جعلوني مجرمة



نساء الانتفاضة
2021 / 2 / 28

لقيت حادثة رمي امرأة لطفليها من على أحد جسور نهر دجلة في العاصمة بغداد، صدى على عدة مستويات، ورغم مرور أكثر من اربعة أشهر على هذه الحادثة واعتقال المرأة وايداعها في السجن، الا ان الحكم الصادر بحقها وهو الاعدام شنقا، يدفعنا لتسليط المزيد من الضوء على هذه الحادثة الأليمة، ويجعلنا نتساءل هل فعلا هذه الفتاة الصغيرة التي أقدمت على رمي طفليها تتحمل كامل المسؤولية عما حدث، او على الاقل جزءا من هذه المسؤولية؟ وما هي الظروف التي دفعتها لهكذا فعل؟ وإذا لم تكن هي المسؤولة عن هذه الحادثة فمن هو المسؤول يا ترى؟
للإجابة عن هذه التساؤلات علينا أن نأخذ بعين الاعتبار ظروف نشأة هذه المرأة فكل التقارير تشير الى انها قد أجبرت على الزواج ولم تختار الزواج، خصوصا وأنها قد تزوجت في سن صغيرة وبفعل ضغط من أهلها كما تشير إلى ذلك الاخبار المتناقلة على وسائل الإعلام.
ليست حادثة هذه المرأة هي الوحيدة من نوعها بل إنها تدخل ضمن الآلاف من حالات الانتحار وجرائم ما يسمى بالشرف وغيرها من عمليات التعنيف التي تتعرض لها النساء في مختلف مناطق ومحافظات العراق.

ان السلطة الإسلامية التي حكمت بالإعدام على هذه المرأة، لم نسمع او نرى محاكمتها لأي جهة قتلت وخطفت وعوقت الاف من الشباب المنتفضين في انتفاضة أكتوبر، بل على العكس تماما، فهي تكرم القتلة وتكافئهم وتستمر في عمليات القتل والخطف والإرهاب ضد الناشطين

على مدى أكثر من سبعة عشرا عاما أنهك النظام البلاد جوعا وبؤسا وقهرا من خلال ممارسة أبشع الأساليب، واستعان بالمليشيات والعشائر ورجال الدين والعسكر وغيرهم من القوى الاستبدادية والرجعية والتي فرضت على المجتمع أنماطا متخلفة وذكورية، هي السبب الرئيسي في أغلب ما تتعرض له النساء

لا أحد ينكر الفعل الشنيع الذي أقدمت عليه هذه المرأة، لكننا وقبل كل شيء يجب أن نتخلص من اسباب هذا الفعل وامثاله وهذه الأسباب تنحصر اولا واخيرا بالنظام السياسي البرجوازي، الذي يجعل من النساء مجرد سلع وأدوات للمتاجرة والإنجاب

نقف بالضد من حكم الإعدام مهما تكن الأسباب، لان الإعدام بحد ذاته جريمة بشعة يتوجب الوقوف ضدها مهما كانت الأسباب، ونقول هل تساءل القضاء قبل التفكير بالإعدام عن الدوافع والأسباب التي جعلت المرأة تقدم على قتل طفليها بهذه الطريقة البشعة، لاسيما وأنها تعاني من مشاكل نفسية واجتماعية واقتصادية واسرية، فهي ضحية زواج الصغيرات، الذي يباركه النظام الذكوري الطائفي ويجعل من النساء سلعة من خلال تكريسه للقوانين الرجعية والغير منصفة للمرأة. حيث يتسامح هذا النظام مع مرتكبي جرائم "الشرف" ويخفف عقوباتهم ويطلق سراحهم بكفالات مادية، على حساب حياة النساء

ندين هذا الحكم اللاإنساني والاجرامي بحق هذه المرأة فالإعدام هو جريمة لا تقل عن جريمة القتل العمد، وهو ليس حل لقضايا جذرية تتعلق بطبيعة النظام السياسي الذي ينتج سلوكيات الافراد واعاقاتهم العقلية والنفسية والاجتماعية.