بصدد هجمات الحكومة البولونيّة على حقّ الإجهاض و المدّ العالمي المتصاعد للفاشيّة و الحاجة إلى بديل مختلف راديكاليّا



شادي الشماوي
2021 / 3 / 3

مساهمة من عضو من " الجولة القوميّة من أجل الثورة "
جريدة " الثورة " عدد687 ، 15 فيفري 2021
https://revcom.us/a/687/on-the-polish-governments-attacks-on-abortion-rights-en.html

في 27 جانفي 2012 ، أعلن النظام الفاشيّ في بولونيا أنّه سيشرع في فرض قانون صدر في البداية في أكتوبر 2020 يجعل الغالبيّة العظمى من الإجهاضات فى البلد بما فيها الشكل الأكثر شيوعا للإجهاض ، الإجهاض المنجرّ عن تشوّه جسدي للجنين غير قانوني . و هذا يعنى الآن أنّ كافة أشكال الإجهاض صارت غير قانونيّة بإستثناء وحيد هو الإغتصاب و الخيانة الزوجيّة أو عندما تكون حياة أو صحّة الأم مهدّدة . و لهذا صلة وطيدة بدفع النساء إلى الخلف ، إلى " أشكال تقليديّة " أكثر من الإضطهاد و الإخضاع ردّا لى و ثأرا من المساهمة المتزايدة للنساء في الحياة الاقتصادية و الإجتماعيّة و كجزء من أجندا تيوقراطيذة – فاشيّة أوسع و حركة عالميّة قائمة و تحقّق تقدّما .
في السنة الفارطة ، فجّر هذا القانون موجة من الإحتجاجات الشرعيّة بمئات الآلاف من النساء و عديد الرجال كذلك محتجّين في الشوارع في تحرّك إلى درجة كبيرة غير عنيف لكن مستمرّ و دراماتيكي . و مثلما وصفت رسالة سابقة من قارئ مشاهد من تحرّكات أكتوبر ، كان المحتجّون :
" يرفعون لافتات كُتب عليها " الإنسان أهمّ من الجنين " و " أتمنّى لو بإمكانى إجهاض حكومتى " . لقد خرج الناس إلى الشوارع من مراكز العمل في حركة إضراب عام . و سارت مجموعات من النساء مرتديات لعباءات قديمة مصنوعة يدويّا حمراء كرمز للإخضاع المستقبلي للنساء الذى يمثّله هذا القرار . و قد تحدّى المحتجّون بجرأة الثقل الإضطهادي للكنيسة الكاتوليكيّة الخانق لحياتهم ، مقاطعين الإجتماعات الجماهيريّة في الكنائس الكاتوليكيّة و مقيمين إعتصامات فيها و كانت النساء ترفع معالق معاطف كرمز للخطر الذىتمثّله لاقانونيّة الإجهاض و المصير الذى تواجهه عديد النساء الآن . "
و في حين كان الغضب ضد تقييدات الإجهاض العامل الأساسي الدافع للإحتجاجات فإنّها خدمت كذلك كتعبيرات عن الغضب و القرف تجاه اليمين المتطرّف عامة و البرنامج الفاشيّ الذى يضغط على أعناق الجماهير في بولونيا . و كان الشباب و الطلبة جزءا حيويّا من المحتجيّن و قد أعربوا عن مستويات عالية من المعارضة لحزب " القانون والعدالة " الفاشيّ الحاكم .
و قد تأسّس حزب " القانون و العدالة " (PiS) الذى يقوده حاليّا جارزلو كازننسكى سنة 2001 و صعد إلى السلطة سنة 2015 ببرنامج أصوليّ دينيّ و ما يتناسب معه من " قيم تقليديّة " و منها البطرياركيّة اللاذعة و رهاب المثليّة الجنسيّة فضلا عن قدر كبير من رهاب الأجانب الموجّه ضد المهاجرين و اللاجئين . و مذّاك تحرّك هذا الحزب بمنهجيّة ليتحكّم في المحاكم فارضا قرارات أصدرتها المحكمة العليا ليعيد تشكيلها بخاتم مطّاطيّ للحزب الحاكم و ليتحكّم تماما في المحكمة الدستوريّة – المحكمة التي أصدرت الآن القانون المانع للإجهاض . و من خلال التحكّم في المحاكم في مواجهة الإحتجاج الجماهيريّة، يتمّ تسليط القمع على الجماهير من خلال هجمات على الحقوق الأساسيّة للشعب .
و تعدّ مساعى هذا الحزب في بولونيا لتقليص دور النساء إلى مربّيات أطفال و قانونيّا و إجتماعيّا تابعات إلى الرجال و الكنيسة ، تعدّ هذه المساعى جزءا من حركة عالميّة أشمل من أجل الفاشيّة و أساسها مرتبط بالتغيّرات في الوضع العالمي التي تعود إلى عقود سابقة و منها النهوض الجماهيري و هجرة و نزوح ملايين الناس في أنحاء متباينة من العالم جرّاء العولمة و الهجوم الشديد المعادى للمهاجرين عبر أوروبا. و في المدّة الأخيرة ، تحدّث بوب أفاكيان عن هذا الوضع العالمي و تبعاته في بيانه في السنة الجديدة ، " سنة جديدة ، الحاجة الملحّة إلى عالم جديد راديكاليّا – من أجل تحرير الإنسانيّة جمعاء " :
" و قد غيّر هذا الوضع تغييرا دراماتيكيّا فعادة ما أضحى قابلا للإنفجار مثّل عاملا هاما في صعود الأصوليّة الدينيّة في العالم الثالث و بشكل ملحوظ في الولايات المتّحدة أين أضحت الأصوليّة المسيحيّة قوّة إجتماعيّة و سياسيّة سلبيّة عتيّة . و في ترابط مع و تأثير متبادل مع هذه التغيّرات الإقتصاديّة و ما صاحبها من تحوّلات إجتماعيّة ساهمت في نموّ تأثير الأصوليّة الدينيّة ، خاصة في العالم الثالث ، هناك هزيمة أو تفكّك الحركات في العالم الثالث التي كان يقودها الشيوعيّون أو القوميّون الثوريّون ضد المضطهِدين من الصنف القديم و ضد الإستعمار الجديد ، و فوق كلّ شيء ضد الولايات المتّحدة عقب الحرب العالميّة الثانية – و التراجع الأكبر نجم عن الإنقلاب على الإشتراكية و إعادة تركيز الرأسماليّة في الصين في سبعينات القرن العشرين ما حوّل هذه الأخيرة من بلد إشتراكي قويّ و حصن دعم للنضال الثوريّ عبر العالم إلى قوّة إمبرياليّة صاعدة وهي نفسها مستغٍلّة للجماهير الشعبيّة في أفريقيا و غيرها من الأماكن في العالم الثالث ."
و قال في مقال سابق بوجه خاص متحدّثا عن إضطهاد النساء :
" لم يكن من المتصوّر أنّ كلّ هذا سيجد أيّ حلّ إلاّ بالمعنى الأكثر جذريّة و عبر وسائل في منتهى العنف . المسألة التي لم تحسم بعدُ هي : هل سيكون الحلّ حلاّ راديكاليّا رجعيّا أم حلاّ راديكاليّا ثوريّا ، هل سيعنى تعزيز سلاسل الإستعباد أم كسر الروابط الأكثر حيويّة في هذه السلاسل و فتح المجال لإمكانيّة تحقيق الإلغاء التام لكافة أشكال هكذا إستعباد ؟ "
و إسترسل ليقول :
" هذا صحيح ليس في علاقة بالنساء فحسب ، على اهمّية المسألة ، و لكن أيضا بالنسبة لكافة المضطهَدين و المهانين و المعنّفين في ظلّ هذا النظام . و صحيح ليس بالنسبة للولايات المتّحدة فحسب بل أيضا عبر العالم العالي الترابط و اللامتساوي بشكل فظيع ،و الواقع تحت سيطرة هذا النظام الرأسمالي- الإمبريالي . " (1)
من قتال النساء في بولونيا من أجل حقّ التحكّم في أجسادهنّ و حياتهنّ ذاتها ، في الشوارع ؛ إلى الحشود اليائسة من المهاجرين و اللاجئين المرئيّة عبر حدود أمريكا الوسطى ، و عبر المكسيك وصلا إلى حدود الولايات المتّحدة ،؛ إلى مئات الآلاف المدفونين الآن في مقابر جماعيّة عبر العالم ، ضحايا وباء صار أسوأ حتّى بشكل غير ضروريّ بفعل سير نظام لا يمكنه توفير رعاية صحّية و لقاحات مناسبتين لسكّان العام – وضع راهن يشعرك بأنّه غير قابل للدفاع عنه لأنّه فعلا وضع لا يحتمل .
في كافة أنحاء العالم ، هناك صرخة بالحاجة إلى عالم مغاي جذريّا – من أجل بديل مستند إلى العلم ، من أجل تحرير الإنسانيّة قاطبة . و مثل هذا البديل متوفّر في الشيوعيّة الجديدة التي صاغها بوب أفاكيان و التي توفّر أساس و مرشد موجة جديدة تماما من النضال للإطاحة بالنظام الرأسمالي – الإمبريالي الذى يخنق إمكانيّات البشريّة . و تشتمل الشيوعيّة الجديدة كذلك على فهم أكثر لميّة للأساس الماديّ لإضطهاد النساء و كيف ظهر هذا الإضطهاد مع الإنقسامات الطبقيّة الأولى في صفوف البشر و كيف أنّ هذا الإضطهاد كان مترابطا مع مختلف مجموعات علاقات الإنتاج الإستغلاليّة مذّاك . ما نحن في حاجة إليه هو ثورة لتركيز مجموعة مغايرة من علاقات الإنتاج ، الإشتراكية حقّا ، و المضيّ للعمل في سبيل تجاوز كافة العلاقات الإجتماعيّة الإضطهاديّة . و قد بيّن أفاكيان بحيويّة كيف أنّه حتّى في المجتمع الإشتراكي المستقبلي ، اللاتكافئ و التناقض في ظروف النساء و دورهنّ ، و في مسار تغييرنا للمجتمع ن يمكن و يجب أن يكونا جزءا حيويّا من ما يدفع إلى الأمام الثورة الشيوعيّة و يضمن أن تكون ثورة بأتمّ معنى الكلمة .
لكن في جميع أنحاء العالم ، هذه الإختراقات و مهندسها ، بوب أفاكيان ، وهو قائد مختلف راديكاليّا عن أيّ قائد آخر على وجه الكوكب الآن ، وهو يجسّد لبّ المبادئ و المنهج العلميّ الموجود بموقع القلب من هذه الشيوعيّة الجديدة ، غير معروفان بما فيه الكفاية . و هذا وضع يجب تغييره و بسرعة .
تعدّ الحياة بالنسبة لمليارات البشر في عالم اليوم بمثابة جهنّم يوميّة و يملك المستغَلّين و المضطهدَين من الإنسانيّة قائدا – شخصا كرّس حياته برمّتها لتحريرهم – لمعالجة المشاكل التي تقف حاجزا أمام سلوك طريق تحرير الإنسانيّة . أليس إجراميّا أن لا يبلغ صوت هذا القائد إلى المزيد فالمزيد من هؤلاء ؟ لا تقع على كاهلنا جميعا مسؤوليّة المساهمة في تخطّى هذه الهوّة – أن نساهم في إيصال بوب افاكيان إلى الجماهير و في تدريب موجات متتالية جديدة من أنصار بوب أفاكيان كقوّة واعية تناضل في سبيل ثورة شيوعيّة جديدة تضع نهاية لكافة أشكال الإضطهاد و الإستغلال في كافة أنحاء هذا الكوكب ؟
-1- أنظروا مقال " التغيير الجذريّ قادم : هل سيكون تحرّريّا أم إستعباديّا – ثوريّا أم رجعيّا ؟ " [ متوفّر باللغة العربيّة على صفحة شادي الشماوي بموقع الحوار المتمدّن ، و ضمن كتابه " إضطهاد السود في الولايات المتّحدة الأمريكية و الثورة الشيوعية " المتوفّر بمكتبة الحوار المتمدّن ].
---------------------------------------------------------------------