أمس احتفلن بعيدهن العالمي / حول التمييز الهيكلي ضد النساء في الرأسمالية



رشيد غويلب
2021 / 3 / 8

كان أحد “الأوامر التنفيذية” الأولى للرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن هو حظر “التمييز بين الجنسين”. وإذا ما ألقينا نظرة سريعة على تركيبة حكومة بايدن فيبدو الأمر منسجما. تبلغ نسبة النساء في الحكومة 46 في المائة، و50 في المائة من قوامها ليس من البيض، و15 في المائة ينحدرون من أصول لاتينية، 23 في المائة من الأفارقة الأمريكان، 11 في المائة ينحدرون من آسيا والمحيط الهادي. وإذا ما اعتمدنا معايير الإعلام التقليدي المهيمن فان ما تمت الإشارة اليه كبير جدا، ولكن كيف تبدو حقيقة التحرر وحقوق المرأة في سياق واحدة من أزمات الرأسمالية الخطيرة؟ بالعودة إلى التاريخ المعاصر توضح صورة التقطتها المصورة دوروثيا لانغ عام 1936 لعاملة مزارع القطن في كاليفورنيا فلورنس أوينز تومسون البؤس الكامل للعاملين في سنوات الأزمة. كانت تومسون إحدى أفقر النساء. لقد جربت ما تفعله النساء العاملات عادة خلال الأزمات والكوارث والانهيارات الاجتماعية. العمل لمدة 16 ساعة يوميا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وتوفير الحد الأدنى الضروري لإنقاذ الأطفال واستمرار الحياة.
أما في عالمنا الراهن فالأمم المتحدة تتوقع، وارتباطا بالأزمة، ارتفاع معدلات الفقر المدقع
(أقل من 1.90 دولار أمريكي في اليوم) والتي ستشمل، بحلول عام 2030، أكثر من 200 مليون انسان في جميع أنحاء العالم. والنجاحات الصينية في مكافحة الفقر يتم تقويضها جزئيًا بواسطة آليات إدارة الأزمات التي يحركها الربح. وهناك عشرات الملايين من حفيدات فلورنسا أوينز تومسون، بما في ذلك في الولايات المتحدة الأمريكية.
وعالميا، تتقاضى النسوة 24 في المائة أقل من الرجال. وفي “البلدان النامية”، تعمل 75 في المائة من النساء في “الاقتصاد غير الرسمي”، حيث الدخل المنخفض جدا، الأعمال الخطرة، وفقدان الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي، وبالتالي ليس لديهن فرصة للتحرر من الفقر. وعلى النساء العمل 4 سنوات إضافية للحصول على التقاعد، مقارنة بأقرانهن من الرجال.
هذا بالإضافة إلى العمل الاجتماعي المجاني: تربية الأبناء، والأعمال المنزلية، ورعاية المرضى والمسنين. وفي جميع أنحاء العالم، تبلغ حصة النساء من العمل في هذا القطاع أكثر من الضعف مقارنة بالرجال. وتقدر قيمة هذا العمل سنويًا بـ 10,8 تريليون دولار، أي حوالي 12 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وهناك أكثر من 40 مليون انسان في العالم يشكلون ضحايا “العبودية الحديثة”. وتبلغ نسبة النساء والفتيات منهم أكثر 71 في المائة. وان امرأة من كل 130 امرأة تعيش في عبودية أو فيما يشبه ظروفها.
إن المساواة والتحرر قضية طبقية. وجميل أن تشغل النساء 46 في المائة من المناصب الوزارية في الحكومة الأمريكية، وحتى أن تصبح امرأة ملونة نائبة للرئيس، ولكن لا يغير ذلك شيئا بالنسبة لـ 12,9في المائة من مواطني الولايات المتحدة الذين يعيشون في فقر، ولا بالنسبة للنساء اللواتي يتحملن مسؤولية إعالة العائلة بمفردهن، حيث تبلغ نسبة الفقر بينهن 24,9 في المائة. وفي عام 2018، بلغ عدد الفقراء في الولايات المتحدة قرابة 40 مليون مواطن. ونتيجة للأزمة، ارتفع هذا الرقم بشكل خاطف ليصل مستويات لم تشهدها البلاد منذ 60 عاما. وهنا أيضًا، كانت النسوة أول من فقدن وظائفهن المحفوفة بالمخاطر، وانزلقن إلى البطالة والفقر، وكن أكثر عرضة للخطر وأكثر استغلالاً في سياق مكافحة الوباء، لكونهن الأكثر بين العاملين في الخطوط الأمامية في القطاع الصحي.
إن الفقر والقمع وحتى العبودية أنثى. ما فائدة العبارات عالية النبرة بشأن سياسات الهوية التي تطلقها نخبة الموظفين الليبرالية بالنسبة للمرأة العاملة؟ وما فائدة لغة الجندر، إذا لم ترتبط بتغيير جذري في واقع القمع الذي تمارسه رأسمالية الليبرالية الجديدة؟ وماذا لو استمر فاحشو الثراء في كسب المزيد من المليارات، وربع سكان الولايات المتحدة، وخصوصا النساء يعيشون في فقر، ويعتمدون على كوبونات الطعام، ومطاعم المعونات الخيرية؟ وماذا عن الملايين الذين فقدوا تأمينهم الصحي بسبب الوباء، فضلا عن عشرات الملايين الذين لا يملكون تامينا صحيا أصلا؟
وإذا كانت لغة الأرقام ترسم لنا هذه الصورة عن معاناة النساء في المركز الأول للرأسمالية في العالم، فان أحوال نساء البلدان التابعة أسوأ بكثير، وأسوأ منها أحوال نساء بلدان النزعات المسلحة، او تلك التي تحكمها دولة فاشلة كما هو الحال عندنا في العراق.