المرأة وانواع الشرف في النظامين الاجتماعي والسياسي



ياسمين جواد الطريحي
2021 / 2 / 10

يأن المجتمع العراقي بكل فئاته وعلى جميع المستويات من مشاكل اجتماعية لاتعد ولا تحصى وبشكل متزايد وذلك من خلال سلسة الجرائم البشعة التى يشهدها وبشكل يومي وفي جميع المحافظات. يصاحبها نقص او غياب الدراسات الاجتماعية العلمية التى تساعد على التقليل منها او القضاء على اثارها الأنسانية او على الاقل تحليلها او فهمها . وأن وجدت الدراسات لهذه الظاهرة ستبقى محصورة في اطار ضيق من الأفكار والنظريات المستوردة وذلك لغياب تام لنطاق ديمقراطي حقيقي وحر واستقرار سيادي امني فعلي ومساحة واسعة من الحرية الفكرية العلمية وحرية التعبير عنها.

تحصل هذه الجرائم غالبا ضد المرأة وعلى سبيل المثال منها الاغتصاب وبالاخص الفتيات الصغيرات وقتلهن وكذلك انتحار الفتيات من الشابات مع الانتهاكات اللفظية والجنسية وتسقيط الجنس الانثوي في الكثير من برامج التلفزة والمذياع وفي الخطابات الدينية وحتى في الاقوال والامثال الشعبية السلبية التى يضحك عليه على سبيل الفكاهة . ولاينجو من هذه الجرائم لا المتزوجات ولا الاخوات ولا الامهات. كلهم في نظر المجتمع انها فقط ” أنثى“ بمعنى ” لاوجود لها كأنسانة“.

أن زيادة عدد هذه الجرائم خلال السنوات الماضية وتحت مظلة نظام سياسي من حيث تقييمه على ضؤ القوانين الشرعية والمذهبية على أنه مجتمع محافظ ويحافظ على مواطنيه (اناث وذكور) حسب القواعد الدينية الشرعية وأنه نظام شبيه بالانظمة الثيوقراطية ( كايران والمملكة السعودية والفاتيكان) اي انها حكومة سياسية (تحمل هوية مدنية ) لكن بلباس وقوانين تستمدها من المراجع الدينية والمذهبية لحماية كما يذكر ”المرأة والمجتمع“. نرى ومع كل التحفظات الدينية من حرام وحلال كما يرغب النظام الديني ان يسميه ان المجتمع ينحدر الى الهاوية من التدني الاخلاقي والعنصري ضد المرأة . وقوانينه تشرع فقط للحد والحط من انسانية المرأة والتى هي المربية بالدرجة الاولى للاجيال القادمة ويقيد من حركتها ويلغي حقوقها الشرعية والمدنية بسن قوانين لاتمت الى الانسانية بشكل وكمواطنة مساوية للرجل في الحقوق والواجبات من اجل ان يتمتع المجتمع بأمان ”ويحميه من اغراء ” الانثى ” و خوفا على ”الاخلاق العامة“ .

علما أن نظاما سياسيا محافظا ودينيا ومذهبيا كهذا الذي فيه الخطب الدينية والفتاوي والطقوس المذهبية اهم من البنية العقلية والتحتية وأن يكون من اكثر الدول التى تحافظ على امن وحياة مواطنيه وخاصة المرأة التى كرمها الله عزوجل كرسالة في كل الاديان السماوية المعروفة تاريخيا. نرى أن الانحطاط الاخلاقي واللفظي يزداد ضد المرأة ! أين يكمن الخطأ ؟

من قراءاتنا لهذه النوعية من الجرائم ايضا لا نرى ان هناك ارادة جدية من قبل الاعلام او المسؤولين لادانتها وبشكل حازم وكأن الجريمة البشعة ضد طفلة او طفل او امراءة لاتنتمي الى فصيلة البشر. وغياب اي ارادة منهجية حازمة ضد هذه الجرائم أو على الاقل تهيئة الراي العام او الراي الدولي ومعاقبة المجرمين . نعم هناك اصوات هنا وهناك من منظمات المجتمع المدني التى قدمت احتجاجات ومذكرات للقبض على الجاني وان مثل هذه الجرائم تكتب بشكل خجول في الصحف المحلية وتمر مرور الكرام. وغياب النائبات البرلمانيات بأثارة مثل هذه الجرائم وسن قوانين لحماية المرأة تراها منشغلة لحماية ذاتها واطاعة حزبها.

بالاضافة الى هذا التجاهل ، نرى ان المجتمع لايعير اهمية كبرى لمثل هذه الجرائم لاسباب تتعلق بمشاغله اليومية أو انه لا يشعر بالمسؤولية مباشرة وان الجريمة بعيده عنه ولاتمسه لا من قريب ولا من بعيد وسببه غياب الشعور بالمواطنة الحقيقة والانتماء الى الوطن. واذا كانت تلك الضحية قريبة له او يعرفها ربما يشعر بالخجل خوفا من ”العار“ تشبثا بالعقلية القبلية التى يمتاز بها العقل العراقي اكثر من اي مجتمع عربي اخر. فالضحية اي المرأة تعاني بين فكين وهو المجتمع الذي يحكم عليها لقلة الشعور بالمواطنة وفك العقل القبلي الذي يدينها ويتهمها لخرق ”شرفه او شرف اسرته او قبيلته“!
هذه المقدمة تقودنا الى ان المجتمع العراقي ومنذ عقود يعاني من اوبئة اجتماعية مرضية مستعصية لها جذورها العميقة في تاريخ العلاقة الاجتماعية بين الرجل والمرأة والاصلاح لايتم الا بتغيير العقلية السائدة وذلك من قبل اولا واخيرا النظام السياسي الحاكم ودستوره ويتبعها المختصيين وجيوش من علماء الاجتماع . لأن غياب الاستقرار والأمن السياسي والسيادي المعروف في المواثيق الدولية وغياب الامن الاقتصادي والوطني والصحي والتعليمي وغياب الديمقراطية بالمعنى الحديث من حرية فكر وامن وقانون مستقل وصارم يجعل اي عملية اصلاحية لاتعطي النتائج القابلة للتطور وتكون عديمة الجدوى . بل مايتسم به العراق االان هي حالة من الفوضى والفساد الاداري في كل تفاصيل الحياة ناهيك عن القانون والقضاء العادل ان وجد. اغلب هذه العوامل ساعدت على انتشار الجريمة وبالاخص ضد المرأة.

فا الخطأ ليس في تلك الظروف المذكورة اعلاه بل هناك ماهو اهم وهو أنه لم يحصل أي ظرف تاريخي سياسي واجتماعي على مدى العقود الماضية او قرونا ليفرض نموا عقليا ثقافيا خالي من التعصب القبلي. اغلب مامر به العراق منذ بداية القرن العشرين ولغاية اليوم لازالت السياسات الذكورية والتعليمية جارية ضد الجنس الاخر وهو المرأة . علما ان هناك جيوشا من الفتيات يدخلن الى المراحل التعليمية جميعها ويتخرجن بشهادات وحاصلات على وظائف مهمة ومتعددة لكن لازال العقل القبلي هو ذاته في جعل هذه المرأة غير آهله لتعتبر انسانة . وهي نفسها اي المرأة تصدق ذلك وتجاهد من اجله لطمس انسانيتها وتلعب دورا اساسيا في وأد انسانيتها ودفنها من اجل ان لايحكم عليها بالموت وهي حية من قبل المجتمع ونراها تتجه الى الدين والتحفظ لتحمي نفسها من الاذى من الاخر وهو الرجل كأن الدين والحفاظ على شرف المجتمع هو مسؤولية احادية ليس للرجل فيها ادنى اعتبار .فهي تخاف على نفسها من ذاتها ومن شريكها الرجل ومن المجتمع ومن القانون الذي يحمى الجاني ويترك الضحية لتحمي نفسها. الا اذا كان هناك حكم سياسي واعي لدور المرأة في المجتمع وانها مواطنة بالدرجة الاولى وتمنع كل الاساليب التى تحط من انسانيتها وكرامتها وكرامة المجتمع وبعقل عراقي يعى مدى اهمية التطور الاجتماعي وجعل مبدا مساواة حقوق المراة مع حقوق الرجل بقانون المساواة في المواطنة وبقوة القانون .

ان الاوبئة الاجتماعية من جهل وفقر وعدم استقرار ومع الحروب المتوالية بصفاتها المختلفة وانعكاس هذه الحروب على المواطن العراقي وبكل السلبيات ادت ايضا الى ان يفقد العراق افضل مواطنيه من اجل البحث عن الامان والاستقرار في انحاء العالم. هنا بالتحديد قد غاب العقل وحل محله مايسمى بشريعة الغاب الذي لايعرف انسان ولا حيوان بل تبعية عمياء لاشباع غرائز دفينة في حب المال واستعباد النساء . وغاب عن المجتمع العراقي عقلية البناء وبناء اجياله من اجل التطور واللحاق بالامم المتطورة . فاصبح مجتمعا ذي عقلية وثقافة لايحل نزاعاته الا باستخدام كل انواع الاسلحة المتاحة والمستوردة واشباع غرائزه الحيوانية من طعام وجنس ومعاداة المرأة بابشع صورها الحيوانية.

بالاضافة الى ذلك ظهور جماعات بمسميات دينية ومذهبية مختلفة وتفجيرات ارهابية وانتحارية لتحصد العامة من الفقراء وتترك الثكالى والارامل لتصبح هذه المرأة السلعة المتاحة لقمة سائغة لتباع وتشترى واستباحة دمها باسم الشرف والعار ، وبنفس الوقت هناك بيع وشراء في جسد المرأة وزواج القاصرات (ايضا نوع من الحفاظ على الشرف“ لرجال مسنين من اجل المال (اين الشرف) وتغتصب فتيات صغيرات ويقتلن بابشع مما يقتل الحيوان فريسته ، لانسمع من اي امراءة برلمانية نبرة احتجاج او تقديم قانون لمعاقبة المغتصب وارساله الى السجن. ماهو الشرف ؟ وهل للشرف مسميات مختلفة حسب تفسيرا المستفيد ام حسب تفسير الشريعة القبلية او التفسير الالهي ؟وهل الاغتصاب حلال واقل حراما من الزنى وزواج القاصرات او شراء فتيات صغيرات من مخيمات النازحين لبيعهن في سوق النخاسة ولامراء عرب؟
هل الشرف يقتصر على الزنى ؟ ام على من قام به فقط ومن اي طبقة ؟ هل الشرف مقسم بشكل طائفي او ديني ؟ ماهو الشرف في مفهوم النظام السياسي الثيوقراطي والا الجمهوري ؟ ان انتهاك الشرف اي كان هو تهديد وانتهاك للامن الوطني ؟ لأن المراة نصف المجتمع وعندها امانة تربية الاجيال .
الا تستطيع الدولة بكل مؤسساتها الواعية والغير واعية ان تخاف على امنها الوطني وتحمي شرف اجيالها من اي اعتداء مباشراو غير مباشر ؟ وكيف ستحافظ الدولة على امنها الوطني اذا كان اغتصاب الفتيات والفتيان وقتلهم وشراء وبيع النساء والقلصرات لايعنييها ولا يعني امن مواطنيها وشرف الدولة الوطني؟

آفة العنف والعنف المضاد اصبحت اسلوبا يوميا للتعايش مع ظروفه الاجتماعية وبشكل خاص ضد المرأة. ومايثير الغضب والاشمئزاز ان هذه الجرائم تحدث تحت مظلة نظام كثرت فيه جوامع ومساجد العبادة اكثر من اي فترة سياسية سابقة وقنوات دينية ومذهبية لايمكن احصاءها وخطابات وفتاوى دينية ومذهبية اكثر من تعداد سكان العراق وكلمة ” حرام“ و“ عقاب جهنم“ ” ومخافة الله ” تقال بين عبارة واخرى واصبح لها معاجم ومرادف… واغلب مايردد هو ” عقاب المرأة“ بمثابة انشودة في كل طبقات المجتمع.

من المؤسف أن المرأة في المجتمع العراقي تعتبر اقل من السلعة المباعة في سوق الملابس المستعملة , لازالت المرأة تعامل كشئ لاتستحق ان تعامل كانسانة ! وهذا مانشاهده ونتلمسه حتى في الاوساط الثقافية والعلمية وفي المجالس الاكاديمية والنقاشات الاجتماعية .

ان معيار المرأة الانسانة غائب تماما عن العقل العراقي ماعدا بعض الاستثناءات هنا وهناك. حتى وان وصلت الى مستوى سياسي او اقتصادي او مالي ستكون المعاملة على انها زوجة فلان او ام فلان وليس لذاتها الشخصية . لايمكن اي امراءة عراقية مهما تعددت ثقافاتها وتغيير نوعية ملابسها وتسريحة شعرها فهي لازالت في باطن العقل العراقي ان كان حاكما او قاضيا فهي مجرد ”امراءة ” يجب الحفاظ عليها والدفاع عن ”شرفها“ . اما اذا اغتصبت وقتلت فهي لاتستاهل الدفاع عنها فهي ”شئ“ مثل ”الشاة“ استباحة ذبحها والتمثيل بها . هذا الواقع العراقي الحديث يرجع بنا الى ماكانت عليه مجتمعات العصور المظلمة في اوربا حينما حكمت الكنيسة باحكامها الشرعية الثيوقراطية واستباحة قتل المرأة بمسميات مختلفة وعلى انها شريرة أو انها ساحرة لاتصلح لشئ الا اباحة جسدها بمسميات مختلفة واطارات دينية مختلفة وحلال استباحة دمها وبيع جسدها .

كيف نرى اصلاح هذا التخلف والازدواجية القائمة بين العقل والجسد في المجتمع العراقي للمرأة والرجل؟
نرى أن اصلاح هذه المنظومة من السلوكيات اللا اخلاقية والا مجتمعية والا دينية بداية من :-
1. تعريف ” الشرف ” بحد ذاته. اي ايجاد صيغة معينة له . هل هو فقط ضد المرأة وهي مواطنة مساوية في الدستور ؟ ام هو ضد المجتمع بكل فئاته؟ ام هو ضد فئة معينة من النساء ؟ ام سياسي حين تحتل دولة دولة اخرى، ولماذا؟
𔆒. ايجاد منظومة نسوية ذات ثقافة اجتماعية واعية تهتم بثقافة ووجودية المرأة في المجتمع والقيام بحملات اعلامية منهجية وكذلك :
3. قيام دورات ثقافية توعوية من نساء واعيات بوجودهن وحقوقهن في كل حي وقرية وقضاء ومدينة لتوعية جيل الامهات والابناء بضرورة ان عدم امان المرأة يعني عدم امان المجتمع وان اي انتهاك لجنس المرأة هو انتهاك للامن الوطني وامن الاجيال القادمة.
4 والتركيز على الغاء العنصرية ضد المرأة في كل المجالات وخاصة في التعليم والكتب التى يقرأها الطالب وتبدأ من الحضانة والابتدائية والثانوية والجامعة . ويجب ان ناخذ بتجارب من الدول الاخرى في كيفية التخلص من العقل الذكوري المقيت ضد المرأة لانها ” انثى“ وهي عقلية العصور الجاهلية الاولى وعقلية القرون الوسطى قرون الظلام في اوربا التى احتلت جيوشها العراق في القرن الواحد والعشرين باسم الدفاع عن حقوق الانسان….واولها حقوق المرأة ! ياله من تناقض !

التطور العقلي للانسان مهم في حياة تقدم الشعوب تحت اي ظرف وهناك الكثير من تجارب الدول التى دخلت حروبا طويلة ونزاعات ومأسي اقتصادية واجتماعية جمة لكنها خرجت منها وتطورت وهذا مايجب ان يتم في الوطن الذي اسمه العراق ” ببلاد النهرين وبلاد الحضارات العريقة“. وخاصة اذا قام نظام ديمقراطي حر لاتتحكم فيه العقلية الذكورية على حساب وأد الجنس الاخر عقليا وثقافيا وانسانيا.
السؤال الاخير كيف نريد بناء مجتمع متطور ولازال الرجل يفكر كيف يقيد المرأة ويقضي على وجودها كأنسانة؟