العنف عقليّة تُغذّى



قاسم هادي
2020 / 12 / 1

خلال وبعد الثورة الصناعية احتاجت الرأسمالية كل مايمكن الحصول عليه من اعداد العمال فوظفت كل امكانياتها السياسية والاجتماعية صوب المساواة، وقد تم كتابة بحوث كثيرة في هذا الصدد تثبت مساواة المرأة بالرجل وامكانياتها الفكرية وابداعها في العمل قد يتجاوز الرجل لكن بتطور وسائل الانتاج والأجهزة الالكترونية التي اختصرت الوقت والجهد، وبالتالي إستوجب تقليص عدد العمال وبات على الرأسمالية التخلص من هذه الاعداد التي تطالب بالعمل او ضمان البطالة، فبدأت مرحلة جديدة تحتاج الى تقليص الاعداد واول هجمة كانت بتغذية النزعات الدينية والقبلية القائمة على تفوق الرجل واستقدام وتشجيع باحثين وعلماء لتأكيد تفوق الرجل بايلوجيا وعقليا بشكلٍ معاكس لما كانوا يفعلون. انا ازدياد العنف ضد النساء ياتي من هذه الارضية التي تمهد لاسباب تستطيع ان تظهرها للسطح مرة وتغمرها مرة اخرى حسب الحاجة. ان حاجة الرأسمالية هي التي تحدد حجم الحاجة لدفع المنطق العشائري والقبلي الى الواجهة وتغذية المنطق الديني بل وحتى الحكم الديني الذي تدعمه احول العالم وكذلك تغذية البحوث الغارقة في الرجعية ومنحها صفة علمية حضارية بتغيير بعض من جلدها ولمعانها.
يستطيع المعنف لزوجته مثلا إحضار الف عذر وتبرير لضربه لها لكن الانسان السويّ لايرفع يده عليها ولو بتوفر نفس الظروف والاعذار، حيث ان الضرب هو عقلية اولا، يغذيها المجتمع الذي يكتسب في فترة ما الصفات الرجعية المتخلفة بتاثير مباشر ودعم من السلطات الحاكمة ومن طبقة طفيليي المجتمع. ان العنف المنزلي خصوصا ضد النساء ينشط ويتراجع حسب مدّه وتغذيته بشروط القبلية، اذ نستطيع ان نرى العراق كمثال واقعي، حين لم يكن في فترة ما، حتى من باب التفاخر ذكر الاسم العشائري في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي وبتأثير سيادة تيار حضاري متمدن هو ما كان وراء قلة وانحسار حالات العنف، إلّا انها عادت للنمو والازدياد في فترة الحرب العراقية-الايرانية ثم الحصار الاقتصادي، وبدعم الدولة وإعادة إنتاجها للعشائرية والقبلية ثم وصلت اوجها في العقدين الاخيرين بسبب صعود العشائر الى السلطة عدا عن تسلطها بالكامل في مدن لاتخضع اصلا لسلطة الدولة. ان تحول الحكم في العراق الى حكم عشائري ديني ميليشياتي جعل من المجتمع ارضية خصبة جدا لنمو الفطريات القبلية وسيطرة العقلية الذكورية.
بني الدين على اساس التفرقة الجنسية بغض النظر عن بعض الجمل البالية التي ليس لها معنى، في عالم لامساواتي بإمتياز. ان تعامل الدين وتعليماته تدفع ليس باتجاه التفرقة الجنسية والتفوق الذكوري وحسب بل للتحريض بشكل مباشر على الضرب والاهانة بل وحتى القتل المبرر. من السهولة جدا ملاحظة ارتفاع نسبة العنف المنزلي بشكل عام في الدول او حتى المدن التي تحكمها القيادات الدينية التي تتخذ من الاعراف العشائرية داعما لها في هذا المجال بينما تحارب الاعراف العشائرية التي لاتناسب وجودها. تشكل التعليمات الدينية تلك ليست سطوة تفوق عقلية وانما حث وتشجيع وحماية المعتدي بل وتمجيده في احيان اخرى، مما يسهل عليه ان لا يرى فقط ان اجرامه هو تصرف عاقل بل انه محط فخر، بدل ان يحاسب على جرم الاعتداء واعادة تأهيله ليعود إنسان من جديد تجد ان المجتمع المتغذي بالتعليمات الدينية يكافئه ويؤكد له انه قد فعل الصواب.
حين تهتم البحوث بإثبات تفوق الرجل وحين يكون الاخير مسحوقا في رحى العمل والظلم الاجتماعي وحين يعمل كل من في المنزل اكثر من عمل واحد دون القدرة على توفير المستلزمات الرئيسية لحياة كريمة، فان محاولة إثبات ذلك التفوق تنعكس داخل العلاقات الاسرية بشكل عنف اسري. حولت العقود الخمس الاخيرة المرأة الى خدمة مجانية للرجل الذي عليه ان يعمل اضعاف ساعاته أضعاف طاقته ليحصل على نصف ماكان يحصل عليه وهذه الخدمة المجانية تساعد على إعادته في اليوم التالي بطاقة جديدة، وفي الوقت نفسه فان وضع المرأة بهذا الشكل اعطى انطباعا لذلك الكائن المسحوق ان يشعر بهذا من خلال تفريغ غضبه عليها، هو من نتاج نفس العقلية القذرة التي اوهمته بالتفوق، بل وتؤكد حتى للرجل الذي لايطحنه العمل او المجتمع او انه في وضع مالي جيد انه متفوق اجتماعيا. ان مرتكبي الجرائم يستحقون السجن بالرغم من البحوث التي تؤيد تأثرهم التربوي وتأثير قسوة المجتمع وفي نفس الوقت يستحقون برامج إعادة التأهيل بينما ينعم الرجل بغالبية الحالات بالتهدئة والتطمين من قبل محيطه بانه تحت الضغوط والصعوبات يحق له ان يفعل ذلك، مع ان هذا التطمين هو جريمة بحد ذاته، من الجريمة ان تقول لرجل ضرب ابنته او زوجته او اي امرأة داخل المنزل انه كان تحت الضغوط اذا يجب ان يسجن اولا ثم يحق له بعد ذلك الاستفادة من برامج اعادة تأهيله ليكون انسان من جديد.
إيقاف العنف المنزلي يجب ان يسنّ كقانون بل ودستور ليشمل كل الجهات الحكومية والعشائرية والسلطات الدينية ومراكز البحوث التي تروج للعنف ضد المرأة او تبرره او حتى تعتبره رد فعل او ناتج عرضي، يجب تجريم اي مؤسسة حتى وان كانت قانونية او تشريعية لا تقبل بتجريم العنف. في حملتنا لوقف العنف ضد المرأة علينا ان نرى ان الذي يمر جنب شخص يضرب امرأة في الشارع دون ان يمنع ذلك مجرما بالضرورة. يجب ان يفهم كل من يساهم في الحملة ان نظرته واحترامه الى شخص يجب ان يمر من خلال تعامله ورفضه للعنف ليس كشخص فقط بل كجزء من المجتمع اي ان لا يرفض العنف داخله فقط بل يظهر ذلك داخل المجتمع ويقف بالضد من اي عنف لفظي او جسدي يمارسه اي رجل ضد اي امرأة في ذلك المجتمع، بدون بلوغ هذه الدرجة من اقتناء الحملة سنرى الكثير من الجرائم ترتكب قبل ان توقفها الانسانية.