وراء كل امرأة عظيمة نفسها ثم نفسها ثم نفسها



روزا سيناترا
2021 / 2 / 5

تخشى المجتمعات الشرقية من المرأة الحرّة القوية الجميلة والمثقفة لأنها تريدها نسخة طبق الأصل عن جدتها وجدة جدتها اللاتي عشنَ في عصورٍ مختلفة وظروف مختلفة، فمعظم الذكور يريدون أن يربطوا وجودها بشيء ما يعود بالفائدة عليهم أولاً مثل المطبخ والسرير وتربية الأطفال وهذا بحد ذاته أنانية قصوى.
نعم أن تكون المرأة أماً صالحة لأطفالٍ رائعين شيء جميل بل ومقدس أيضاً وأن تتقن الطهي فهذا بحد ذاته فن لكن ان يرهن الذكر المرأة بالصورة النمطية المقدسة للشرف المقنع والعفة المفتعلة بين السرير والمطبخ وتربية الأطفال حماقة ما بعدها حماقة.
سيتبجح البعض ويرفع حاجبه الأيسر زاعماً بـأنه يمنحها حرية العمل أو التسوق والخروج من المنزل وردّي البسيط لهؤلاء انهم انانيين لدرجة أنهم نسوا ان الحرية حق لكل انسان وبالتالي انت كذكر ان كنتَ حبيباً او خطيباً او حتى زوجاً فهذا لا يؤهلك لأي مرتبةٍ عظيمة كي تمنح او تحجب لأن حرية العمل والتنقل واللباس والتفكر والتعبير عن الرأي والحياة هي حقوق طبيعية لكل انسان ان كان ذكراً ام انثى فبالتالي انت لست مخولاً كي تكون مديراً لهذه الصلاحيات ولكن مشكلة مجتمعاتنا الشرقية هي الترنح بين الماضي والحاضر، من ناحية يريدون المرأة (طباخة وشغالة مجاناً) نسبة للصورة النمطية عندما كان المعظم يعيشون حياة الحقول والحصاد ومن ناحية اخرى وبينما يتقدم بنا العصر نحو "تكنلجة كل شيء" بدأ الذكر يخاف من قدرة معظم النساء على إدارة حياتهن بالكامل في ظل وجوده أو عدمه !
وهذا يتجلى بعدة مشاكل بدأت تظهر بين الأزواج كمحاولة فرض السيطرة على الأنثى، على علاقاتها، على وقتها، على فكرها، على لباسها وحتى على هاتفها و"باسووردات" منصات تواصلها الإجتماعي التي باتت من أكثر وسائل التعبير عن الرأي والذات والمشاعر قوةً في عصرنا وربما لهذا ايضاً صار واضحاً جداً كمية القذارة والتخلف والأمراض النفسية التي نسمع بسببها كل يوم عن امرأة تتعرض للعنف والإضطهاد حتى في بيتها الذي من المفروض ان يكون أكثر الأماكن التي يحس فيها المرء بالأمان وكل هذا باسم الغيرة والحب المزيف، الحب الذي لا علاقة له ابداً بكل هذه الوحشية والقذارة وبريء مَن ذاك الذي يستخدم اسمه كي يظلم انسانة اختارت العيش معه وليتها لم تفعل !
سؤالي لهؤلاء : إذا كنت تكبت حرية المرأة لأنك تخشى ان تتركك اذا ما قابلت رجلاً أفضل منك فهذا يعني أنك غير واثق من نفسك او شريكتك او الإثنان معاً متناسياً اصلاً انها اختارتك من بين مليارات البشر منذ البدء فلمَ ستبحث عن غيرك اصلاً ؟
آخر ما قرأتُه مؤخراً كان شهادة موثقة من إحدى نساء بيت جالا الفلسطينية "ميرال عساف" والتي عانت مراراً من العنف ودخلت المستشفى وضربها زوجها اكثر من مرة حتى وهي حامل والتي تقول في شهادتها انها مصدومة لأن زوجها طبيب فإذا كان "المتعلمون" يتصرفون بهذه الوحشية ماذا تركوا للذين لم يدخلوا الأكاديميات ظناً منها ان كل متعلم هو بالضرورة مثقف و"فهمان" مع العلم ان هذا ليس مقياساً ابداً لا للتحضر ولا للرقي فهنالك من يعيشون بيننا ولم يدخلوا الجامعات ولكنهم أرقى وأكثر انسانية وحباً واحتراماً لأن الإنسانية والعاطفة لا تقاسان ابداً بالدورات ولا بالعلامات ولا "بشقفة ورقة"مختومة من مؤسسات همّها الأساسي اصلاً الربح .
طبعاً لا أعمّم فهنالك من المتعلمين من هم رائعين ايضاً لكن للأسف ستظل الغالبية في مجتمعاتنا الشرقية تفضل الكذب والنفاق على النقاء والحب الحقيقي وسيفضلونها محجّبة "حتى لو مارست الجنس مع 10 من قبله وحرصت على عدم فقدانها عذريتها" وسيظلون هكذا مساكين يقيمون العلاقات مع امرأة تحبهم ثم يتزوجون غيرها التي على الغالب كانت بعلاقة مع غيرهم وهذا حقها لأنها إنسان من لحم ودم ومشاعر وحرية الحب ليست حكراً على جندر بعينه.
سيظلون يمارسون العنف والإرهاب وتشويه السمعة ضد كل امرأة حرة لأنهم يعرفون جيداً أنها امرأة راقية وعظيمة الشأن وتعرف ما الذي تريده بالضبط وتتمسك بالرجل الحقيقي الذي تتعامل معه كملك الملوك الذي لا من قبله ولا بعده وبما ان معظم الرجال الشرقيين الحقيقيين نادري الوجود او ان معظمهم مات في الحرب ستجد ان هذه المرأة قد وجدت جنتها مع أجنبي يحبها وتحبه دون تعقيدات لأن الحياة صار فيها ما يكفي من السواد والنكد ولم تعد تحتمل مزيداً من الوجع وبينما نبحث عن بصيص نور بين كل هذه الظلمات ستظل هذه المجتمعات تتهم النساء حاملات الشعلة بالكفر والعهر فهم يريدون الحرة عشيقة والخاضعة الخانعة زوجة ومربية لكي تطيب لهم الصولات والجولات باسم الشرع الذي يحلل لهم أربع نساء ،وانكحوا ما طاب لكم من النساء وخذوا من ملكات اليمين ما شئتم غافلين عن ان المرأة الجميلة الحقيقية قلباً وروحاً وشكلاً وثقافة قد استغنت عن وجودهم في حياتها وبهذا هم الخاسرون.
أتمنى النجاح لكل امرأة فخلف كل امرأة عظيمة نفسها ثم نفسها ثم نفسها .