8 آذار للاحتجاج ام للابتهاج؟



رزان الحسيني
2021 / 3 / 8

بعد عامين من المسيرة الاولى في نيويورك للعاملات والمُطالبات بحق التصويت وتحسين الاجور وتقليل ساعات العمل عام 1908، اقترحت امرأة تُدعى "كلارا زيتكن" جعل هذا اليوم ليس يومٌ وطنيٌّ فحسب بل عالميٌ ايضاً، ليتم اعلانه عالمياً في العام التالي. ثم بدأت منظمة الامم المتحدة بالاحتفال به منذ عام 1975 وتحديد موضوع مختلف بما يخص المرأة في كل عام. وشعار هذه السنة هو "اختر أن تتحدى" بما معنى فضح وتحدي الممارسات التحيزية وعدم المساواة ضد المرأة، بالاضافة الى تحدي افكارنا الخاصة وارائنا وما زُرع في عقولنا من افكار عنصرية دون إدراك منا، فالعنصرية ضد المرأة لا تُحصر في الشعارات الرنانة او القوانين الدولية فحسب، بل تتجسد في افكارنا وتصرفاتنا وحياتنا اليومية ايضاً.. لذلك حين نختار ان نقف بوجه العنصرية ضد المرأة؛ يعني ذلك أن نُراجع ما نقوم ونتكلم به يومياً، لنجد أن جزءاً منّا يُمارس تلك العنصرية، سواء بمعرفة او دون معرفةً منا.

وعلى سبيل المثال: قولنا للمرأة الشجاعة بأنها "مرأة بالف رجال" او "اخت رجال"، وتحديدنا مفاهيمٍ مُعينة للأنوثة او الجمال او النجاح، او قولنا للرجل الضعيف أنه "مرأة" وللرجل النمّام "عنده سوالف نسوان"، بالاضافة الى حكمنا على المرأة واخلاقها من شكلها الخارجيّ أو لبسها. وغيرها الكثير من الممارسات العنصرية التي نقوم بها دون إدراك، فقط لأننا نشأنا وتعودنا عليها بحيث ما عاد باستطاعتنا الوقوف عندها والتشكيك او التفكير بها مجدداً. وغيرها من قدرتنا على رفض العنف والقتل وعدم العدل التي تواجهه نسائنا كل يوم، وهنا نستطيع أن نعرف الجانب الاحتجاجي من هذا اليوم.

منذ 8 اذار الماضي حتى الان شهدنا -كمجتمعٍ عراقيّ- أحداث كثيرة تخص المرأة، منها السيئة والكارثية -وهي الغالبة- ومنها الجيّدة من حيث التحرّك الاجتماعي الايجابي للشأن النسوي بنسبة لا يُستهان بها، وهزّ المفاهيم البالية والنظر بمنظورٍ آخر لكل قضية تخص النساء.. وذلك أمرٌ مهما بدا ضئيلاً في مقابل الاعمال الهائلة والكثيرة في العنف.. فهو تحسّن ملحوظ بالعقلية الاجتماعية الجمعية للأفراد العرب والعراقيين، لكنّه ليس كافياً بالطبع، لا بدَّ أن تنمو تلك النسبة حتى تساوي وتتفوق نسبة ظلم المرأة، وذلك يتطلب سنين من النضال.

حيث بدأ المجتمع يدرك أن المرأة كائناً كاملاً مثلهُ كمثل الرجل في القرارات والامكانيات والحقوق والواجبات، ولا ينظر لها من الاعلى نظرةً دونية مثل السابق. اضافةً الى ان مفهوم الحركة النسوية بدأ بالنضج، بجهود الناشطين والناشطات والقانونيين في العراق، لذلك، هذه النسبة الصغيرة مُدعاة للبهجة والاحتفال، الى جانب الاحتفاء بإنجازات نسائنا هذا العام -الصغيرة منها والكبيرة- على جميع الاصعدة، حيث جاهدن في ظل الظروف الحالية لخلق طريقهن الخاص وصنع نجاحهن، والاحتفاء بشخصياتهنّ المحترمة والمرموقة. وهذا ما يدعو للابتهاج واستذكار انجازات السنة الماضية.

على هذا اليوم أن يجسّد شعاره العالمي، أن يكون بمثابة رفع اليد عالياً، رافضاً ما يظلم المرأة ويهينها ويحطّ من شأنها ومكانتها، ومُحيياً للنساء الناجحات اللاتي برزن من كلّ هذا الظلم والتراجع الفكري، والنساء القويات اللاتي يصدحُ صوتها لنصرة بنات جنسها، لتكون هي في وجه المدفع والتهجّم الاجتماعي. نحتفي بهنّ في هذا اليوم لأنهن هنّ من يدفعن المجتمع للتفكير مجدداً، ولأنهنّ يستحقّن الاحتفاء.