التمكين الاقتصادي للنساء: بين الواقع والمتحول



إيمان لعوينا
2021 / 1 / 27

يعتبر التمكين الاقتصادي للمرأة إحدى الركائز الأساسية التي تعمل عليها هيئة الأمم المتحدة لصالح النساء ،من أجل توسيع الفرص الاقتصادية أمامهن لضمان ولوج عادل للعمل والتنمية المستدامة الشاملة ، في إطار النهوض بالمساواة في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والسياسية والثقافية بين الرجال والنساء لأفق 2030 .
وتسترشد المنظومة الأممية في هذا الشأن بمجموعة من المعايير الدولية والأطر المعيارية بما في ذلك اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة ، ،وإعلان منهاج بكين سنة 1995 ، والنتائج ذات الصلة للجنة وضع المرأة CSW لاسيما القرار 54/14 بشأن التمكين الاقتصادي للمرأة لعام 2010 ، والاتفاقيات بشأن المساواة بين الجنسين لمنظمة العمل الدولية .
وتشير جميع الأدلة الصادرة عن تقارير أممية للهيئات السالفة الذكر ،أن المساواة بين الجنسين في الحقوق الاقتصادية يساهم بشكل كبير في النهوض باقتصاديات المجتمعات وتحقيق حياة أفضل للنساء والرجال والأسر ، وعليه فإنه وجب على كل ذي مصلحة من حكومات وقطاع خاص ومجتمع مدني وأوساط أكاديمية ،العمل جنبا إلى جنب لتحقيق تمكين اقتصادي للنساء، بتيسير وصولهن إلى الموارد والتحكم فيها ، وخلق الثروة ومشاركتها، مما يسهم في زيادة الأمن بما في ذلك الحماية من العنف .
والأكيد أن ذلك يأتي وفق ما تنص عليه خطة التنمية المستدامة ل 2030 ذات 17 هدف ،على وجه التحديد الهدف الخامس الذي ينص على أحقية النساء في الوصول إلى الملكية والخدمات المالية والميراث ، والموارد الطبيعية ، وتوفير العمل اللائق .. لذلك جاءت أهم التوصيات الأممية للدول التي تعرف بطئا على مستوى مؤشرات المساواة كما يلي : • تعزيز السياسات العامة القائمة على الأدلة المراعية للنوع الاجتماعي.
• تعزيز قدرات المجتمع المدني للدخول في حوار مع الحكومات بشأن القوانين ذات الصلة بالنوع الاجتماعي.
• تعزيز قدرات المؤسسات الوطنية لتوفير خدمات مراعية للنوع الاجتماعي يتعلق بالتمكين الاقتصادي.
• تعزيز فرص العمل اللائق للنساء من خلال معالجة الأسباب الهيكلية لعدم المساواة.
• تعزيز روح ريادة الأعمال لدى النساء وتخفيف الحواجز البنيوية لتهيئة بنيات حاضنة لهن على مستوى خلق وقيادة المقاولة.
• التركيز على النساء في النقاش حول الهجرة للمساهمة في تعزيز الفرص المتكافئة والمأمونة بين الجنسين.
• تعزيز الشراكة بين الحكومات والقطاع الخاص لتحسين وضع المرأة في الاقتصاد .
• تحدي مختلف الصور النمطية بين الجنسين وزيادة الوعي المجتمعي ،للتصدي للتمييز القائم على النوع على مستوى الفرد والأسرة لا سيما داخل المجتمعات القروية.
وفي إطار حاكمية هذه الدينامية الدولية الهامة ،انخرط المغرب في ورش النهوض بالمساواة بين الجنسين ،لاسيما ما يتعلق بالاندماج في التنمية ، والتنمية المستدامة، فعملت الحكومة مؤخرا على إطلاق البرنامج الوطني المندمج للتمكين الاقتصادي للنساء في أفق 2030 يهدف إلى توفير بيئة ملائمة لتمكين المرأة المغربية اقتصاديا للرفع من تواجدها في سوق الشغل إلى نسبة 30% بحلول 2030 .
إلا أن الأرقام التي كشفت عنها المندوبية السامية للتخطيط بمناسبة اليوم الوطني للمرأة في العاشر من أكتوبر 2020 ، تبرز أن نسب تواجد المرأة في سوق الشغل لا ترقى إلى تحقيق المساواة في الحقوق الاقتصادية ،فرغم أن أزيد من نصف ساكنة المغرب هن نساء بمعدل 50.3% أي حوالي 18 مليون نسمة، و ما يقارب 13.6 مليون هن في سن النشاط أي أكثر من 15 سنة، إلا أن النساء خارج سوق الشغل يصل عددهن 10.7 مليون امرأة، والنشيطات منهن يشكلن نسبة 20.8% بينما تصل نسبة الرجال النشيطين 69.7% .
من هنا تجدر الإشارة أن الاستراتيجية الحكومية المتعلقة بالتمكين الاقتصادي للنساء لكي تحقق نجاعة في التنزيل وبلوغ الأهداف فهي مرتبطة بتقييم الاستراتيجية الوطنية للتشغيل 2015 / 2030 ،لتشخيص مجمل العوائق التي تحول دون ولوج المرأة لسوق الشغل ،بما في ذلك العدالة الأجرية التي تنعكس آيجابا على ظروف الاستقرار المادي والنفسي للنساء والأسر.
عدا عن توفير البيئات الحاضنة للنهوض بالمقاولة النسائية من حيث توفير الدعم المالي والتقني، والمواكبة، لتشجيع النساء على ولوج عالم الاستثمار وريادة الأعمال.
أما النساء أكثر احتياجا واللائي يعانين من ظروف الفقر والهشاشة ، فعادة ما يجدن في القطاع الغير مهيكل مصدرا لكسب مورد مالي يومي غير مستقر ، فتعزيز تمكينهن اقتصاديا سيكون عبر دعم كل أشكال الاقتصاد التضامني والاجتماعي من تعاونيات وجمعيات إنتاجية أو خدماتية، من خلال تشجيع سلاسل الأنشطة المنتجة للقيمة الربحية في سياق تثمين المنتوجات المحلية ، لاسيما مع ارتفاع نسبة النساء المعيلات للأسر داخل المجتمع بالمغرب ، ولعل المبادرة الوطنيةللتنميةالبشرية عملت على تقييم مساراتها في هذا الاتجاه، لاسيما في برامج الجيل الثالث 2019/ 2023.
ليبقى السؤال الراهن هو : في ظل كل هذه المتغيرات السوسيو اقتصادية التي كانت وتعززت بعد الجائحة ،هل التمكين الاقتصادي للنساء بأبعاده الإنتاجية المستدامة هو ضرورة ملحة أم لا ؟