المراة وصراع الحرية مع الرجل



زوهات كوباني
2006 / 7 / 19

العقلية الدولتية/الإدارية التي هي ثمرة وابداع من نتاج العقلية الذكورية على مرالقرون والتاريخ أكسبت الرجل الكثير من التجارب والدروس في الحيل والخداع والدجل، وزرعت اولى بذور الشقاق والنفاق ونثرت سمٌ العداوة والبغضاء والحقد بين بني البشر عندما بدأ أنكي (إله الذكر) في حربه الظالمة على اينانا ( آلهة المرأة ) ونهبه لقوانينها بعد ان كان المجتمع بمثابة عائلة من الالفة والتعاون والتضامن والمحبة. فبدلاً من مصطلحات "المحبة" و"المساواة" و"السعادة" و"الجمال" و"العشق" بدأت تسيطر مصطلحات "الكره" و"الحقد" و"الظلم" و"الجور" و"القبح" في المجتمع، والتي جعلت الانسان عدو الانسان بعد ان كان يعيش في وئام وصداقة طبيعية بعيدة عن العدوان. فهذه التجربة المستندة الى التاريخ الطويل من الهيمنة والسلطة على المراة، مكنّت الرجل من ان يكون صاحب قدرات وطاقات كبيرة في الخداع والتضليل والتلوين، من اجل تحقيق غاياته التي تنتهي بالهيمنة على المرأة والاستفادة من صفاءها وصدقها. فهو يستغل كل هذه الطاقات والامكانات من اجل تثبيت هيمنته وسيطرته، وجعل المراة أمةً عبدةً لا حول ولا قوة لها الا به، بدلاً من وضعها في خدمة تطوير قيم الحق والمساواة والحرية في المجتمع، مستنداً إلى هذا التاريخ المليء بكم المأثور الديني الشرقي المنبعث من الكتب الدينية والدنيوية التي تعطي له الحق في ذلك، وتجعل المراة حديقة له يمرح ويسرح فيها، كونها ناقصة عقل و خرجت من ضلعه. أو أنها ارتكبت الخطيئة وتستحق العقاب الشديد والعذاب الاليم، والطرد من البيت حتى القتل وووالخ...

وتحول ذلك مع مرور الزمن في المجتمع الى عادات وتقاليد ومن ثم الى قواعد وقوانين صارمة، تعطي الحق الكامل له بالتصرف بها، دون ان يكون لهذه الانسانة البريئة حقها في الدفاع عن نفسها تجاه مثل هذه الهجمات الوحشية الشرسة، او حتى إبداء رايها بامور تتعلق بحياتها وكأنها ولدت لتكون ملكٌ خاص للرجل سواء اكان في البيت مع العائلة فللذكر حق التصرف بها، او في الحياة الزوجية ينتقل هذا الحق الى الزوج ويبدء هذا بالتصرف معها كما يحلوا له. كل هذا كونها مجرد إمراءة. متناسين انه لولا وجود المراة لما كان لهم وجود بالأصل. ومن اجل الحفاظ على نفسها تضطر إماٌ الى القبول والخنوع او الى الانتحار من اجل التخلص من عذاب البيت وسيطرة الرجل، مقتنعة بهذا القدر اللعين رغم شكوكها به او الرغبة في العصيان ضده، كون المجتمع اصبح مجتمعا ذكوريا ان جاز التعبير نتيجة هيمنة العقلية الذكورية على جميع امور الحياة.

كل هذا يٌظهر ان مسيرة حرية المرأة شاقة وصعبة ووعرة وليست كما يتخيلها البعض مفروشة بالورود والزهور، سهلة الوصول. لأنها تواجه في صراعها هذا، أعداء كُثر ومن مختلف الأصناف والالوان قادمين من كل حدب وصوب، يفوقون في عدادهم اعداء الدول والشعوب . ويمكن القول انها في مواجهة منبع العداوة والاعداء في التاريخ ، لذلك فنجاحها في هذا الصراع سيكون نجاح الصدق على الخداع ، الحب على الكره ، السلام على الحرب ، الانسانية على الوحشية . فمعركتها ليست مع الرجل كونه رجل فقط، بل مع عقليته الذكورية التي اصبحت مهيمنة على المجتمع والدولة بجميع مؤسساتها حتى أثرتْ على المرأة نفسها ، ووضعتها تحت تاثيرها وجعلتها جزءاً منها، تفكر وتعمل وتعيش كما تريد هذه العقلية ، لذلك ستنطلق في صراعها مع المرأة المستسلمة الخنوعة، ومنها إلى كل ما تمثل هذه العقلية من مؤسسات وقوانين ودساتير، بدءاً من العائلة الى المجتمع الى الدولة الى التاريخ اللعين . لذلك يمكن القول ، سيتمحور الصراع الرئيسي في هذا القرن حول المرأة والرجل، بين الهيمنة الذكورية ونضال الحرية والإنعتاق الذي تقودها المراة.

لا يكفي صفاء وعدالة القضية، بل يتطلب الأمر معرفة المرأة لقوانين الصراع بابعاده المعروفة واستخدام الذكاء والمهارة والحنكة السياسية ، دون الدخول في الانفعالات العاطفية وردود الافعال الانية، التي لن تسفر إلا الى هيمنة الرجل وعبوديتها ثانيةً.
فالرجل صاحب تجربة كبيرة استمدها من تاريخ هيمنته على المجتمع والدولة ويمكنه ان يجر المراة الى الكثير من االالاعيب وتحطيم إرادتها. وللمحافظة على سلطته يمكنه إرتداء الكثير من الاقنعة التي لا يقتنع بها ويغير لونه كالحرباء من اجل خداع المراة، يمكنه البحث عن حرية وعدالة وديمقراطية المراة ، ويجعل من نفسه نصير حرية المراة في صراعها، ولكن لا حول ولا قوة له بهذه العادات والتقاليد الموجودة في المجتمع، والتي هي سارية المفعول رغما عنه وعنها، ويلوح لها بنتائج مثل هذا الصراع وما يترتب عليها من نتائج ماساوية وسلبية وتراجيدية على المراة في المجتمع ، كل هذا من اجل ان يقنع المراة بالإنحراف عن مسيرتها ونضالها وان تكف عن الصراع ، حتى انه نجح في الكثير من الاحيان ، وتم ابعاد المرأة من الصراع تاركة احلامها واهدافها في الحرية ، وجعلها أسيرة البيت والمطبخ والعيش كما يريد وكانها تقدم نقدها الذاتي عما قامت به خلال صراعها.

فالكثير من النسوة ونتيجة القراءة غير الصحيحة لابعاد هذا الصراع، اما تعبن خلال الخطوات الاولى بمجرد رؤيتهن العراقيل والصعوبات او ندمن على ما قمن به، وسقطن في لذة الحياة. لذلك فالقراءة الصحيحة لعقلية الرجل وابعاد الصراع مع هذه العقلية له اهمية كبيرة بقدر اهمية الصراع نفسه. فبدون هذه القراءة لا يمكن اتباع اساليب نضالية صحيحة ولا يمكن النجاح، وسيكون الصراع كمن يناطح الصخور.


زوهات كوباني