وردة لي، و أخرى لرجل محبّ



نادية خلوف
2021 / 3 / 7

أقدّم وردة لي في يوم المرأة ، لا أنتظر أن يقدمها لي أحد .
هذا ما بدأت به رسالتها به السيدة ضياء ، وضياء تلك سيدّة متعلّمة قالت في رسالتها أنها أرادت أن تحافظ على زواجها فحصل العكس. بعد نقاش قليل تحدّثنا على الماسنجر . في مختصر الحديث معها قالت : يبدو أنّ عليّ أن أشكر حسين لأنّه" ذهب مع الرّيح" - حسين هو زوجها- رميت خلفه الماء كي لا يعود . لم أرم الماء خلفه مباشرة ، بل بعد سنتين من مراجعة الذّات وتقييمها ، و عرفت أماكن خطأي ، وهو أنّني لم أكن أحترم نفسي في تلك العلاقة خوفاً أن تنتهي ، وقد انتهت بطريقة لا تصدّق. اكتشفت لاحقاً أنّ قراره قد اتخذه حتى قبل أن يقدم على الزّواج ، كان يعتبر زواجنا ربما مؤقتاً. من أصعب الأشياء التي تواجهها المرأة عندما تصبح أماً عازبة هي النواحي الماديّة . هو لم يقل أنه سوف يتزوج، بل قال أنّه لن يعود. لا بأس، مادام يعمل في دولة خليجية فالأمور المالية محلولة ، لا يهم إن عاد أم لم يعد، فنحن لا تربطنا علاقة زوجية منذ اللحظة الأولى. كنت قدد تركت بيت الزوجية في الشهر الأول من الزواج، قلت لأمي إنّه ليس رجلاً، لكنّها قالت لي : أنت حامل ، و الزمن سوف يصلح بينكما، وفعلاً كان لدي شركتي ودخلي المادي الجيد، وكنت أنفق على البيت دون أن أطلب منه لأنّني أعرف أنّه لا يملك المال ،ولا يسعى حتى كي يملكه رغم أنه يحمل شهادة جامعية . كان تعامله جيداً كوال الفترة التي كنت عيل فيها الأسرة. تركنا سورية واشتريت له بوراثتي من أبي سيارة كي نستطيع العيش في الغربة ، وبقي يداري الوضع في العلن، ويضمر ما يضمر بالسّر . كانت أمّي تحاول أن تجعلني أجمع المال بدون علمه، لكنها كفّت عن التّدخل عندما قلت أنّ حياتي الخاصة ملكي ، وعليها أن لا تتدخل.
عملت في عمل راق ، لكن مصلحة أولادي كانت تقتضي البقاء بالمنزل ، إضافة إلى أن تجربتي معه لم تكن مشجعة ، فهو لا يعتني بالأطفال في غيابي ، فقد عملت بمرتب يعادل ضعف مرتبه، وكان يأخذه تحت حجج كفاية العائلة .
كان يتميز بأنّه أسير عقلية الخوف من الفقر ، فإن اشتريت كيلو تفاح احتج، وعندما قرّر المغادرة، وقبل أن يتزوج خبرني في إحدى المرات أنني أسرقه!
عندما قال لي أنّه لن يعود ، وبعد أن وصفني بالمختلة ، دخلت في حالة اكتئاب ، وصدّقت ما وصفني به ، وبدأت أبحث عن ذاتي، و بماذا أخطأت . استغرق الموضوع عامين كنت خلالهما مرعوبة أن لا أستطيع إعالة أولادي ونرمى في الشّارع.
استطاعت أمّي مساعدتي بإيجاد عمل بدخل قليل ، فرحت به، كانت نقطة البداية ، عندها بدأت باستعادة ثقتي بنفسي ، تقدمت إلى وظيفة جيدة، وقبلت، وعرض عليّ مناصب إدارية فيما بعد . هنا بدأت أعرف قيمة نفسي، و أهمية عائلتي ، أصبحت أخصص مبلغاً للسفر في كل عام إلى دولة ما. تمتّع أولادي بالسياحة . فكرّت عدّة مرّات في الزواج، وعندما أرادني رجل محترم تريثت في القرار ، لم أشأ أن أدخل غريباً على أولادي، كما أنّني خفت من تكرار التّجربة . قد أكرّرها عندما يبد ولادي حياتهم الشخصية ، لكن ليس الآن.
أنا اليوم مستقلة ، لست غنية ، لكنني لا أخشى الفقر، ربيّت أولادي على حب العمل و السعي إلى الثروة، وهم يعملون ويدرسون، و أنا سعيدة بهم .
لا يتوقف طموح الإنسان العاقل في مكان، وطموحي لن يتوقف عند الوظيفة ، لأنّني أعرف أنّ السّلطة و المال هما أساس النّجاح، وقريباً سوف أحوز على الاثنتين.
للتذكير فقط: قال لي : " لم تعودي تلزمينني" كان عليّ في تلك اللحظة أن أطرده من حياتي .

قال لي:" لو تركتك سوف تعوّين وحدك مثل الكلاب". في الحقيقة لم أعوّي بل تألّقت ، وهو يعرف جيداً أن من لديها المال يركض خلفها الرجال. ألم يحدث له هذا؟ . لا أدري إن كان هو نادم على قراره أم لا ، ليس من أجلي فهو يؤمن بموضوع النصر و الخسارة، وهو تربية النّظام يحوّل كل هزائمه إلى انتصارات ، لكن كونه يعيش بعيداً عن أولاده باختياره ، ولا يمكنه زيارتهم لأنه لا يملك وثائق سفر ، ولا يعرف الكثير عن حياتهم . أنا على الأقلّ أشاركهم نجاحاتهم، و أعياد ميلادهم، وذكرياتهم. أما هو فلن يكون رجلاً حتى مع زوجته الجديدة التي تتمتّع بنفس صفاته، وجيناته، وكلاهما من المؤمنين بالنّظام ، فهو من أعطاهم الشهادات و المركز.
تقول ضياء أنّ الفرق بينها وبين حسين كان فرق ثقافة ، فهو لم يستطع إثبات وجوده في مجتمع متحضّر .
عندما قلت لها أنّ المجتمع ذكوري ، و أن أغلب الرجال مثله احتجّت على الفكرة، قالت لي: أغلب الرّجال محترمين لا يفرطون بعوائلهم، بل إنّهم حريصون على عدم إزعاج زوجاتهم ، وقد تحدّثت عن نماذج من زملائها في العمل.
تقول ضياء أنّها خلال عامين اعتزلت المجتمع، كانت تخشى من العار الاجتماعي ، لكنّها فيما بعد أعلنت عن وضعها، وقرّرت أنّها لم تخطئ، و أنها جميلة وذكية ، و أن موضوع الزواج ليس نهاية العالم، يمكن أن يحدث في أيّة مرحلة من العمر، وحتى لو لم يحدث فالأمر طبيعي.
ختمت حديثها قائلة: سوف أقدم لك وردة لأنّك كنت أحد الداعمين لي في غياب أمّي، و الوردة الثانية أقدمها لنفسي لأنّني أستحقها، و الثالثة أقدمها لرجل يعرف قيمة عائلته.