تحديات نساء (أم صيحون) العاملات في القطاع السياحي داخل مدينة (بترا) الاثرية



صالح أبو طويلة
2021 / 1 / 9

تتناول هذه الدراسة تجارب نساء (البدول) (The bedoul) في منطقة ("أم صيحون" بلواء البترا (petra) جنوب الأردن ) في القطاع السياحي، والتحديات التي يواجهنها في سبيل الوصول إلى الفرص والموارد المتاحة، وسعيهن لتحقيق التمكين الاقتصادي والاجتماعي. توصلت نتائج الدراسة إلى أبرز التحديات وهي؛ عدم القدرة على الانخراط في الاقتصاد المنظم، التمييز العنصري، موسمية السياحة، ضعف البنية التحتية، ضعف القدرات المهارية والمعرفية، كما كشفت أبرز الفرص وهي؛ التمكين السياسي، تطوير المنتج السياحي، تأسيس الشراكات المحلية.
يتطلب السياق البحثي تقديم ملاحظات حول معضلة التنمية القائمة في منطقة أم صيحون؛- والتي تسكنها قبيلة "البدول" البدوية وهم السكان الاصليون للموقع الاثري في البترا- ؛ إذ ترتبط أم صيحون بإشكاليات معقدة؛ بسبب الظروف التاريخية والاجتماعية والثقافية التي طالتها منذ ثلاثة عقود. تم إنشاء أم صيحون في عام 1985 كمستوطنة خصصت لاستيعاب قبيلة البدول البدوية التي تم ترحيلها من الموقع الأثري في البترا مع مطلع الثمانينات من القرن العشرين؛ جاء ذلك في سياق إدراج البترا على لائحة التراث العالمي من قبل اليونسكو عام 1985؛ ما تطلب تفريغ الموقع الأثري من سكانه الاصليين، واستبعاد مختلف الأنشطة الزراعية والرعوية حفاظا على سلامة الموقع . وتمنع القوانين الناظمة للحياة في أم صيحون؛ التوسع العمراني الأفقي والعامودي والاستثمار السياحي؛ وذلك لتخفيف تأثير التلوث البصري على الموقع الأثري، و نتيجة لتلك التقييدات؛ تعاني أم صيحون من ضعف كبير في الخدمات العامة والبنية التحتية؛ من تعليم وصحة وطرق وسكن ومياه وكهرباء. ولكون أم صيحون تقع على النطاق العازل للمحمية الأثرية؛ فإن ذلك يحد بشكل كبير من النشاط التنموي والتطور الاجتماعي، كما يسهم موقعها الجغرافي على حدود المحمية الأثرية؛ في العزلة الاجتماعية والثقافية لسكانها، وضعف الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية.
ونتاجا لهذا الواقع؛ تعيش نساء أم صيحون حالة من الهشاشة والتمييز والحرمان والفقر، وتسهم منظومة الهيمنة الاجتماعية والسياسية السائدة في تعزيز هذا التهميش. إن ظروف الإقصاء والتهميش؛ تعكس حجم العبء الذي تضطلع بها فئات النساء، إذ توجه نساء أم صيحون اهتمامهن بالدرجة الأولى لتحقيق الحاجات العملية الرئيسة لمواصلة العيش، فيما تهمل الحاجات الاستراتيجية؛ و التي من المفترض أن تعمل على تفكيك منظومة الهيمنة والتهميش. إن فئة النساء لا تشكل فئة منفصلة في المجتمع، ولا فئة متجانسة، فهي تعاني من الإجحاف، وهي تفتقر إلى القدرة على الحصول على الحقوق والموارد، مما يجعلها أكثر عرضة للإقصاء (عوض،2012: 52).
إن الظروف المعيشية لسكان أم صيحون؛ تدفع النساء إلى البحث عن مصادر رزق من أجل توفير لقمة العيش، وبما أن الواقع الاقتصادي لأم صيحون ولقبيلة البدول خاصة؛ مرتبط بالسياحة بشكل رئيس دون غيره؛ فإن النساء يتوجهن للعمل في القطاع السياحي في البترا وخصوصا الموقع الأثري. تمارس نساء البدول أنشطة اقتصادية سياحية متعددة داخل أم صيحون وداخل المحمية الأثرية، وضمن نمط الاقتصاد غير المنظم؛ مثل بيع الهدايا التذكارية والتحف، والمنتجات السياحية التقليدية، وتقديم الضيافة البدوية، وتطالب النساء بمزيد من الفرص السياحية في مجالات عديدة.
تتميز أدوار نساء البدول في أم صيحون بكونها تشاركية تعاونية مع الرجال في المجال الاقتصادي وضمن إطار قبيلة البدول فقط، كما تستقل غالبية النساء بأنشطتهن الاقتصادية بدون تبعية للرجال، ولذلك تؤسس النساء مشاريعهن المختلفة باستقلالية تامة أو بمشاركة الرجال، وتعزز الاستقلالية الاقتصادية من أدوار ومكانة النساء بأم صيحون، و يتوفر الرجال على فرص اقتصادية أكثر تنوعا من النساء، فيما تكون خيارات النساء في العمل محدودة. إن غالبية دخل أم صيحون يأتي من تأجير الحمير والجمال، ولكن القدرة المحلية على كسب العيش من السياحة بشكل غير رسمي تصل إلى درجة التشبع. يحلل دوركهايم Durkheim)) التحولات التي تطرأ على البنيات الاجتماعية بعد الانتقال من المجتمعات البسيطة إلى المجتمعات المتطورة، حيث تكون العلاقات في الأولى آلية فيما تتحول إلى تضامنية تتمايز فيها الأدوار بعد أن يتم تقسيم العمل (الإدريسي،2010)، وكان ذلك نتيجة التغير الاجتماعي الذي طال قبيلة البدول عقب الترحيل والتوطين والاندماج في القطاع السياحي، والتخلي عن نمط الاقتصاد الرعوي البدائي، والتوجه نحو الاقتصاد التجاري والخدمي، حيث حصلت تحولات جذرية في البناء الاجتماعي العام لقبيلة البدول والأنساق الفرعية المنبثقة عنه.
رابط الدراسة : https://ajsrp.com/journal/index.php/jhss/article/view/3066