في ذكرى اليوم العالمي للمرأة



مصعب قاسم عزاوي
2021 / 3 / 8

قد يكون من غير الملائم الابتداء بتحية المرأة العربية المظلومة المقهورة المكلومة المحسورة من المقولة البسيطة والواضحة بأن المرأة العربية تمثل نصف المجتمع الحي والقادر على الإنتاج في المجتمع، وذلك لكونها مقولة تكرر طرحها كثيراً، و التي على الرغم من مصداقيتها المطلقة فإنها لم تستطع أن تأخذ طريقها إلى وعي الإنسان والمجتمع العربيين، وذلك كنتيجة بسيطة لكون الغالبية العظمى من فئاته الشعبية هشيماً حطامياً و عصفاً مأكولاً منهوباً مسروقاً وفاقداً كل قدرة على الفعل أو التأثير جراء الفعل التاريخي التراكمي لتغول غيلان الاستبداد و الطغيان عمودياً وأفقياً على كل المجتمعات العربية دون استثناء. ولذلك قد يكون أكثر عقلانية النظر إلى واقع المرأة العربية الكسيح في نسقه العياني المشخص الذي يعكس صورة العرب وهم قاب قوسين أو أدنى من التنكس الحضاري الكلياني، والاندثار كأمة حية من وجه البسيطة والتاريخ، وهو واقع قاتم يفاقمه تحول ساحة العولمة الراهنة ومفرزاتها الأفعوانية إلى غابة يحكمها قانون البقاء للأكثر قدرة على التكيف المرحلي إلى أن يصبح قوياً وقادراً على تغيير وجه العولمة البائس.

أما من ناحية علاقة المجتمع العربي بالمرأة فهي محكومة بعدة عناصر تشكل في مجموعها حلقة معقدة تحيط بالمرأة ومن خلالها بالمجتمع العربي، وقد يكون على رأسها:

أولاً: العرف الاجتماعي بشقه الرجعي عندما يحاول أن يلبس لبوس الشرع والدين، وبحيث يُخْضَعُ النموذج الديني- التقدمي في جوهره- إلى تفسيرات واجتهاداتٍ شخصية، ضمن إطارات التمترس المذهبي والطائفي والفقهي؛ والتي في حقيقة أمرها تمثل ابتعاداً عن جوهر الدين الحقيقي البناء عبر تبني نموذج من الوعي التلفيقي يحتكر الحقيقة لنفسه ولمصلحته المباشرة وغير المباشرة.

ثانياً: اضطرار مجموعات وشرائح اجتماعية واسعة للرضوخ إلى قوانين الاستلاب الاقتصادي الجديد؛ وذلك لاضطرارها إلى لقمة العيش الكافرة، والدخول نتيجة لذلك في مطحنة الصناعات الجديدة التي وقودها الإنسان وقيمه، بحيث تُحَوَّل تلك الأخيرة إلى مجموعة من السلع التي تباع و تشرى في أحياز اقتصاد السوق البربري ابتداءً من أفضية الدعاية والإعلان، مروراً ببعض البرامج الفضائية، ووصولاً إلى البيع العلني والمشخص عبر الوسائل المختلفة؛ وكل ذلك تحت شعارات مواكبة الحضارة وتقاليدها عبر الإمساك بها من ذيلها أو جيوبها أو مواقع أخرى.

ومن خلال ذلك الخضم الضبابي يطرح السؤال التالي ذاته وهو يستفسر عن موقف المثقف العربي من ذلك الوقع المحيط بالمرأة العربية؛ وكيف يمارس ذلك الموقف؟

وإذا ما حاولنا تلمس الإجابة عن هذا التساؤل نستطيع الإشارة إلى نقطتين محوريتين:

أولاهما: هو الإهمال الملحوظ من المثقفين العرب للتعامل مع مفهوم تحرير المرأة بحيث يقود ذلك إلى اشتقاق أفق عقلاني وواقعي يستطيع نقل ذلك المفهوم إلى ميدان التطبيق العملي والمنسجم مع القانونيات الداخلية للمجتمع العربي؛ وأستطيع أن أبرر ذلك الإهمال مرحلياً - والذي لا يستقيم استمراره- بانشغال المثقفين العرب بالحفاظ على عقولهم وحياتهم ولقمة خبزهم، والدفاع عن القضايا التي تمس الوجود المباشر لمجتمعاتهم المستلبة عمقاً و سطحاً بقوى و مفاعيل الاستبداد القروسطي بصيغته البائسة عربياً؛ إذا استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.

وثانيهما: وهي الأخطر وتتمثل في حالة الازدواجية التي في الممارسة والقول، والتي تستمرئها بعض الشرائح المتعلمة، والتي ليس بالضرورة شخوصها مثقفون منظوراً إليهم بمنظار واجبات والتزامات المثقف العضوي؛ من خلال ممارستها ببهلوانية هائلة مقولات التحرر والتقدم بطريقة انتقائية وشكلية، ثم تروح عقب ذلك تُحرِّم نفس المقولات والممارسات على الأخريات والآخرين، وتشجب حتى الاقتراب منها، عندما لا تستطيع تلك المقولات أو الممارسات تحقيق الأهداف الشخصية الذرائعية المحضة منها، أو الدعائية المنوطة بها.

وإن تلك الأطروحة تضعنا مباشرة أمام سؤال وجودي محوريٍ إلى الحد الأقصى مفاده: إلى متى سيظل الكثير منا يمارس الازدواجية بين الشعارات الفكرية و السلوكية التي يطلقونها وبين ممارساتهم في حيواتهم المعاشة يومياً بكل عجرها وبجرها الذي لا يبرر بأي حال أي نمط من التفارق الريائي التلفيقي الصريح أو المخاتل الموارب؟

وفي الختام قد يكون من الحصافة استحضار عبارات الفيلسوف لوكا تش عن تطور المجتمعات في قوله: «قد يصبح التقدم الاجتماعي مسخاً كسيحاً إن لم نستطع ابتناء وحدة عضوية بين الوعي والممارسة من خلال إعادة ابتناء وحدة عضوية تتمثل الوعي القديم لتطوره، وتمضي بالمجتمع إلى أفق جديد من القوة والاندفاع تتيح له الدخول في المستقبل كما يشاء…».