمور دقت المرأة فوق رأسه جرس العقل، وهذه الزيجات غالبًا ما تكون من أنجح القصص التي نقابلها في حياتنا، أما تسيد العقل دومًا فهذا نذير بجفاف العلاقة الزوجية وتصحرها، ووتسيد القلب على طول الخط يصيب العلاقة بنوع من الخيالية والبعد عن الواقع، وكثيرًا ما يكون وقع الصدمة عليهما كبيرًا.. العقل والقلب مهمان معًا لتسيير الأمور.. وإغفال دور القلب والحب مجازفة خطيرة لم يقل بها أحد..

. كيف يعمل القلب والعقل إذا تم الاختيار دون مرحلة الوعي لأن أغلب الزيجات في مجتمعاتنا تأتي في مرحلة مبكرة لكليهما؟

التنشئة الاجتماعية مهمة جدًا في تاريخ الرجل والمرأة أو الشاب والشابة، والتعويل على أن نترك الأمور لهما يقررانها في حياتهما دون أن يكونا قد خضعا لعمليات “فلترة” من قبل الوالدين، والمؤسسات الاجتماعية الممثلة في الحضانة، والمدرسة، والمسجد، والإعلام، وتسطيح الأمور طبقًا لثقافة الوالدين واتجاهاتهما في الحياة التي تتنوع بين أن تكون مادية صرفة، أو روحانية صرفة، أو المزاوجة بينهما، ولا شك أن الزواج المبكر يؤدي إلى الطلاق المبكر، خاصة لأننا نقيس النمو البدني للفتاة بالنمو القابل للزج بها في طاولة الزواج، خشية العنوسة، كما ذكرتِ، ولقد قمت بدراسات عديدة في أحد المراكز البحثية عن المشكلات التي تداهم الأسرة العربية، وثالوثها المرعب المتناقض[الزواج المبكر ـ الطلاق ــ العنوسة]..وكان القصور المفاهيمي عن احتياجات عش الزوجية سبب رئيس للطلاق..

. إلى أي حد تلعب البيئة دورا في توافق أو اختلاف كلا الشريكين ليكون الانسجام أكبر؟

للبيئة دور كبير في توافق أو تنافر قطبي العلاقة الزوجية القادمة، وإذا قامت علاقة وهناك تضاد فمن المؤكد أن أحدهما سيتنازل للآخر عما تربى عليه، وكثيرًا ما عالجت الأفلام والمسرحيات ذلك التباين الاجتماعي والفوارق التعليمية والعلمية واللفظية والعقلية واختيار الملابس والأذواق.. كل من يغفل هذا لا شك يعرض حياة أسرته القادة لريح عاصفة هوجاء، وقد كان لي صديق مسيحي يعيش في كندا، وعندما أراد الزواج عاد واختار مصرية شرقية عربية مسيحية مثله، فعاداتنا غالبًا ما توحدنا، ولأنه لن يتحمل أن يكون لزوجته صديق كما يفعلون في الغرب، ولهذا فللبيئة عامها الهام في كثير من الأحيان، إلا إذا كان هناك تفاهم وتناغم بينهما، وتنازل من هنا وهناك، كما يحدث في زواج الشباب العرب من الأجنبيات..

. إلى أي حد تأثرت الأجيال في الدور الإعلامي في طريقة تفكيرنا لاختيار الشريك؟

دعينا نتفق شاعرتنا القديرة أن الدور الإعلامي عبر الأفلام والمسلسلات، وبرامج المرأة كان له دوره وتأثيره وشك، ليس هذه البرامج وحسب بل البرامج الدينية أيضًا مارست دورها في تشكيل ونحت البنية الفكرية ــ شاءت أم أبت ـ لجميع الطبقات والمستويات لما لها من أذرع طويلة تصل عبر المدن، والريف، والصحراء، والطبقات العليا من النخبة، والمتعلمة، وغير المتعلمة، فالأمر لا يحتاج سوى سمع أو بصر، والعامية أو الفصحى السهلة يسرت الموضوعات ويسرت أيضًا التلقي..

الإعلام له دور ولا شك إلى جانب أدوار أخرى مجتمعية تساهم في تكوين صورة جيدة عند الرجل والمرأة في وضع أو تعديل قواعد اختيار كل منهما للآخر.. حتى وإن ظنا أنهما لم يتأثرا.. الإعلام يقدم النماذج الجيدة والسلبية عن حسن أو سوء الاختيار.

ـ من هي الأنثى التي يخشاها الرجل الشرقي؟

الرجل القوي هو الذي يخشى أن يؤذي المرأة، ولا أتفق معك على لفظ “الخشية”، وإن كانت الإجابة التقليدية الباهتة أن الرجل يخشى المرأة الذكية، وفي هذا اتهام للنساء، ومنذ متى كانت أغلبية النساء من الغبيات؟!.. بين الرجل الرجل، والمرأة المرأة.. عشرة وخاطر، وخوف على أن يصدر منهما ما يسيء إلى الآخر، بينهما مودة، وسكن، ومقدرة على التسامح، ومساحة ذهنية من التفاهم، وتقدير واحترام، والخشية يجب أن تكون منهما لله تعالى فيتقيانه فيهما فينجوان.. وإلا بدون ذلك سيهلكا.. والعياذ بالله..

ـ في حال أراد الارتباط من يفضل الأنثى المتعلمة والمثقفة أم الصغيرة والتي لم تحصل على قدر كاف من التعليم؟

الرجل القوي يفضل المرأة القوية ثقافيًا، وتعليميًا، والمرحلة العمرية المناسبة له، وتأتي في النهاية تبعًا لميول الرجل في مواصفات شريكة حياته، وكذلك في درجة ثقافته، غير أن السائد أن المرأة المثقفة “زنانة” ولا تحسن سوى الكلام، ولا تنتبه لمسئولياتها، ولهذا يلجأ بعض الرجال ــ أحيانًا ـ للمتعلمة فقط، والمرأة المثقفة عملة نادرة..

ـ نلاحظ أن البعض يختار المرأة الموظفة لتكون عونا له فما مدى تأثر ذلك على اختياره؟

الواقع الاقتصادي هو الذي يفرض سطوته على أعناق الرجال والنساء معا، وليس في هذا ما يعيب، والبعض يرفض هذا نظرًا لآن عمله يكفيه مشاركتها، وظروف عمله أيضًا لا وقت محدد له، فلا يصح أن يتركا الأولاد بحثًا عن لقمة العيش معا.. غير أن هذا يجب أن لا يكون هو شط الاختيار الأول.. بل هذا يعتبر من الموافقات الجيدة.. ولكن لا يكون أساس الاختيار وظيفتها ودخلها..

ـ ذكرت سيادتك أن الأنثى المتعلمة "زنانة" والأنثى المثقفة "عملة نادرة".. هل هذا بسبب سوء الإدراك من الأنثى بدروها في الحياة؟

من تركت الأثر للثقافة النسوية هي المرأة ذاتها، عندما كانت من أنصاف المثقفين، وأخذت تتبنى قضايا ضد ثوابت الدين تارة، أو مهاجمة الرجل “الزوج” لدرجة المناطحة والندية، وتصورت نفسها أنها صاحبة رأي، وهذه “المثقفة هي الزنانة التي يكرهها الرجال بل والنساء والمجتمع لأنها تهدم لا تبني، بينما المثقفة الواعية بأمور دينها ودنياها، وقضايا بلادها ووطنها “عملة نادرة، لأنها تكون فعلًا شعلة هادية لزوجها وأولادها والمجتمع.. فسوء الإدراك جاء من جانب المرأة لا من جانب المجتمع الذي كره سفسطتها.. وأنها لا تفيد من حولها بثقافتها النصفية السطحية المزعومة..

ـ أليس هذا يعود إلى اختفاء المؤسسات الفعالة في توعية الأنثى والذكر وتراجع الدور الديني الذي أصابه الخلل في وقتنا الحالي؟

التعويل على دور المؤسسات الفاعلة في المجتمع سيكون حلًا مريحًا لكل الأطراف، والأفضل المواجهة مع الذات، ومواقع التوعية تملأ فجاج الشبكة العنكبوتية، والمواقع الدينية الجادة والرسمية والرصينة موجودة، المشكلة الأصعب أن نبحث في ذواتنا عن الخلل أو العطب الخفي الذي خلق منا أمة استهلاكية للثقافة غير منتج لها، أو بالأحرى يبحث عن ثقافة التيك أواي، وأشهد الله أن المرأة وخاصة الشابات هن من ينقلن مؤلفاتي ويقرأنها بنهم شديد، حتى وصل كتابي “نساء في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم” إلى ما يقارب الـ 40 ألف قراءة.. الحمد لله بناتنا وأبناءنا بخير.. اطمأني..

صح هو متوفر في وقتنا الحالي ولم يكن متاح للجميع ومن تقوم بالتربية والتوعية مازالت تحتفظ بأفكارها في قوقعة الأمس مما جعل لدينا جيل لا يبحث عن الوعي أو الثقافة وإنما التسلية وهذه أيضًا مشكلة كبيرة تواجه الجميع، ومن هنا لا أستطيع أن ألوم المؤسسات.. بل الذات.. والسطحية زادت.. والأمور الجادة لها جمهورها في المقابل،المعروض من الثقافة يكفي.. المهم من يطالب ويطلب حقه في الرغيف الثقافي.. ولا يتنازل عنه..

ـ وسائل التواصل الاجتماعي كشفت لنا أن مجتمعاتنا بشكل عام كانت تبحث عن ذاتها، وأن أغلب الاختيارات كانت ليس حلما لها وأن أفرادها يعيشون في كذبة التوافق الفكري أو العاطفي: هل السبب في ذلك لأن الشعوب العربية كانت منغلقة ولم تتح لها الخيارات المتعددة؟

وسائل التواصل الاجتماعي لم تكشف عن هويات ثقافية حقيقية إلا في الأقل، وأن التعارض الفكري بين أبناء الوطن الواحد أو التوافق ليس فقط في هذه الصفحات، بل هي تقدم تصنيفات وأنماط من وجد نفسه في نمط معين يوافق فكره دخل فيه، وإن لم يتفق معهم انقلب عليهم، ولم تكن الشعوب مغلقة حتى تنفتح، بل نقلوا كلام المقاهي والنوادي وقارعات الطرق إلى صفحات التواصل، وليس في الأمر كذبة فكرية أو عاطفية ولم يكن هناك من يتيح أو لا يتيح للشعوب بل الشعوب تفرض إراداتها في الانفتاح والتواصل مع الآخر..

للأسف أتاح المجال أمام الكثيرين ليظهر خفايا نفوس كثيرة لنكتشف اننا لا نمتلك إلا القليل من الوعي والمثقفين والباحثين عن انتشار للفكر .. وهذا من خلال تخفيه وراء أسماء أو اللقاب أو صفحات مزورة واستخدام الكثيرين لما يحمله من ذكاء إلى استخدام ما وهبه الله إلى الاستخدام غير السوي .. وهذا موضوع لا يناقش من خلال بعض الكلمات وإنما يحتاج للكثير للغوص فيه.

ـ لنختم بهذا السؤال: من هي الأنثى التي يحلم بها الرجل الشرقي وتستطيع أن تكون له كل النساء ؟

من الظلم البين أن أجعل من امرأة واحدة أو أجمع فيها كل النساء.. لأنني لست بالنسبة لها كل الرجال، والمرأة العربية بحق مقاتلة في ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية تتحملها في صبر دون أن تظهر آلامها، وكثيرًا ما يسبب لها الكثير من الأمراض، أرفع القبعة للمرأة العربية، وقد كتبوا عني بحث “المرأة في أدب السيد إبراهيم”، وعندي ندوة آخر هذا الشهر خصصتها عن “تسويق دور المرأة الإيجابي دينيًا وأدبيًا”.. فليس من الإنصاف أن أطالب المرأة بكل الأدوار في الفيلم الحياتي، ويقوم الرجل منفردًا بدور البطولة..

ـ وأنا بدوري أرفع لك القبعة لرأيك ولكلماتك ولمناصرتك وإنصافك للمرأة من خلال ما تقدمه لها في ندواتك وأبحاثك ورواياتك تقديرًا لها..