هل الدين حامي للأخلاق



أحلام أكرم
2020 / 12 / 15

إسراء غريب الشابة ذات الواحد وعشرون عاما التي تشارك في قتلها ثلاثة من أقربائها بما فيهم زوج أختها الذي يشغل منصبا قياديا في السلطة الفلسطينية .. الأمر الذي أدى إلى خوف شهود المستشفى من الإدلاء بشهادتهم ووقف مسؤولي المستشفى عاجزين أمام طلب ولي الأمر بخروجها وعدم حاجتها للعلاج برغم علمهم التام بما تعرضت له من تعذيب وضرب .وما ينتظرها من تعذيب. والدائرة التي أصدرت شهادة الوفاة لتسريع عملية الدفن برغم وجود وظهور الكثير من الأدلة على العنف والضرب.. والعديد من إلتباسات أخرى حول سبب قتلها وإن كانت كل أصابع الإتهام تُشير إلى قتلها لحماية الشرف ؟؟ في سبتمبر 2019 ...؟؟؟؟؟
أُصبت بالصدمة والذهول حين قراءتي لخبر في إحدى الصحف العربية عن مطالبة عائلة إسراء غريب وعائلة آل صافي بالإفراج عن المتهمين بقتلها بكفالة مادية ؟؟؟ على أن يحضروا المحاكمات في مواعيدها, ثم تهديدهم بالإضراب الجماعي عن الطعام في حال عدم الإفراج ؟؟؟ إضافة إلى تهديدهم بالإستقالات الجماعية من عضوية فتح المنظمة الحاكمة ؟؟؟
ما قتلني بقية الخبر في إحتمال نية الحكومة الفلسطينية الإفراج عن القتلة .. تحت تبرير حماية الشرف وغسل العار ؟؟؟
تهت في متاهة الأسباب المُحتملة التي ربما تدفع الحكومة الفلسطينية لهذا الإجراء ؟؟؟؟ هل هو ضغط سياسي خاصة وبوجود شريحة كبيرة من الحماسيين في كوادرها يتزايدون بسبب فشلها ؟؟ أم وجود زوج الأخت الذي شارك في الجريمة في مركز مُتنفذ في السلطة. ؟؟؟. أم هو لأسباب تتصل بالتشريع الديني الذي بُنيت علية مادة الإعفاء, أم هو ترويج قاضي القضاة الدكتور محمود الهباش المُنشق من حماس للمد الأصولي ولتصريحاته المتعددة لخدمة هذا المد في تبرير وتشجيع العنف ضد المرأة والذي وبتصريحاته خلق إلتباسا ذهنيا كبيرا في شريحة لا يُستهان بها من الشعب الفلسطيني ..الرجل الذي قد يكون له التأثير الأول على الرئيس والحكومة الفلسطينية في تبرير فعل الجُناة ؟؟؟ في مُقابل حماية القيادة الفلسطينية من مُسائلتها عن تخاذلها في إلغاء مثل هذه المواد تحت مُبرر وجود الإحتلال ووجود هذه القوانين شرعا ؟؟؟؟
تباين الخبر في الصحف الفلسطينية بين من يؤكد الإفراج عنهم وتصريحات بعض المسؤولين بعدم حصول هذا الإفراج .. ونشطاء يؤكدون بأن النظر في الإفراج لا زال قائما و تحذير من ناشطات نسويات بإمكانية إغلاق القضية بدون أية عقوبات ؟؟؟؟ يؤكد وجود إلتباس حكومي في كيفية إتخاذ قرار يحفظ ماء الوجة على كل الأصعدة وهو الأمر المستحيل في قضية ستُشكّل إحراجا دوليا للحكومة الفلسطينية التي وقعت على المعاهدة الدولية سيداو وبدون تحفظ والتي تُلزمها بالعمل على إنهاء كل أشكال العنف على المرأة بما فيها الأحكام التمييزية التي تُشكل أقصى أنواع العنف ضد المرأة وتؤكد عدم المساواة القاطع بينها وبين الرجل ..هذه الأحكام التي تستند عليها السلطة القضائية في تبريرها لأحكام تشريعية مُستندة لتفسيرات النصوص الإلهية وتفسيرات الفقهاء, في تأكيد الحق الإلهي بالدفاع عن العرض فيما يتعلق بأي إخلال بشرف العائلة ؟؟ والذي فسرة فقهاء الدين بالحق الإلهي في وجوب العقاب والحق بإباحة القصاص ووجوب القتل لإشاعة الثقافة الإسلامية والمجتمع الإسلامي العفيف الطاهر ؟؟؟ مستندين في ذلك إلى "" ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق "" من خلال الحفاظ على الضرورات الخمسة التي يحافظ عليها الإسلام – "حفظ الدين ـ حفظ النفس ـ حفظ العقل ـ حفظ المال - حفظ العرض". أي رخصة دينية مُقدسة تُؤسس للعنف والقتل ,لإرضاء مشيئة الإله وحفظ الدين..
الأمر الذي يضع الحكومة في مأزق تعارض خطابها الدولي مع الخطاب الديني المحلي الذي حولوه إلى أحكام مستمدة من النصوص يؤسس للعنف ضد المرأة .وإبقاء الحال على ما هو عليه . ولا يمكن لأية حكومة التوفيق أو توافق كلا الخطابين ؟؟؟
حكومات العالم كلها تتشارك في إعتبارها المسؤول الأول في حماية مواطنيها ومواطناتها .. وعن حماية المصلحة العامة ..؟؟ سؤالي للمشرع العربي والفلسطيني بالتحدي هل المصلحة العامة الإبقاء على قوانين تتعارض مع إنسانيتنا كبشر .. الدين لا يمكن أن يكون الحامي الوحيد للأخلاق .. لأننا بذلك نعفي أنفسنا من تحمل المسؤولية عن أفعالنا لنعلق كل كوارث مجتمعاتنا على دين يفقد قدسيته وإحترامة حين يُفقدنا إنسانيتنا .. وأخلاقنا .. وأية قوانين تسمح وتُبرر فقداننا لإنسانيتنا ليست بقوانين ربانية بل هي وصفة كامنة لجريمة ضد الضعيف منا .. بمعنى المرأة والآخر المختلف ؟؟؟ وهو التعارض التام لصفات الله عز وجل ..
الحكومات العربية .. والحكومة الفلسطينية تقف على مُفترق طرق .. إما التحديث والخروج من تبريرات كوارث الخطاب الديني كما في جريمة قتل الشرف .. وتفسيرات تجميلية تُبقي على تشريعات تُجذر إلى رُهاب فكري عُنفي مُجتمعي على المرأة .. في الإبقاء على قوانين الغاب كما جاءت في كل القوانين الدينية .. التي خرجت منها الدول الحديثة .. وتحتار وتتأرجح الحكومات العربية ما بين تبريرها وتجميلها تحت مقولة خصوصية ثقافتنا بينما يبقى هم المؤسسات الدينية الإبقاء على هيبة النص وليس الحقوق ؟؟؟؟
محاكمة قتلة إسراء ستكون المُحدد .. خاصة وأن مسؤولية النيابة العامة حماية الحق المجتمعي الذي أكدة خروج الأعداد الكبيرة من المتظاهرين من رجال ونساء تتطالب بعقاب القتلة . بمعنى ضمني بكسر طوق المُقدس .. وقداسة النفس البشرية .. وتغيير القوانين التي تحمي القتلة من العقاب وليس تجميدها الذي يضر ولا ينفع ؟؟

أحلام أكرم - باحثة وكاتبة في حقوق الإنسان .. مديرة منظمة بصيرة لحقوق المرأة العالمية