الجنس الآخر



سوسن صالح
2020 / 12 / 31

"لا يمكننا أن نقارن بين الأنثى والذكر في النوع البشري إلا من الزاوية الإنسانية. ولا يُعرف الإنسان إلا بأنه كائن غير مُعْطَى وأنه يصنع نفسه بنفسه ويقرر ما هو عليه." – سيمون دي بوفوار من كتاب الجنس الآخر.
كيف يرتقي المجتمع ويزدهر بلا اعتبار ولا دعم للمرأة؟
المرأة التي تعتبر أهم مكون في أي مجتمع كان، ليس لأنها الأم والأخت والزوجة والإبنة كما يحرص الجميع على تعريفها كذلك بل لأنها عنصر مهم في عملية التنمية الاجتماعية وعليه فإن مساواتها مع الرجل ضرورة ملحة وغاية نبيلة لأي مجتمع يهدف للنجاح والتقدم.
وهنا لا أقصد بمساواتها بمواضع أجمع الاسلام على تباينها مع الرجل – لأسباب وأحكام دينية لا يمكن المساس بها- كالميراث او غيرها مما حدد الشارع. ولكن بحقوق وواجبات اجتماعية سنها المجتمع بنفسه من الأزل، مستندا على العادات والتقاليد الموروثة التي أكل عليها الدهر وشرب والتي تتحيز للرجل وتقمع المرأة بهدف اقصاءها عن "عالم الرجال" وابقاءها بعالم هش لين تكون فيه الراعية للبيت والأسرة والقائمة بمهامهم بلا اعتبار لطموحاتها ولا رغباتها في الاستقلالية أو حرية الاختيار إن كانت تريد أن تصبح ربة بيت أو أن تتفرغ لمستقبلها وتحقق ما تصبو إليه. ويتم تنميطها لتحديد انجازاتها والتحجيم من امكانياتها بلا اعتبار لعقلها أو قدراتها.
فالمرأة لا يجب أن يتم تصنيفها بأي صفة كانت لكي يتم احترامها واعطاؤها حقوقها، أي لا يجب ان تقدر لأنها زوجة أو شقيقة أو ابنة، ولكن يجب إكرامها لكينونتها ولكيانها بلا تعليل ولا تبرير لهذا التكريم والاحترام.
لأن الرجل كائن بشري لا يختلف عن المرأة في شيء، فكلاهما يحلم ويخطط وينجز وكلاهما يستحق بأن يعامل كما يجب.
فلماذا ذلك التحقير للمرأة، والنساء شقائق الرجال!
المرأة مضطهدة في مجتمعاتنا العربية ومسلوبة الارادة تُقتل لأنها حلمت وتُقتل إذا تكلمت. فهي الشماعة التي تنسب إليها أي مشكلة في العائلة فالابن المشاكس تنسب مشاكساته لأمه والزوج المتعدد تنسب تعدديته لزوجته والشقيق القاسي تنسب قسوته لشقيقته التي لا يراها إلا جسدًا لابد من لفه وتغطيته وتخبئته إن كان باليد حيلة.
فكم من جريمة يرتكبها أحد الذكور بحق أحد محارمه، تتحول جريمة شرف تبرئه من جريمته تحت ذريعة الحميّة والعقلية الذكورية الشرقية التي تهوى التحكم والسيطرة لتثبت نفوذها في مجتمع سلطوي لا يقدم للمرأة إلا الفتات بل ويتمنن عليها بكل صفاقة.
مجتمعاتنا العربية تُعامل المرأة فيها كعار حتى الأمثال الشعبية تزخم بالإساءة للمرأة فتقول أحد الأمثال " هم البنات للممات" وغيرها الكثير. بل إلى يومنا الحالي هناك من يُفضل " خِلفة الأولاد" ويلعن الساعة إذا أتته فتاة.
بالفعل المرأة لطالما عوملت "كآخر" كما تقول النسوية الفرنسية سيمون دي بوفوار في كتابها " الجنس الآخر"، أن المرأة يتم تكوينها وتشكيلها من قبل المجتمع فيتم تعريفها بقائمة المهام التي ستتولاها حتى أخر يوم في حياتها كجنس اختاره القدر ليُنجز أعمالا روتينية معتادة تثبت أهليتها في مجتمعات لا تأبى إلا في تأكيد سلطتها على النساء.
العالم لم يعط المرأة حقها، حتى أكثر الناس إيمانا وتدينا – المتطرفين- قد لا يعامل المرأة معاملة الاسلام بحجة أن المرأة جسد مغري قد يحصد الذنوب والسيئات، مسيئين لصورة الإسلام ومنفرين منه.
واليوم، أؤكد بأن وضع المرأة لن يتغير بسهولة في مجتمعاتنا العربية حتى وإن تحسّن عمّا كان عليه كما يعتقد البعض. لأن التغيير لابد وأن يكون في جذور العادات والتقاليد التي مازالت تحكم العقليات العربية وترفض المرأة كجنس مساو للرجل بل ترفض تقبلها كذلك وإلغاء النظام الأبوي الذي يعمل وصيا على المرأة. كما نحتاج الى الرجوع الى الله والالتزام بشرعه واحكامه لان الإسلام وحده من كرم المرأة ورفع من شأنها، ولأنني أؤمن بأن تعاليم الإسلام غير المتطرفة أو المتشددة منهج حياة لا خزعبلات مرعبة تطارد المرأة وتدافع عن الرجل. كما أننا نطالب بقوانين رادعة تُعيد النظر بقضايا الشرف _التي لا تنزف إلا دناءة وانحطاط_ قوانين تكون قاسية في أي قضية تحرش أو اعتداء تكسر المرأة وتخدش حيائها.