معايير الرجولة والشرف والنخوة في عربستان



حنان محمد السعيد
2021 / 2 / 25

استحق مقدم البرامج تامر أمين في الأيام الماضية لقب "عدو الشعب رقم 1" دون منازع، فعلى الرغم من أنه لم يتحدث إلا في سياق السياسات المرسومة له، والتي كانت تتجه نحو دعم مشروع الرئيس في تحديد النسل، إلا أنه قد مسّ وترًا حساسًا لدى أهل الجنوب، الذين يعانون من كافة صنوف التهميش والإهمال، كحال الكثير من أبناء هذا الشعب الذي لا يعرف إلا لغة العواطف.
وما لفت نظري في كلمات السادة الرجال من أهل الصعيد أن ردودهم عليه جائت كلها في نفس السياق وحملت كلها عبارات من قبيل "نحن لا نترك نسائنا تخرج بدون غطاء رأس" أو "بناتنا لسن خادمات" مع كيل السباب للمذيع المذكور وكل من يمت له بصلة.
فلقد تلخصت معاني الرجولة والشهامة والشرف لدى أغلب أبناء الوطن العربي في تغطية النساء، وفرض أوامرهم عليهن، وإلزامهن بالطاعة، فلم تأتي الردود لتناقش أسباب عمالة الأطفال في الصعيد، ولا أسباب الفقر وارتفاع معدلات الأمية، ولا الإهمال الصحي، ولا البطالة وضعف التنمية، ولكن كانت كل الردود عاطفية ما جعل من تامرأمين مجرد أسفنجة تمتص جزءمن الغضب الشعبي الذي يعتمل في نفوس هؤلاء، وكبش فداء لكل التقصير والإهمال الذي يعانيه أبناء الصعيد.
فكما يقول توفيق الحكيم: "لقد تكونت في العقلية المصرية عاهة أرجو أن لا تكون مستديمة: هي ضمور عضلة التفكير و التحليل وحل محلها عضلة لا تشعر إلا بالحب أو الكره، ولا تري غير لونين "الأبيض والأسود". وبذلك ظهر نتيجة الشعور الواحد الانفعالي بالحب والكره موقف التعصب ثم الإرهاب والعنف. وهنا خطر غياب المناقشة والتفكير والتحليل. وهو ما يقتضي طهور الحرية الحقيقية. وبمعني آخر إرساء قوعد "الديموقراطية الصحيحة" و ليست المفتعلة أو المزيفة أو الناقصة، أو التي تستخدم لأغراض دعائية ومظهرية. الحل هو ديموقراطية حقيقية,،تُطلب لمزاياها وأهمها الآن هو قدرتها علي إبعاد الخطر المنتظر المتمثل في التعصب الأعمي والتجمد الفكري الذي يصاحبه الانفعال المؤدي إلي العنف والإرهاب، ثم النتيجة بعد ذلك هي عودة الديكتاتورية الرجعية."
وليست باقي دول عربستان بأحسن حالًا، وعلى سبيل المثال كنت أتابع برنامج "بكسر التاء" على قناة الجزيرة، وهو بالمناسبة برنامجًا متميزًا، ولكن في أحدث حلقاته لم أستطيع متابعة الحلقة، فقد شعرت بالغضب الشديد مما سمعت.
لقد كانت الضيفات من الناشطات في المجال السياسي والمجال الحقوقي، ممن تعرّضن للتنكيل والسجن بسبب هذا النشاط المشرّف، ولكنهن بعد عودتهن إلى ديارهن عانين من اضطهاد آخر، فقد نظر إليهن المجتمع على أنهن تعرّضن للاغتصاب أو التحرش، ما أيقظ فيهم الحمية للشرف وحرّض لديهم الرجولة الزائفة التي لا تعرف إلا لوم الضحية، والخضوع للظلم، والتنكيل بأصحاب الحق.
ولا أعلم إلى ماذا يرتكز هؤلاء فحتى الكفر لا يعتد به إذا ما جاء تحت الضغط والإرهاب الجسدي والنفسي، ونبي الإسلام يقول: "إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه."
ولكن الرجل في عربستان يستضعف النساء فيعاقبهن على وقوعهن ضحايا للظلم والإجرام والإكراه، ولا يدافع عنهن أو يحاول رفع الظلم عنهن.
الرجل في عربستان يقبل أن تنفق عليه وعلى أبناءه زوجته، ولكنه يكره أن يذكّره أحد بذلك أو يتحدث بشأنه. الرجل في عربستان عبد للظالم والفاجر عاجزّا عن رد حقوقه الذاتية - فما بالك باسترداد حقوق الغير - فلا يجد أمامه سوى من هن أضعف منه لتفريغ طاقته المكبوتة من القهر، فهذا وحده هو ما يشعره بالقوة والتحكم، وما يعتمد عليه لإظهار الرجولة والشرف.
إن معاني الرجولة والشرف والشهامة في عربستان مشوشة ومشوهة بدرجة يحتاجون فيها إلى تعليم وتثقيف وتأهيل، وحتى يدركوا أبسط المعاني الإنسانية السوية لهذه الصفات، ويدركون السلوك الحقيقي الذي يتوافق مع هذه الكلمات. فإلى متى يارب هذا القهر!