المدرسة العالمية لطبّ الذكورة



نادية خلوف
2020 / 12 / 15

عزيزي طبيب العائلة
كنا نراهن على أنّ العمل في المجال الطّبي هو عمل إنساني بالدرجة الأولى ، لكنّنا كنا نجهل أن هناك مدرسة عالمية للطب العام يعرّف بالنساء على أنهن مجنونات ، وعندما نقول مدرسة عالمية فإن هذا يعني الطبيب و الطبيبة، وربما في كل أنحاء الدنيا، لكنّهم يقولونها ضمناً في بعض البلدان، وتقولها أنت صراحة في بلاد الحيتان.
لن أناقش بما تعلمته، وكيف أصبحت طبيباً ، رأيت أمّك البائسة، عرفت أنّها قدمت حياتها، وربما حياة عائلتها كي تفتخر بأنك طبيب فأنت مقدّس لسببين: لأنّك ذكر، و لآنّك طبيب.
عزيزي الطبيب:
أما بعد.
كيف تسمح لنفسك أن تصفني بالجنون ؟
زرتك في سن الخامسة عشر مع والدتي من أجل أن أعالج حبّ الشباب. قلت لوالدتي أمامي : دعيها تغسل وجهها كثيراً، و أن تبتعد عن العصبية. ترجمتُها إلى لغني الدّاخلية ، فكانت ترجمتها: أنا مجنونة.
أتيت إليك في العشرين في قضية تساقط شعري غير الطبيعي ، فقلت لي : هو حالة نفسية وكنت تعني " الزواج" ، أكدت لي ترجمتي الأولى : أنا مجنونة.
أتيت إليك في الثلاثين أشكو ألما في البطن. قلت لي : تبدأ أعراض سن اليأس أحيناً بالثلاثين، و لها إشكالات نفسية ، فسرتُ ذلك : جنوني يزداد .

جئتك في الأربعين فقست أنت " كرجل" قيمتي الجنسية بالنسبة للرجال فقلت تغير الهرمونات ، يجعل الإنسان عصبي ترجمتها إلى: أيتها المجنونة !
زرت زوجتك الطبيبة وكنت في الستين. كنتُ أرغب بزيارتك، لكنّك كنت تحضر حفل تكريم المرأة المثالية كونك رجل سلطة أيضاً ، نالت الجائزة يومها أم مجد " السمسار عند أبو الوطن" فقالت لي زوجتك : اكتئاب يصيب النساء في الستين .
قررت أن لا أزور الطبيب بعد الستين لأنّ الجواب معروف وهو أنني مجنونة.
كوني اقتنعت بجنوني. أنت و أمي ، وزوجي، وجارتنا الخطابة وصفتموني بالجنون . إذن أنا مجنونة. لماذا أكابر؟
توجهت إلى الطبيب النفسي، عالجني بالصّدمة، و كل أنواع التعذيب الأخرى, كان أجملها المنوّم حيث أنام و أصبح بدينة، و أجنّ ، قال لي نسبة شفاء النساء أقل . . . لأنني مجنونة. لا أعرف إن كان لسوء الحظ، أو لحسنه قرأت على أنّ الطبّ النفسي تجريبي ، ولا يوجد ألم نفسي، كل الآلام مصدرها جسدي.
في آخر مرة زرتك فيها ، وقلت لي إن الكولون لديك عصبي- أي مجنونة- . بحثت عن طبيب استمع لي ، أجرى التحاليل، وخرج الكولون بريئاً من تهمتك.
بحثت عن طبيب مختص بالغدد ، وقال لي أن أعراض الغدة الدرقية هو تساقط الشعر، تبين أن لدي نقص نشاط بها .
زرت طبيب النساء، وقال لي هناك اشتباه سرطان كان يجب علاجه قبل عشرين عاماً.
هل يمكن أن أكون قد عشت طوال حياتي في حالة الجنون لأنّ طبيباً وصّف لي حالتي بذلك؟
عزيزي الطبيب ، عزيزتي الطبيبة :
في مدرسة الذكورة العالمية تعلّمتم أنّ النساء مجنونات ، و أنّ المرأة إن تجاوزت العشرين ، ولم تعد مثيرة فهي متّهمة بالعنوسة، بالجنون .
في آخر مرّة زرت فيها طبيب الغدد قال لي: الأعراض النفسية أسبابها جسدية. هل يمكنك اليوم أن تشفيني من الجنون أوّلاً، ومن كل أخطائك السابقة بحقي، ومنها حقي في الحياة؟
أراك تسخر مني، و تقول مجنونة . بل قلتها. رأيت منشوراً لك على الفيس بوك تسخر من مريضة هي أنا على شكل ألغاز، وعشرات إشارات الإعجاب، و التعليقات على صفحتك، أغلب المعلقين كنّ من النّساء .
هل تدلني على طريقة أقنعك فيها أنّني لم أكن مجنونة، و أن خطأك قد يكون سبباً في أن أغادر الحياة؟
بالطبع لا يمكنك، لأنّك تعلمت في المدرسة دروسك الأولى على أنّ المرأة مجنونة. . .