موضة اللباس المحتشم في كردستان



طاهر رحيم
2021 / 2 / 28


ألمانيا
مثلما تستعرض أزياء لماركات مختلفة على منصة عرض الأزياء في محافل الموضة العالمية، فان الديانات هي الأخرى لكي لا تخلَف عن الركب ارتأت تصميم أزياء تستر جسد المرأة. لقد حاول الاسلام منذ البدء فرض اللباس المحتشم والحجاب على المرأة لاخفاء مفاتن جسدها. فقد طرأ تغيير كبير على تصميم لباس المرأة المحتسم على مدى الزمن من قبل المصممين والتجار. في ألمانيا مثلا تم تصميم زي سباحة خاص للمرأة المسلمة.
تنتشر موضة الازياء عبر تقليد الموضات العالمية ، وموضة الازياء الاسلامية لا تستثنى من ذلك. في البداية لم يكن لظهورهذه الموضة اية صلة بانتشار الاسلام، بل اقحمت فيما بعد في النصوص المقدسة بعد ان تم تطابقها مع الاسلام والمجتمع الذكوري. فالمرأة الصينية من الطبقات الارستوقراطية والحاكمة كانت ترتدي اللباس المحتشم قبل ظهور الاسلام، كما ان زوجات الفراعنة كن يرتدين ملابس طويلة. أما زوجات النبي محمد لم يرتدين اللباس المحتشم الا بعد أن تعززت مكانة النبي في المجتمع. هكذا اصبح ارتداء اللباس المحتشم في الاسلام ضربا من التقليد.
وفي عصرنا هذا نرى ان الموضة الاسلامية لم تكن منتشرة بل جاءت عبر تقليد الآخرين، تقليد الأغنياء أو الفنانين. ففي كردستان لم يكن أي وجود للباس المحتشم حتى نهاية الثمانينيات من القرن المنصرم، بل جاءت عن طريق النساء الخليجيات من الطبقة الثرية،لأن الموضة لا تخرج من جعبة الفقراء. من الواضح ان زي المرأة الأفغانية أجمل بكثير من زي المرأة الخليجية ولكن لأن أفغانستان بلد فقيرلا تحظى موضته قبولا لدى الآخرين.
يروي العالم الاجتماعي العراقي الدكتور علي الوردي قصة إحدى نساء القصر الملكي في العراق عندما زارت مصر وعادت بتنورة قصيرة وحذاء الكعب العالي وكانت تسمى آنذاك (عالمودة) وهي لفظة فرنسية (a la mode) ونشرت صورتها في الصحف العراقية وحظيت بشعبية كبيرة بين الشابات حتى اصبحت موضة. فلو لم تكن إحدى نساء القصر الملكي بل فتاة من أسرة فقيرة لكانت تعرضت للإهانة والضرب بدلا من ذلك.

إن اللباس المحتشم الإسلامي ليس أكثر من موضة ستزول بزوال أوانها، كما كان ارتداء العباءة والنقاب الأسود سائدا منذ العهد العثماني حتى نهاية سبعينيات القرن الفائت، ومن ثم بدأ بالزوال تدريجيا في كردستان، حتى أن المرأة الكردية بدأت تخجل من ارتداءها بل أصبحت عرضة للسخرية. يقول المطرب الكردي علي مردان في أغنية له: "أزيحي عن وجهك النقاب/ فلا داعي للخجل". كان ارتداء العباءة والنقاب الأسود في السابق يعتبر ظاهرة حضارية. كانت النساء القرويات عندما تسافر إلى المدن تتباهى بارتداءها العباءة. أما النساء التركمانيات فكانت آخر من خلعت العباءة، مفتخرة بارتداءها لأنها كانت من مخلفات الحضارة العثمانية. الستائر الطويلة خلف أبواب المنازل والتي كانت هي الأخرى من مخلفات التراث العثماني، قد اختفت مع العباءة والنقاب الأسود.

ترتبط موضة الزي الإسلامي بمكانة التيارات الإسلامية في المجال السياسي. سيطرأ تغيير على هذه الموضة أو تضمحل تدريجيا بانتهاء الآيديولوجيات الإسلامية. من المعلوم ان الزي الاسلامي لا يرتبط بشكل مباشر بالدين الاسلامي قدر ما هو مرتبط بالاسلام السياسي. فالناس كانت مسلمة قبل ظهور اللباس المحتشم الطويل، أي بمعنى أن الزي الاسلامي هو ظاهرة سياسية أكثر مما هي دينية.

يشكل اللباس المحتشم عائقا بين الرجل والمرأة ويؤدي إلى قمعها باعتبارها مواطن من الدرجة الثانية في المجتمع، لذلك يعتبر اللباس المحتشم ظاهرة غريبة على مجتمعنا.