جائحة كورونا شهادة جديدة بتفوق المرأة



ربيحة الرفاعي
2020 / 12 / 12

أشارت تقارير وأبحاث عدّة في ظل مواجهة العالم لأزمة كورونا (COVID-19) إلى تأثير للفيروس أعنف ومضاعفات أشد خطورة على الذكور مما هي على الإناث، كان من دلائلها ذلك التفاوت الكبير في معدلات الوفيات بين الرجال والنساء جراء الإصابة بالمرض، حيث شكّل الذكور من ضحايا الفيروس في غرب أوروبا ما نسبته 69 في المئة مقابل 31 في المئة من الإناث، أما في الولايات المتحدة فكانت الوفيات بين الذكور ضعفي ما هي بين الإناث، وهو ما استدعى دراسات متخصصة قامت بها جهات علمية عريقة كجامعة أوكسفورد وكليّة لندن الجامعية وغيرها.
وبينما علل أستاذ علم المناعة بجامعة أكسفورد البروفيسور فيليب غولدر الأمر بأن العدوى تستحث لدى النساء استجابة مناعية أكثر قوّة وفعالية من الرجال، فقد خلُصت دراسة أوربية إلى أن الفيروس كوفيد 19 يستعين بإنزيم الأنجيوتنسين "إيه سي إي 2" من أجل اختراق خلايا ضحاياه، وهو إنزيم يوجد في العديد من أعضاء الجسم، بما في ذلك القلب والرئتين والكليتين، ويفرز بشكل أكبر لدى الرجال، ووفقا للدكتورة إيزيا ساما المشاركة في الدراسة، فإن إنزيم "إيه سي إي 2" كان علامة حيوية مهمة لرصد الفيروس، لمّا كشف الباحثون وجوده بتركيزات أعلى لدى الرجال من النساء، أدركوا أنه يمكن أن يفسر سبب كونهم أكثر عرضة للوفاة.

فهل المرأة أقدر من الرجل في مواجهة الكوارث البيئية؟

معروف أن هرمون الإستروجين وهو أحد الهرمونات الجنسية، ويوجد بشكل أساسي في النساء حيث أن المبايض مسؤولة عن انتاجه، هو هرمون مضاد للإلتهابات ويحمي نظام الأوعية الدموية.
وأظهرت دراسة أعدها باحثون في جامعة جنوب الدنمارك، ونشرت في موقع ديلي تيليغراف أن هنالك تباين في معدل الوفيات بين الذكور والإناث في كوارث تفشي الأوبئة والمجاعات - خاصة بالنسبة للأطفال الرضع- وفي ذلك تقول المشرفة على الدراسة فيرجينا زارولي استاذ علم الأوبئة:- "من المذهل أن تكون الإناث حديثات الولادة أكثر ميلاً للبقاء على قيد الحياة مقارنة بحديثي الولادة من الذكور في فترات تفشي الأوبئة والمجاعات". وتقول جوي لاون، مديرة مركز صحة الأم والبالغين في كلية لندن للصحة والطب الاستوائي: - "عندما نكون في وحدة حديثي الولادة، ويوُلد صبي، نعلم أنَّه، من الناحية الإحصائية، احتمالُ موته أكبر لكونه صبيا فقط" (1) .
ووفقا لمقارنات بين معدلات وفيات الذكور والإناث في الظروف الحياتية الصعبة؛ فقد عاشت النساء أكثر من الرجال بما معدلة عامين أثناء تفشي الحصبة في آيسلندا في القرن التاسع عشر، كما عاشت النساء أكثر من الرجال بما معدله أربع سنوات أثناء مجاعة إيرلندا الكبرى في الأعوام ما بين 1945-1949، وأثناء المجاعة في السويد في عاميّ 1772-1773 ، وأثناء المجاعة "هولودومور" في أوكرانيا في عاميّ 1932- 1933 (2) .
وبعد دراسات استمرت ما يزيد على العقدين في كون النساء يعشن حياة أطول من الرجال - وهي الحقيقة مدار البحث والاهتمام في علم الأحياء البشرية - يقول رئيس قسم البيولوجيا بجامعة ألاباما الأميركية والخبير الدولي المُتخصص في الشيخوخة؛ البروفيسور ستيفن أوستاد: -
" في كل المراحل العمرية، يبدو وإلى حدٍّ كبيرٍ؛ أنَّ قدرة المرأة على البقاء على قيد الحياة أكبر من قدرة الرجل".
وتُبيِّن قاعدة بيانات طول العمر الخاصة بأوستاد، وبالعودة إلى السجلات القديمة قدر الإمكان؛ أنَّه وفي جميع أنحاء العالم "تتفوق النساء على الرجال بنحو خمس أو ست سنوات"، وهو يصفهنَّ لذلك بأنَّهنَّ "أكثر قوة". (3)
ويضيف أوستاد: "بمجرد أن بدأتُ في الدراسة، وجدت أنَّ المرأة لديها مقاومة لجميع الأسباب الرئيسية للوفاة تقريباً"، ويرجع معاناة النساء من الأمراض وتراجعهن الصحيّ في مراحل متقدمة من العمر، لتفوقهنّ على الرجال في القدرة على البقاء أحياء حيث يقول:-" يرجع جزء من السبب في أنَّ عدد النساء اللاتي يُعانين من سوء الصحة أكثر من الرجال إلى حقيقة أنَّ النساء نجوا من أحداثٍ كان من شأنها أن تقتل الرجال، وبالتالي فإنَّ الرجال المقابلين لهن الذين أُصِيبوا بنفس الأمراض لم يعودوا على قيد الحياة.(4)
كما يقول استاذ علم النفس التطوري في جامعة أوكسفورد روبن دنبار أن " الذكور أكثر هشاشة، بينما المرأة أكثر تصميماً فقط، الرجال يتخلّون بسرعة عن الحياة حين يواجهون ظروفا صعبة، لكن تجد المرأة صعوبة أكبر في الاستسلام للموت حين تصل إلى المراحل النهائية، وغالباً ما تتعلّق بما هي عليه لوقت متأخّر عن تلك اللحظة التي استسلم فيها الذكور ورحلوا" (5).
وتعزو فرضيات قدرة المرأة الأكبر على الحياة لما يسمى ب "قلب المرأة الراكض"، وقوامها أن معدل ضربات قلب المرأة يتسارع خلال النصف الثاني من الدورة الشهرية، بما يمنحها فوائد القيام بتمارين معتدلة، ويؤخر بالتالي مخاطر أمراض القلب والأوعية الدموية في مراحل لاحقة من الحياة.
كما تعزو فرضيات أخرى كون الإناث أكثر قدرة على الحياة ومواجهة الأزمات - في المراحل المبكرة من العمر وفي المراحل المتأخرة منه - للكروموسومات في خلايا كل منهما، حيث تحمل الأنثى زوجان من الكروموسومات "إكس"، بينما يحمل الذكور كروموسوم "إكس" واحد وكروموسوم "واي"، ووفقا لتلك الفرضيات فإن امتلاك الأنثى كروموسومين من نوع "إكس"، أي نسخة مزدوجة من هذا الكروموسوم وما يحمل من جينات في كل خلية، يعني أن لديها احتياطياً في حال اختلال عمل أحدها، بينما لا يتوفر لدى الذكور ذلك الاحتياطي، مما يجعلهم أكثر عرضة لمخاطر الإصابة بالأمراض.

فما هي حكاية الكروموسوم إكس هذا؟

يتكون جسم الإنسان من ترليونات الخلايا التي تحمل في نواتها الصفات الوراثية المشكلة لتكوين الفرد، وتنتقل الصفات الوراثية من الآباء إلى الأبناء على جُسيمات دقيقة جداً تُسمى الكروموسومات أو الصبيغات الوراثية، المكونة من خيوط ال DNA، والموجود في نواة الخلية ، وهذه الكروموسومات هي تركيب؛ وحدة بنائة الأساسية هي النيوكليوتيدات، المكونة من قواعد نيتروجينية وفوسفات وسكر خماسي، وتصطف النيوكليوتيدات وترتبط مع بعضها على هيئة سلم لولبي، مشكلة الدي إن إيه والذي يشكل مع البروتينات المحيطة به الكروموسوم (6).

ويبلغ عدد الكروموسومات في كل خلية ستة وأربعين كروموسوما، مرتبة في ثلاثة وعشرين زوجا، اثنان وعشرون زوجا منها كروموسومات جسمية تحمل صفات الشخص والزوج الثالث والعشرون هو زوج الكروموسومات الجنسية. ويرمز لزوج الكروموسومات الجنسية عند المرأة بالرمز XX، بينما يرمز لزوج الكروموسومات الجنسية عند الذكر بالرمزXY .

وتحمل كل من الخلية الجنسية الأنثوية/ البويضة والذكرية/ الحيوان المنوي نصف جدلة كروموسومات الخلية، بمعنى أنها تحمل ثلاثة وعشرين كروموسوما، يكون الثالث والعشرين منها هو نصف زوج الكروموسوم الجنسي وهو المسؤول عن تحديد جنس الجنين عند اتحاد كروموسومات الخليتين الجنسيتين البويضة والحيوان المنوي.
ولأن زوج الكروموسوم الجنسي عند المرأة متماثل XX فإن البويضة تحمل X دائما، بينما يحمل الحيوان المنوي X أوY.
ويعتبر الكروموسوم X من الكروموسومات المتوسطة و الكبيرة، يحتوي وفقا للدراسات على حوالي 2000 جين ، بينما يحتوي الكروموسوم Y على 78-150 جينا فقط، من أصل حوالي 30000-40000 جين في خلايا الإنسان.

كما وتظهر الدراسات أن العضيّات في الخليّة تورث من أحد الأبوين فقط، وهي الأم بشكل عام، ويستقبل الزيجوت عند تكونه عددا متساويا من المحتوى الجيني من كلا الجاميتين المشكلين له (الحيوان المنوي والبويضة)، إلا أنه يحصل على الميتوكندريا كلّها من البويضة التي تحتوي على سيتوبلازم أعلى، ومن ثم على العضيّات، ويسمى هذا النوع من الوراثة الأحادية بالوراثة الأمية (7)، وتعتبر الميتوكوندريا مصنع الطاقة في خلايا الجسم.

• لا نجاة لفاقد كروموسوم X
وقد يحدث عند الانقسام الاختزالي فشل في انقسام الكروموسوم الجنسي في الخلية، فإذا فشلت الخلية الأنثوية بالانقسام تنتج جاميتين أحدهما يحتوي على نسختين من الكروموسوم X، والثاني لا يحتوي على كروموسوم جنسي، ويشار إليها ب O، فإذا اندمج الجاميت الأنثوي الذي لا يحمل الكروموسوم الجنسي X، مع جاميت ذكري يحمل كروموسوم X، فإن الخلية المتشكلة/الزيجوت، أي البويضة المخصبة الناتجة والتي تحمل الكروموسوم الجنسي (XO) تتطور لأنثى، تكون مصابة بمتلازمة تيرنر (عقم، قصر قامة، وأعضاء جنسية لا يكتمل بلوغها) لكنها تعيش..
أما إذا اندمج هذا الجاميت الأنثوي الذي لا يحمل الكروموسوم الجنسي X، مع جاميت ذكري يحمل كروموسوم Y، فإن الخلية المتشكلة /الزيجوت والتي تحمل الكروموسوم الجنسي (OY) ، تفشل في التطور الجيني اللاحق، ولا تستطيع الحياة (8) .
ويدل هذا على ضرورة وجود نسخة على الأقل من الكروموسوم الجنسي X لتتمكن الخلية المتشكلة/ الزيجوت من الحياة، لأن غيابه يعني فناءها في مراحل التشكّل الأولى، في حين لا يؤثر غياب الكروموسوم Y في فرصتها بالتطوّر والحياة.

ولنلاحظ هنا أن الكروموسوم Y الذي يمتاز الذكر (XY) بحمله، هو أصغر الكروموسومات لدى الإنسان ويحتوي على نسبة ضئيلة جداً من الجينات، وأن مقابله عند الأنثى (XX) هو الكروموسوم X الثاني، الذي يشكل بمحموله الجيني كروموسوما عملاقا مقارنة به كما تقدّم. فأي أسرار يحمل هذا الكروموسوم الذي تحمل كل واحدة من تريليونات الخلايا في جسم المرأة نسختان منه، بينما تحمل مثيلاتها من الخلايا في جسم الرجل نسخة واحدة في كل منها.

هوامش
1- جريدة الغد الأردنية – العلم يظهر أن المرأة أقوى من الرجل – 12/6/2017.
2- اللواء البيروتية - دراسة جديدة: المرأة أقوى من الرجل بيولوجيا 13/1/2018.
3- جريدة الغد الأردنية – 21- 6- 2017 - العلم يظهر أن المرأة أقوى من الرجل وأطول عمرا.
4- جريدة الغد الأردنية – 21- 6- 2017 - العلم يظهر أن المرأة أقوى من الرجل وأطول عمرا.
5- كاتيا يوسف. موقع العربي – بريطانيا https://www.alaraby.co.uk. النساء أقوى من الرجال ويعشن سنوات أطول.
6- تترتب الكروموسومات في الخلية على شكل أزواج، في كل زوج قضيبين متحدين يتصلان عند نقطة قريبة من الوسط ، يسمى القضيب الواحد منهما كروماتيد. ويترتب كل كروماتيد بشكل حلزوني ويحمل في طياته عشرات الألاف من الجينات التي تحمل الصفات الوراثية للأفراد وتحددها، والجين هو سلسلة من النيوكليوتيدات، يطلق عليها اسم أليل، يختلف واحدها عن الآخر بعدد النيوكليوتيدات المكونة له، وترتيبها، ونوعها. ويتحد كلّ أليل مع أليل آخر في الكروماتيد المقابل، مكونا المورثة، من أليلين، كل منهما موروث من أحد الوالدين، عند تشكل الخلية الابتدائية للفرد
7- ريفن، بيتر ه. / جونسون، جورج ب. وآخرين - علم الأحياء - ص 242.
8- ريفن، بيتر ه. / جونسون، جورج ب. وآخرين - علم الأحياء - ص 250.