يتباهون أنها الأم والابنة والأخت والزوجة ويتجاهلون أنها امرأة قبل ذلك



كفاح زعتري
2020 / 12 / 13


أعرفها منذ سنوات، اسمها سعاد امرأة وحيدة في بداية العقد السادس، أتت مع ابنتها الشابة إلى أوربا، لم تتحدث مطلقاً حول وضعها الاجتماعي. صمتها دلالة على مشكلة مرت أو تمر بها.

أثناء حديث سكايب معها تطرقنا إلى حالات العنف ضمن أسر اللاجئين، كان رأيّ ضرورة الخروج من دائرة الخوف والصمت وفضح الممارسات التي تكبل حياة المرأة وتتعدى على كرامتها وجسدها. ترددت برهة ثم تشجعت وحدثتني عن نفسها؛ ورجعت بالذاكرة أكثر من ثلاثين سنة عندما كانت بعمر 19 عاماً.

بدأت القصة من رسوب البكالوريا
تقول؛ إنها استهترت قليلاً أثناء التحضير لامتحان البكالوريا العلمي بسبب طيش المراهقة وكانت النتيجة أن رسبت. صُدمت وهي الطالبة المتفوقة دائماً، أحست بتأنيب الضمير والخجل وامتنعت عن الخروج من المنزل، كما رفضت الذهاب ثانية إلى المدرسة وفضلت أن تتقدم للامتحان بشكل حرة – الأحرار مصطلح يرمز إلى المتقدمين لامتحان الثانوية العامة بشكل مستقل -. فالقاعدة في بيتهم هي وجوب التعليم الجامعي، وهو من الخطوط الحمر، ولا يسمح لأحد الأبناء والبنات بالزواج قبل إتمام تعليمه.

خطوبة تقليدية
في بيت العائلة لا يخلو الأمر من زيارات نسائية، في مرة جيران، وفي أخرى الأقارب، وبحكم تواجد الصبية في البيت كانت تقدم الضيافة للزائرات وتنسحب، إلى أن خُطبت لشاب؛ بعد إلحاح والدته المستمر وقبوله طلب العائلة بأن تكمل البنت تعليمها، فالشاب كان مناسباً وفق تقييم الأهل.

الصبية قبلت أخيراً نتيجة الصورة الجميلة التي رافقت الحدث واقتناع الأم والإخوة الأكبر سناً، كما أن شكله كان مقبولا، ويبدو لطيفاً ووالدته لا تنفك عن مديح الفتاة وإظهار المحبة والإعجاب والود. قبلت بعدما وافق على شرط إكمال تعليميها بقوله (براسي بسجلك بالجامعة) وكان الاتفاق على إتمام الخطبة والعقد، على أن يتم الزواج بعد ثلاث شهور، خلال تلك الفترة كانت نتائج البكلوريا وقد نجحت العروس وكان مجموعها يؤهلها دخول كلية الآداب التي ترغب بها.

عند زيارة خطيبها، أبلغته بفرح غامر بأنها نجحت وترغب بالتسجيل في كلية الآداب قسم اللغة العربية، استشاط غضباً وبات يصيح ويرعد رافضاً الموضوع، نقض العهد.

قبول الزواج نزولاً عند رجاء الأم
تقول، “كأني أراه لأول مرة، شخصية انفعالية عدوانية كان بشعا وغير الشخص الذي عقد علي؛ صدمني كما صدم أهلي بقراره. أنا تعنت برأي الرافض للزواج وطلبت الطلاق”. شعرت بالنفور منه، ورفضت اللقاء به والحديث إليه.

وتتابع؛ إلا أنني وأمام دموع أمي، وقلقها وحزنها من أن أصبح مطلقة، وتوسلها للتراجع عن قراري؛ قبلت وتم الزفاف وخسرت فرصة إكمال تعليمي.

تتابع “أحزنتني دموعها، وفضلت راحتها ورضاها على راحتي وسعادتي. كنت كارهة له، تزوجت دون محبة”.

يوم العرس يوم حزين
الصبايا ينتظرن يوم الزفاف بفرح وحب، لكنه كان يوماً حزينا بالنسبة لسعاد، تملكها شعور بالبؤس والضياع. كثيرات يتزوجن دون معرفة سابقة لكن يتأملن الخير في زواجهن، أما سعاد عرفته وخبرته، خذلها عندما وعد وتراجع، عندما رفض الطلاق، عندما صرخ بوجه أمها، سقط من عينها.

مشاحنات مستمرة
تقول؛ حياتها معه كانت مشاحنات مستمرة وصراخ وشتائم، العلاقة الزوجية واجب وفي حالات كثيرة اغتصاب، حملت من أول يوم زواج، أخبرته عندما عرفت أنها حبلى، فانفجر غاضباً، ونعتها بالغبية وعاملها بطريقة سيئة طيلة شهور الحمل ودون مراعاة أو اهتمام، وكذلك يوم الولادة وما بعدها. منعها من زيارة أهلها عدة شهور، منعها من العمل وبنفس الوقت كان ينفق عليها بالكاد وبمنِّية، يسيء معاملتها ويتهجم عليها يريد ضربها.

رغم ذلك لم يكون مقبولاً طرح موضوع الطلاق، كلما تحدث بأمر الطلاق مع الأهل، يكون الرد “فكري بابنك”، “أَسكت وأتلاشى”. أنجبت ابنتها، كانت تمنِّي نفسها بأن يتغير، بصير مع الوقت هيك كانوا يقولوا الأكبر سناً، مرت السنون وكان يزداد طبعه غلظه. ويزداد نفورها منه.

العمل والإحساس بالحرية
بعد عشر سنوات، عملت معلمة وكيلة، تجاوزت أذنه وخرجت دون إرادته، “أحسست لأول مرة منذ عشر سنين أنني أتنفس، أحسست بالحرية.” استمرت الحياة مع مشاحنات شبه يومية، وصراخ وشتائم وقذف أطباق وكراسي تجاهها، إحدى المرات هربت منه إلى بيت شقيقه الذي كان يسكن بجوارهم، تبعها لعندهم وصفعها بقوة. كانت تصرفاته قبل ذلك ضمن جدران البيت، لكنها خرجت إلى العلن، كان الإحساس بالمهانة طاغ على الشعور بالألم، خرجت من البيت وتوجهت إلى قسم الشرطة في الحي الذي تسكن، اتصلت بشقيقتها الأكبر وبأخيها كانت خائفة من دخول ذاك المكان، لكنهما رفضا التعاون، وطلبا منها العودة للبيت إلى بيت أمها حتى لا تخرب بيتها.

ردة فعلهم تلك غير المنطقية، هي الطبيعية في مثل هذه الحالة، تتهم المرأة بخراب البيت، رغم كل الجور والعنف الذي تتعرض له، عليها الحفاظ على بيت من قصب تهزه يومياً رياح الغضب والكِبر، ستة عشرة سنة من الإهمال والتعامل الجلف والطبع الحاد، لكن ليس بعد.

اتصلت بأخيها الأصغر، لبَّاها ولحق بها إلى قسم الشرطة، دخلا وعرضت مشكلتها، كان أثر يده باد على وجهها مع احمرار في عينها، تقول بالغت قليلاً بادعاء الأذية لعيني، رئيس القسم لم يستجب بداية لطلبها بكتابة ضبط، وطلب منها أن تفكر لمدة ساعة قبل أن ذلك، لكنها أصرت على طلبها، وفعلاً نظم الضبط وأحيلت إلى الطبابة الشرعية حسب الأصول وهناك أعطاها الطبيب معاينة ثانية بعد 24 ساعة.

رجعت مع التقرير إلى القسم، وكان يتوجب إحضار الزوج إلى نظارة القسم وتوقيفه احتياطياً حتى الحصول على تقرير طبي نهائي. طبعاً كانت نهاية رحلة الزواج، اتخذت قرارا بعد 17 سنة وبعد أن كبر الأولاد. لم تتحمل أمها الصدمة، مرضت وتوفت.

لا زلت أخاف مواجهة المجتمع
الطلاق بالنسبة لأمهاتنا يعني كارثة ودمار. بالنسبة لسعاد كان حرية وراحة بالي ونهاية التوتر والإهانات. تستطرد، هنا في ألمانيا لا يعرف أحد هذه التفاصيل، لأول مرة أتحدث بها. تتابع لم أشعر براحة وأمان إلا بعد طلاقي ولم أندم يوماً على قراري. لكني لا زلت أخاف مواجهة المجتمع، ستطالني الألسن وستنال من ابنتي وسيكون طلاقي عقبة في وجه زواجها. تضيف مجتمعنا يتعامل مع المرأة بطريقة سيئة يعتبرها شيء ما، تكملة لديكور البيت، بلا رأي أو أحاسيس، هي أم وابنه وأخت وزوجة، يتجاهل أنها امرأة قبل ذلك.