عنوسة المرأة وعنوسة الدولة العراقية



كافي علي
2021 / 2 / 19


في الثمانينات لم يكن موضوع العنوسة الذي تناولته كوميدياً الفنانة نيللي في فوازيرها “الخاطبة” يستقطب انتباه العراقيات مثلما فعلت أزياؤها وإكسسواراتها وخفة دمها المفرطة بالأنوثة والشغب. لم يكن المجتمع العراقي، رغم الحرب، يعاني من مشكلة العنوسة حتى أن معظم العوائل كانت تتردد في تزويج بناتها من رجل متزوج أو مطلق. كانت مكانة المرأة في المجتمع العراقي قائمة على القيم والمبادئ المدنية والتحررية التي ورثتها من سياسة وثقافة العقد الستيني والسبعيني.
الزوج والأطفال محور من محاور حياة المرأة وليس سبب كينونتها. لم يتخل حكم البعث عن ترسيخ تلك القيم والمبادئ باستثناء ما يتعلق منها بالانتماء الأيديولوجي الذي اقتصر على الانتماء للحزب الحاكم. منع زواج الرجل من امرأة أخرى إلا بموافقة الزوجة الأولى، وتخلي الزوج عن بيت الزوجية للأم والأطفال من القوانين التي دعم بها الرئيس العراقي الأسبق مكانة المرأة في المجتمع.
وبالفعل ظل المجتمع العراقي محافظا على خصائصه الاجتماعية والأسرية حتى منتصف التسعينات حيث بدأ الحصار يطبق الخناق على الحالة السياسية والاقتصادية في البلد. أنتجت هذه المرحلة ظاهرة لم تكن معروفة آنذاك أجبرت الشباب على التخلي عن أحلامهم الرومانسية بالزواج. صار الشاب يفضّل العزوبية بدافع السفر إلى الخارج خفافاً، والفتاة تفضل الزواج من رجل مغترب دون أي اعتبار لفارق السن أو حقيقة حالته المادية والأخلاقية، وبدل من أن يكون التوافق والوعي والحب سببا للزواج صار السفر والهروب هو الدافع الوحيد. لكن بمجرد أن تنتفي الغاية الأساسية من الزواج وتبدأ الفتاة بالتعرف على حقيقة الزوج الذي لم يسبق لها معرفته، تبدأ المشاكل التي انتهى الكثير منها بالطلاق أو جرائم غسل العار أو تعاسة أسرية دفع الأطفال ثمنها.
في عراق ما بعد الاحتلال الأميركي، رغم أن الأحزاب الدينية استباحت منظومة الأسرة العراقية بتعدد الزوجات وزواج المتعة وجهاد النكاح وزواج المسيار وزواج القاصرات وانحراف المجتمع من المدنية إلى القبلية وما يترتب عليها من عادات وتقاليد، صارت مشكلة العنوسة من أخطر الظواهر الاجتماعية التي تهدد الأسرة والمجتمع.
لقد انخفض معدل عمر العنوسة للفتاة من الثلاثين إلى العشرين. صارت الفتاة العراقية تواجه قلق العنوسة في نهاية العشرينات من عمرها بعد أن كانت تواجه هذه المشكلة في نهاية الثلاثينات. إن انتشار هذه الظاهرة جعل من تفريغ الرغبات الجسدية الغاية الأساسية من الزواج، وبالتالي العزوف عنه كان بالبدائل المؤقتة كزواج المتعة وزواج المسيار. مما تداولته الألسن قلب المرأة عباءتها أثناء الزيارات الدينية تعبيرا عن رغبتها في الزواج المؤقت، أما في المناطق السنية التي تسيطر عليها التنظيمات الإرهابية فإن عمر الحياة الزوجية لا يتعدى فترة دخول الجهادي إلى العراق وقيام صلاة الجنازة عليه قبل العملية الانتحارية.
كذلك تردي الحالة الأمنية للبلد وانتشار العنف وحالات الخطف والاغتصاب دفعت الطبقة المدنية إلى تقييد حرية الفتاة ومنعها من فرصة الاختلاط وتكوين علاقة عاطفية تنتهي بالزواج. كأن تكون الحالة المادية والدرجة الوظيفية من ضمن قائمة المؤهلات التي تستعرضها الفتاة لإغراء الرجل وتشجيعه لطرق باب أهلها.
ربما يعكس ذلك حجم المشكلة وخطر تعرضها إلى الوقوع في شباك عقلانية الرجل، خاصة إذا ما وضعنا بعين الاعتبار التنازلات التي اعتاد الشاب تقديمها لأهل الفتاة من أجل الاقتران بها. ولقصة الشاعر نزار قباني في بلد الألف ليلة وليلة ومعاناته لإقناع عائلة حبيبته بلقيس البغدادية بالقبول به كزوج لابنتهم، دلالة وبينة على حجم التغيير الذي شهده المجتمع بين ذلك الزمان وهذا الزمان الراضخ لسلطة الإسلام السياسي.