هل كانت مجنونة!!



عبله عبدالرحمن
2020 / 12 / 27

في يوم ميلادي وان كان يوما عاديا ويشبه لكل الايام التي تمر. الا انه يظل يوما مختلفا ومميزا بالتهاني والامنيات وبعض الاهتمام في زمن التباعد الذي نعيشه بسبب جائحة كورونا. مثل معظم المناسبات التي فقدت اهميتها اصبح التعاطف والمشاركة مجرد صورة او دعوة او امنية او مواساة بدعاء في مناسبات الحزن. لم يكن بؤسا مني مشاركة الاهل في دعواتهم والتي كان جلها لخير الانعتاق من هذا الحجر الشامل الذي شل الحياة على كل الارض بيدا انه لم يكن ابدا الشيء الذي اتمناه واحلم به في مناسبة خاصة مثل يوم ميلادي .اتذكر اول قالب كيك قدم لي، وكان بشمعة واحدة كبيرة وقفت شامخة كالمنارة تتوسط القالب المثقوب من منتصفه وكأنها تأخذ ضمنا بعض من حصتنا ونصيبنا من الحياة المنتظرة. حين يتقدم بنا العمر تأخذ الحفرة بالاتساع على حساب الشمعة وان كانت في حينها كبيرة والاحلام اكبر. كان يوم ميلادي يوما عاديا طبيعيا لكنه على الجهة الاخرى من العالم الغربي المتقدم حيث الشمعة هي التي تكبر وتتسع مع العمر بمزيد من الفرص على حساب الحفرة. كانت احداهن تحتفل بيوم ميلادها على ضوء الشموع الخافتة المليئة بالألوان وامامهما قائمة من الطعام بانتظار الكعكة التي سيكون تذوقها بداية لسنة جديدة وسعيدة. كانت تتناول العشاء مع زوجها بصمت وان استدعى الامر فأنها كانت ترد بإجابات قصيرة مختصرة. انتهت المائدة وجيء بالكعكة لكنها لم تستطع ان تشاركه فيها وقالت بصوت مسموع لاذنيها قبل اذنيه: انها لم تعد ترى فيه رجلا يمكن ان تكمل معه حياتها! كانت تعرف بأنها ترمي بعشرين سنة زواج بما فيهم من ابناء وبنات. كانت تعرف بأنها ترمي باستقرارها مع رجل تعودت منه الا يقول لها: لا! كانت تعرف انها ستكون المجنونة بعيون الاهل والاصدقاء والتي هدمت بيتها بيديها. لكنها لم تستطع ان تقاوم فكرة انها تعيسة وانها ما تزال تحلم بحياة اخرى ليست هي الحياة التي تعيشها. كانت ما تزال تحلم بأن وراء الباب يوجد الضياء، ومن حقها ان تعطي لنفسها فرصة حتى لو قالوا بأنها مجنونة. الحقيقة ان تلك السيدة محسودة من سكان العالم الثالث الذين تمضي حياتهم في طابور من العنوسة والبطالة. يعيشون على هامش الحياة وفي عالم افتراضي مسكون بالخوف والكوابيس بدلا من الاحلام في حياة حقيقية . محسودة تلك المرأة لانها لم تكن السيدة المغلوبة على امرها، ولن تكون كذلك الانسانة التعيسة لتحيا ظروفا قاسية لا تقبلها. نغبطها لانها تتمرد عنا بتخيلها امتلاك خيوط اللعبة بعيدا عن سلطة العيب والقلق من شح المال. هي تحتاج لان تقاتل لتربح بعيدا عن قلق الخسارة فأرادتها بيدها كما تتخيل ولو اننا لا نتخيل معها بهذا الافتراض ربما لأننا محكومين بواقع ثابت بالامتهان لمبدأ الربح والخسارة وهذا ما يجعل معظم خطواتنا ثقيلة او معدومة. ما ادهشني حالة الشك التي اصابتني حيال تلك السيدة. وقعت بحيرة بين ان اتعاطف مع قرارها لتغيير حياتها ام انضم لمن قالوا بانها مجنونة!.
الحقيقة اننا نتعاطف مع تلك القصص وكل القصص التي نقرأ عنها سواء في الكتب او في الحياة عموما لانهم يتمردون وينوبون عنا في ممارسة الحياة بامتلاكهم حرية الاختيار وتغيير الواقع من حولهم، فيما يلوذ معظمنا بنفسه هائما على هامش الحياة مقهورا من دون احلام او ميلاد جديد.