في الجحيم تقفين يابنة سورية، ومع هذا كل عام وأنت بخير:



فلورنس غزلان
2021 / 3 / 7

في الجحيم تقفين يابنة سورية ومع هذا، كل عام وأنت بخير :ــ
المرأة السورية سنديانة المشرق، ملكة الأمومة ...وسيدة الأحزان..المرأة ...التي لاتحتاج لإقناع العالم بجدارتها ولا بأنوثتها ...لم تعد بحاجة إلى من يعترف أنها سمكة فقدت بحرها...أنها طريدة حيث تذهب...تجد أمامها شِباك الصيادين ...أنها سبية تارة وبطلة أخرى...أنها ضحية تارة ،وقوية أخرى ،أنها لاجئة بلا وطن...أنها امرأة بلا زوج...أنها أم تحمل كفن ولدها...أنها فريسة لكل وحش كاسر جائع فاقد لإنسانيته...فكيف تعيش عيدها اليوم ...وبماذا تشبه نساء الأرض؟
إنها لاتشبه سوى وحدها...إنها من حَلِم بأن يكون إنساناً ذا معنى...إنساناً بحقوق وكرامة...ثارت مع ابن وطنها...رضيت أن ترسل ابنها للموت...رضيت أن تفقد حبيبها ...لأنها وُلِدت وتربت على أن الأوطان لاتبنى دون تضحيات ...لكن ماقدمته فاق أساطير الكون وكُتب التراث والتاريخ...العالم يعيش في همومه أو في أبراجه...لكنها تعيش في جحيمها..تشد حزام العفة وحزام الأمان ...تشد أزر الوطن وأزر الأخوة ...تشد على لحم بطنها ...وتعض على نواجذ الألم ..تخشى أن يراها أطفالها دامعة تريدهم أن يصبحوا رجالاً ،أن يجتازوا السنين ...تريدهم أن يكبروا بمحبة وسلام... دون عنف أو ألم ،تخفيهم عن عيون العسس ...تخفيهم عن القناصة ...عن آلات الحديد التي تجوب الشوارع وتزرع الرعب في جسدها...عن صواعق السماء وحممها...لكن جفونها "ثوبها " لايمكنه أن يكون خيمة مضادة للرصاص...تجمع ماتركه لها صُناع الفضيحة من " حماة الديار " تعبر كل الشراك والألغام ...تعبر حواجز الموت...لتنقذ واحداً أو إثنان لم تستطع يد الكراهية أن تصلهم ولن تستطع هي بعد أن تنجب غيرهم...تدق أبواب الحدود ...تدق أبواب الرحيل...تتقدم بأقدام عارية ...خالية من أصفاد الأسد ...ترفل بأصفاد الهجرة ...وقيود الذل خلف الحدود، لأنها عرفت أبشع أنواع الذل داخل حدود خريطة " الوطن"، إنها تدفع ضريبة الوطن بأمثال ومعايير مضاعفة عما يقدمه الرجل...فهي من أنجب الطفل الذي خط بطباشير المدرسة أول مفردات الحرية...وهي من قَدَّم أول طفل يقضي تحت سياط وآلات أجهزة التعذيب في أقبية الأمن لنظام الأسد...هي أم حمزة الخطيب...هي أم هاجر...هي أم ثائر...هي أم الشهيد، وأم المعتقل ، أم الجريح والمعاق...هي القلب الكسيح والمكسور.
فأي تكريم يمكن للمرء أن يجده مناسباً لقامتها الباسقة...؟ أي تكريم في عيد المرأة يليق بالمرأة الأسطورة؟
المرأة التي كتبت ونقشت ودونت ..تاريخ ثورة خرافية الحكاية...المرأة التي تعطي ولا تبحث عن أوسمة، المرأة التي سينهض يوماً ضمير الكون ليغسل قدميها فوق تمثال الحرية...المرأة التي توقظ يوماً بعد يوم ضمير أرصفة عالمية تجاهلت شوارع وحارات بلدها...المرأة التي تكشف عورات طُهاة السياسة في فنادق العالم ومطابخ الدول...وهي فقط من يشم رائحة الخميرة في عجينة الحل...هي وحدها من يرفع الميزان ومن يخفضه...هي الأَولَى والأجدر ...بأن يكون لكلمتها دور الفصل كمواطنة، كأم ، كزوجة ، كمناضلة ...ككاتبة ...كصحفية ، وكمُساوِية لمن يحاول أن يُقصيها عن درب القرار بمصير الوطن...مَن يحاول أن يضعها على الرف ...أو في الدرجة الأدنى...معتقداً أن بندقيته من يصنع السلم الأهلي والنصر! أو أن احتكاره للأدوار في ملاعب السياسة سيضمن له القيادة!...متناسياً أن رأسه المملوءة بالانتقام والحقد والتمييز...لم يأت من حليب أمه السورية، بل من عنف البندقية ومن عقم الأيديولوجيا التي تضع المرأة أسفل السلم، وأنه في نهاية المطاف سيحبو ليكسب صوتها...أمه أرادت أن تصنع منه الانسان ، المواطن الحر ...المحب للآخر...المتسامح ...العاقل، الصبور ...أمه اليوم تُذّكِرُه بحكايات الجدة قبل النوم ...عن آفة الكذب وآفة الحقد، عن آفة التفرقة والأنانية، تريده أن يتذكر كل ماهو جميل في وطنه...أن يعود لرشده ...أن يعيد الابتسامة لبيته والسلام لوطنه جنباً إلى جنب مع شقيقته ...لأن أعمدة الوطن لاتقوم إلا على تعاون واعتراف الجنسين دون تمييز كلاً منهم بالآخر.
لاشك لدي، بأن بعض النساء عدوات لأنفسهن، لجنسهن، يقفن مع المُستَعبد ، مع المُستَلب لحقوقهن، يرضين بدور العورة والقاصر ، دور ربة البيت ،وعاءً للجنس والتبزير، يقبلن بأن يعشن في الظل تحت خيمة الذكورية، وخيمة قوانين مجحفة تضعهن في أسفل درجات السُلَم الاجتماعي ، يقايض الرجل الأب أو الأخ عليهن، يقبلن بالتشييء ، وكأنهن سلعة للاقتناء والتَمَلك، يَسعَين لإرضاء رغبات الرجل وكأنهن مسلوبات الإرادة والرغبات ، لايحق لها أن تعبر عن رغباتها أو عن حاجاتها ففي هذا " عيب أو حرام"!، العيب والشرف يقع بين فخذيها وعليها أن ترعاه كي لاتفقد حياتها، أو تدفع أسرتها ثمن " شرفهم الرفيع القابع بين فخذيها" ...لأن موقعها حسب قوانين الأحوال الشخصية في معظم وأكثر البلدان العربية ــ الإسلامية موقع التابع ، المطيع والخاضع لبعلها ، وإلا فمصيرها جهنم!، أي أنها تعيش عمرها في جهنم وستذهب منه لجهنم أخرى!...
انهضي يابنة سوريا من كبواتك الطويلة، اغسلي عار وطن وعار شعب يعتبرك أكبر عراقيل تطوره...ارفعي راية المحبة وراية المساواة ...كي يقف الوطن على قدميه " الرجل والمرأة"، قاومي ظلم القانون وظلم الديكتاتورية...كوني امراة البناء ، امرأة المحبة والسلام لا امرأة الحروب التي تفرضها الذكورية عليكِ. لكل امرأة تقاوم وترفض العسف ، لكل امرأة سورية لازالت تقف بوجه الجوع والقهر تحية إجلال وتقدير وكل عام وأنت بألف خير.
فلورنس غزلان ــ باريس 07/03/2021