libido ومقياس التحضر في الدول وقضايا الاغتصاب



هاله ابوليل
2021 / 1 / 3

الليبدو ومقياس التحضر
لا يمكن ان تقاس نسبة تحضر الدول الا بدراسة سلوكيات افرادها في التعامل مع الفراش الزوجي وبنسبة التحرش السنوية و بنسبة الاغتصاب المرتفعة أو القليلة .
ربما ما جعلني اكتب هذه المقالة هو طيف تلك الفتاة المصابة بعينها اليسرى وهي تبكي في المشفى.
كان ذلك في احد تلك الايام الغابرة حيث اتصلت بي صديقتي مسؤولة قسم الاطفال لتخبرني انها بصدد المرور علي للذهاب للمستشفى لأن احد السواقين الباكستانيين اغتصب عاملة فلبينية من مرافقات نقل الطلاب في احد باصات المدرسة .
في المشفى كانت الفتاة تبكي, وكنت اراها من خلف زجاج غير عاكس وهي تروي وحشية المغتصب لأحدى صديقاتها الزائرات لها .
المعروف ان مثل تلك القصص تحدث كل دقيقة في بلاد الخليج فهم يستقدمون تلك العمالة الرخيصة ويحجزون جوازات سفرها ليبقوا لسنوات بدون ان يتاح لهم السفر لبلادهم أو لجلب زوجاتهم على الأقل , فيظل ذلك الوضع المزري يتكرر بشكل يومي .
فمثل تلك العمالة لم تحصل على تعليم لائق ولم تفهم آداب تلك العلاقة بالتعامل مع كينونة اجساد لا تملكها حتى ورقة الزواج نفسها إذا امتنعت الزوجة عن زوجها فلا يحق له اغتصابها بالإكراه, فأساس العلاقة هو التراضي والمحبة .
فكيف يمكن تعليمهم ان ذلك الكائن الأنثوي هو كيان مستقل وليس متاعا مشاعا لأي طارق مجنون أو رغبات غير مشبعة , فالهو حسب فرويد هو ادنى مراحل الاشباع التي يمكن أن يحصل عليها الكائن الحي بدون مراعاة لمعايير مجتمعه فإذا ما جاع هذا الكائن المتدني في سلم الحياة الانسانية فلن يتورع بكسر زجاج محل وسرقة ما فيه من طعام بدون ادنى اي ضمير أو محاسبة .
العمالة التي نتحدث عنها هي من الفئة التي لم تتلق تعليما جيدا ,هذه تبحث عن خلاص الليبدو التي يجتاحها بما يسمى ثورة الجسد , إما بالتفريغ اليدوي او بحفلات الشواذ الجماعي اما بالخفية او ضمن مجموعة خاصة بالشواذ الرجالي او بعمليات اغتصاب فردية .
وربما مثل تلك القصة للوافدة الفلبينية والتي ارتأت ان تفضح المجرم , فذهبت للمشفى واخبرت الشرطة عنه على عكس الكثير من قصص الاغتصاب التي يتم التستر عليها بحجة "خوفا من الفضيحة" كما فعلت صديقتي التي جاءت مندوبة من قبل المديرة لتقنع الضحية بالسكوت وليس كما تهيأ لي اننا ذاهبتان لمساندة الفتاة.
رفضت مطلب صديقتي وقلت لها :ان هذا سيجعل الآخرين ممن سيسمعون القصة بالتمادي واغتصاب العاملات الآخريات , فمثل هذه الاشياء لا يمكن التستر عليها ولكن صديقتي التي لا تملك المدرسة بل هي مجرد موظفة يمكن ان تطرد في اي وقت , كانت تخشى من انتشار الخبر الذي قد يفسد سمعة المدرسة ويحجب الاهل من تسجيل ابناءهم فيها كما تعتقد لا وبل قدمت للفتاة عرضا مهينا من المال مقابل السكوت و كان احتجاجها على موقف الفتاة سخيفا عندما رفضت الفتاة التنازل عن حقها مما جعل صديقتي تعلق على هيئة الفتاة الجمالية وكيف ان هذا السائق لا يعرف الجمال , فلماذا اختار فتاة مشطوبة العين اليسرى تقريبا !.
كانت تلك اول مرة اعرف ان المنصب والبقاء فيه قد يجعل المرء يفقد ضميره او احساسه !
كان ذلك غريبا على فتاة اعرفها منذ عشر سنوات رقيقة وعاطفية ومتسامحة ’ فكيف تقبل اهانة فتاة و معايرتها بعيب جسدي لا علاقة لها بوجوده لمجرد انها رفضت عرضها بتقديم مبلغ مالي جيد وترك المدرسة وتسفيرها اذا رغبت.
تلك المهمة القذرة مع صديقتي احدثت بداخلي خدوشا جعلني اهرب منها واذهب لسكن منزلا خاصا بي
لأن من يرتضي مثل هذا لا آمنه على نفسي .
صحيح انه تم سجن السائق وبقيت الفتاة وتم التستر على القصة في نطاق ضيق ولكن هذا جعلني افكر بقوانين الاستقدام العادلة في تلك الدول لا وبل القضية الاكبر هو كيف يمكن ان نربي رجالا قادرين على اسكات ثورة الجسد المجنون والظهور بالرقي المطلوب .
لا وبل ماذا فعلت كل تلك النصوص الدينية التي نقرأ عنها في القرآن , لماذا لا تجعل البني ادم - هذا المخلوق راقيا بتعامله مع جسده , ومع اجساد الاخرين !
هل تعلم عزيزي الرجل المتخلف ان مجرد اطالة النظر بجسد ليس لك يعتبر استباحة يعاقبك القانون عليها , بل يجب ان تعاقب نفسك عليها لأنها تجردك من انسانيتك وتضعك في مرتبة الحيوان الذي لا يملك القدرة على التحكم بتصرفاته ونظراته .
بل ويجعلنا كيف نرتب الافراد تصاعديا حسب تعاطيهم مع اجسادهم واجساد الاخرين ’ وهل هناك وصفة لوصم الرجل الراقي عن الهمجي بتعاطيه مع الجسد وكيفية التعامل معه بسلوكيات فيها احترام النظرة والمسلك حتى لو كانت تلك التي تناظرها امرأة غير محتشمة .
في الهند ولدى طائفة الهندوس بالذات الذين لا يعتبرون من حملة الديانات الابراهيمية لديهم اول دليل لتعليم السلوكيات والتعامل مع الاجساد و ربما تكون قصيدة محمود درويش هي من اوصلتنا له بعنوان انتظرها"
"بكأس الشراب المرصَّع باللازوردِ
اُنتظرها
على بركة الماء حول المساء وزَهْر الكُولُونيا
أنتظرها
بصبر الحصان المُعَدّ لمُنْحَدرات الجبالِ
اُنتظرها
بذَوْقِ الأمير الرفيع البديع
اُنتظرها

انتظرها , بمعنى ان اندفاع الوحش اليبيدي نحو الضحية هو تصرف وحشي وهمجي ولا يمت لأصول التعامل مع الجسد. لابد ان يكون هناك قبول عاطفي على الأقل و الا اصبح الآمر برمته عبارة عن دعارة وتجارة جسدية لا غير .
تخيّل أن تكون انت بجسدك ومركزك الاجتماعي قد جئت نتيجة ثمرة دعارة اباحية , لا ثمرة حب راقي .
ان مسالة الرغبة والاثارة لا تأت بالهيجان والاندفاع الوحشي بل بالرقي والتعامل
(بذوق الأمير الرفيع البديع انتظرها )
ربما ما جعلني اكتب هذا المقال المتأخر هو استجابة رئيس باكستان "عارف علوي" لمطالبات شعبية بمعاقبة مرتكبي جرائم الاغتصاب الجنسي البشعة وذلك عبر إقرار قانون "الإخصاء الكيميائي".
فهل سيكون هذا رادعا لتلك الفئة الهمجية ! وهل سيخفف هذا القرار من قضايا الاغتصاب !
ولكن يبقى نصل لالغاء تلك الهمجية و ان يتعلم الرجال ان الجسد المقابل لك هو ليس ملكك وهو ليس الة لتفريغ هيّجانك الوحشي , وان الجسد الذي امامك هو جسد له كينونته وانفراده وهو يحتاج للّطف والتدليل ولحاسة اللمس الرفيعة ’وليس للانبطاح الاعمى المجنون والوحشية الجسدية.
وان الرقي في الدول يقاس باحترام الرجل لجسد الامرأة ,فلا يقربه حتى لو كان متاحا بدون موافقة صاحبه الا اذا كانت هناك رغبة مماثلة من الطرف الآخر و طبعا ضمن ظروف الوعي والسن القانونية واحكام العرف والدين .
ان مطلب تعليم الثقافة الجسدية واحترام الجسد اصبحت اكثر الامور حسما في ايامنا هذه حيث تكثر افلام البورنو المنتشرة على شبكة الانترنت بدون رقيب او حسيب ,وبالتالي يجب التصدي لمعالجتها ليس بالحد من انتشارها لأن هذا ما لا يمكن حصره بل بتعليم ثقافة احترام اجساد الاخرين وانها ليست املاكا مشاعة يتم التعدي عليها أو حتى اطالة النظر اليها بكل سافر ووقح وتحدي للذائقة الانسانية المتحضرة .