العنف ضد النساء في فلسطين



فدوى البرغوثي
2021 / 11 / 26

على الرغم مما حققته النساء في العالم خلال العقود القليلة الماضية من حقوق ومكتسبات تصونها الدساتير والمعاهدات الدولية والقوانين، وبالرغم من الدور السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والعلمي الذي تلعبه النساء في مختلف الدول والمجتمعات، فإن النساء في العالم ما زلن يتعرضن للعنف الجسدي واللفظي والمعنوي والاعتداءات والاغتصاب والتحرش والمضايقات بما في ذلك جرائم القتل التي تستهدفهن حتى في الدول والمجتمعات التي قطعت شوطاً طويلاً على طريق المساواة الكاملة، هذا عوضاً عن حقيقة أن معظم ضحايا الحروب والصراعات والنزاعات الأهلية هم من النساء والأطفال كما هو الحال في العديد من الأقطار العربية في العقد الأخير، فملايين النساء تعرضنّ للتهجير واللجوء القسري والقتل والاغتصاب والاعاقات. هذه الصراعات يصنعها ويقررها ويخوض غمارها الرجال وليس النساء.
رغم ذلك، يشهد العالم تكثيفاً للجهود في العقود الأخيرة، وخاصة في نضال الحركات النسوية، من أجل إنصافهن وتحقيق المساواة وحمايتهن وإنهاء مختلف أشكال العنف والتمييز والإذلال ضدهن.
وإذا ما تناولنا وضع المرأة العربية على الرغم من المكتسبات التي حققتها في العقود الأخيرة بفضل نضالها وتضحياتها، فإن معاناتها ما زالت كبيرة وشديدة سواء بكونها ضحية الحروب الاستعمارية أو الحروب الأهلية أو بسبب إنتشار الفقر والجوع والأمية والاستبداد والبطالة وتخلف القوانين والعادات والخطاب الديني التقليدي.
إن المرأة الفلسطينية والتي تتشارك مع الكثير من نساء العالم الهموم والمعاناة، ومع مثيلاتها في العالم العربي، لها خصوصية بسبب ان الفلسطينين لديهم معاناة مضاعفة وهي تتضاعف أكثر في حالة النساء بسبب الاستعمار والعدوان والقتل والاعتقال، خاصة وأن المراة الفلسطينية انخرطت منذ اللحظة الأولى في مسيرة التحرر الوطني ولا زالت، كما أن نضال الحركة النسوية الفلسطينية حقق نتائج ومكتسبات، لكن ما زالت المرأة تعيش معاناة كبيرة وانتهاكا لحقوقها مقارنة بالعديد من الأقطار العربية، كما أنها في مكانة متدنية بالمقارنة مع المرأة في الدول والمجتمعات الحديثة، فتمثيل المرأة السياسي في فلسطين هو الأدنى عربياً، وهو من الأسوأ عالمياً، كما أنّ نسبة المرأة الفلسطينية في سوق العمل هو الأدنى عربياً ويشكل النسبة الأعلى من البطالة في سوق العمل و لا يزيد عن 19%، بينما نسبة المرأة العاملة في العالم تزيد عن 70%.
أما التشريعات والقوانين فهي متخلفة ومتعفنة في كثير من جوانبها، وما زالت تفتقد فلسطين إلى قوانين الأحوال الشخصية المدنية والعصرية التي توفر الحد الأدنى من الحقوق للنساء، وبالرغم من الجهد المبذول من قبل الحركات النسوية واتحاد المرأة ومراكز الإرشاد ووزارة شؤون المرأة وطاقم شؤون المرأة ومختلف الأطر والمنظمات النسائية ومؤسسات المجتمع المدني والأهلي فإن ظاهرة العنف لا تزال مغلقة في المجتمع الفلسطيني، وبخاصة حالة العنف داخل الأسرة، التي لا يعرف أحد عنها، وتقاعس الجهات ذات العلاقة في معالجتها والتحقيق فيها بادعاء أن هذا سيؤدي إلى مزيد من المشاكل الاجتماعية، وكذلك خشية النساء المتزوجات من تداعيات تقديم الشكاوى للشرطة مما يضطرهنّ للسكوت عن الجرائم المرتكبة بحقهنّ، بل أن الأخطر من كل ذلك هو استمرار جرائم قتل النساء بمعدلات مرتفعة ومقلقة جداً وغياب أدوات الردع الحقيقية، كما أن الظاهرة الأكثر انتشاراً والتي يجب أن تقلق مجتمعنا والنظام السياسي الفلسطيني هي ظاهرة انتشار العنف الجسدي واللفظي والتحرش والاغتصاب وغير ذلك من العنف المسكوت عنه والذي لا تنشر عنه وسائل الإعلام أي شيء عنه ولا يصل إلى المحاكم، وإن وصلت مثل تلك القضايا فالمعالجة عاجزة في أغلب الأحيان بسبب القوانين والتشريعات وضعف القضاء وبسبب العادات والتقاليد البالية التي تتستر على الجرائم التي تقع داخل الأسرة، وكذلك فإن الخطاب الديني التقليدي يلعب دوراً أساسياً وسلبياً في التغطية على الجرائم ولا يسهم في مواجهة ومحاربة ظاهرة العنف بل ربما يشجعها، خاصة أنّ بعض الخطباء يعتبر ذلك حقّاً من حقوق الزوج أو الأب و جزء من (التربية) التي يمارسها الذكور في الأسرة.
إن كسر الصمت ضد هذه الممارسات الجسدية واللفظية والتحرش الجسدي والاعتداءات داخل الأسرة يتطلب إرادة سياسية فلسطينية وعلى أعلى المستويات، وخطاباً واضحاً رافضاً ومُديناً لكل أشكال العنف والقهر والإذلال، وترجمة ذلك في رزمة من القوانين والتشريعات التي تنهي المنظومة المتخلفة بحق النساء، ورؤية إعلامية رسمية وشعبية وأهلية تعّلي من كرامة وحرية المرأة وصيانة حقوقها وتفضح بالصوت والإسم مرتكبي العنف ضد المرأة داخل الأسرة، ومتابعة محاكمتهم أمام القضاء وإجراءات التحقيق في هذه الجرائم ومتابعة النتائج، وعلى الإعلام ألا يدير ظهره لهذه الظاهرة الخطيرة، كما أن الحكومة مطالبة بتفعيل دورها لمحاربة هذه الظاهرة والتعاون بين كل المؤسسات ذات العلاقة وفي مقدمتها الشرطة، وعلى الحكومة دعم ومساندة المؤسسات والمراكز والهيئات والمنظمات النسوية والاجتماعية التي تقدم المشورة والنصح والخدمات القانونية، مع أهمية إصدار أحكام قضائية شديدة وغرامات باهضة ضد مرتكبي هذه الجرائم، ورفض تسوية هذه الجرائم على قاعدة "الحل العشائري" الذي يأتي غالباً على حساب المرأة وكرامتها وحقوقها، والمطلوب مزيد من الآليات والطرق والمراكز لتوفير مزيد من الحماية المناسبة للنساء وتشجيعهن على التوجه للقضاء ومراكز الشرطة وكسر حالة الصمت والخوف.
المؤسف أن الفصائل والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني لا تقوم بدورها المطلوب لنشر خطاب تنويري عصري حقوقي وثقافة تحترم حقوق المرأة ومساواتها مع الرجل في كافة المجالات، وتكتفي هذه الجهات بترديد شعارات لا رصيد لها في الواقع، والحقيقة أن فاقد الشيء لا يعطيه، حتى أن الغالبية الساحقة من قادة وقيادات الفصائل والسلطة والمنظمة لا يقدمون النموذج والقدوة الشخصية في الممارسة وتمثيل النساء السياسي في مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني ومكوناته هو تمثيل رمزي وشكلي ومحدود وعديم الجدوى والفعالية، ونلاحظ أن الأبواب موصدة أمامهن خاصة في ظل تعطيل الحياة الديمقراطية وتآكل وعجز النظام السياسي الفلسطيني وشيخوخته العقلية والزمنية.
مواجهة العنف ضد النساء يشكل مسؤولية جماعية للنظام السياسي الفلسطيني وكل فصائله وأحزابه ومستوياته ومؤسسات المجتمع المدني والأهلي، إضافة إلى الحركة النسوية المطالبة كذلك بمضاعفة جهودها لاجتثاث هذه الظاهرة الخطيرة والمنتشرة على نطاق واسع، وضرورة توسيع الجهد والعمل ليصل إلى الأرياف والقرى والمدن والمجتمعات، وفي هذا الإطار فإن وزارة التربية، إلى جانب الوزارات المختلفة، عليها أن تلعب دوراً هاماً لما لها من تأثير في المجتمع والإسهام في ترسيخ ثقافة احترام المرأة ومساواتها ونبذ كل أشكال العنف ضدها، وتضمين ذلك في المناهج الدراسية والنشاطات المختلفة وتشجيع التلاميذ والطلبة على تقديم الشكاوي والإسهام في فضح هذه الممارسات الخطيرة، وبنفس الدرجة تستطيع وسائل الإعلام ومن واجبها مضاعفة الجهد والانخراط في مواجهة العنف ضد النساء، وقد حان الوقت لأن يقوم الإعلام الرسمي والخاص بفضح هذه الممارسات بالصورة والإسم، ونشر ثقافة احترام المرأة وصيانة حقوقها وكرامتها.