فَصل العطاء



شيري باترك
2021 / 3 / 13

قبلَ الساعةِ السابعةِ استيقظتُ من نومِي على صوتِ أُمي المغمورُ بالنشاطِ والقوةِ، فهي تَعلمُ جيدًا أن يومي ممتلئ الأحداثِ والتنقلاتِ ، تَعلمُ أنني أُحاولُ إتمامَ جزءًا ليس سهلًا في رسالةِ الدكتوراةِ الخاصةِ بي،رغم أن أُمي سيدةٌ قرويةٌ مُنغمسةٌ في البساطةِ لكنها منحتني قوةً لا تُوصفُ بالمفرداتِ..
وفي نداءِ أُمي لأستيقظَ مُنحتَ القوةَ، النشاطَ، المحاولة، قتلَ اليأسِ.. استيقظتُ كعادتي واستمعتُ إلى الموسيقى وأنا أرتدي ملابسِي الثقيلةِ جدًا من أجلِ التنقلاتِ.. أَحتسيتُ قهوتي دونَ سُكرٍ، من دونِ طَعامٍ قبلها كعادَتي أيضًا..
ثُمَّ جاءَت إحدى الجميلاتِ لِتُصفِفَ شَعَرِي وتَضعُ بعضَ أدواتِ التجميلِ لي فأنا لا أُجيدُ ذلكَ الفنَ، وأَصبحتُ جميلةٌ بسببِ ما صَنعَت بي، ثُمَّ جاءَت صغيرتُها ذلك العصفورُ الذي يشدو بأَجملِ الألحانِ، ولكن العصفورَ يبدو أنَّهُ أَهملَ في واجباتِهِ فهوَ يهوَى الألعابَ على هاتفِ أَبيهِ..
فقُمتُ بالمساعدةِ لهُ في المَهامِ ..
ولكن ما أَثارَ دهشَتِي هو محتوى المَهامِ التي يَنبَغِي القيامُ بها..
ففي مادةِ الحسابِ كان المحتوَى يتحدثُ عن شهورِ السنةِ الميلاديةِ وفصولِ السنةِ..
ذلك المحتوَى للصغيرة التي لم تَصلَ بعدُ إلى عامِها السادسِ..
بعدها رَحَلتُ من المنزلِ لكن لا يزالُ النشاطُ يغمرُنِي.. وحينما رأيتُ الطلبةَ والطالباتِ والإبتساماتِ تُرسَمُ على وجوهِهم أَدركتُ أنه يومًا مميزًا.. وبعدَ عشرونَ دقيقةٍ وَصلَت السيارةُ إلى مكانٍ جيدٍ يعالجُ مَن تَملكَت النيرانُ أجسادَهم أمثالي.. ذهبتُ إلي تلكَ الجميلةِ التي تُعَالِجُنِي وحينَما تلاقَت عينانا قالَت والبهجةُ تَغمِرُ وجهَها: إنني أَشعرُ بالأملِ كُلَّمَا رأيتُكِ..
لماذا قالَت ذلكَ؟
رغمَ أنني لم أفعلُ شيئًا، ولم أتَفوَهُ بكلمةٍ..
أعتقدُ أنها تَنشرُ الحُبَ والتفائُلَ في النفوسِ قبلَ أن تِعالجَ حُرقَ أجسادَهم..
أَعتقدُ أنها أَيقونةً تسيلُ منها كلماتٍ تُشفِي الأرواحَ المُتعبةَ قبل الأجسادِ المُحترقةِ ..
ثم ذهبتُ إلي محطةِ القطارِ، ولا جديدٍ هناكَ..
فالناسُ كعادَتِهم يتحدثونَ..
أو يَنظرونَ على المَارةِ كأنَّهم كائناتٍ فضائيةٍ..
كعادَتِي لم أُبالِي ..
جلستُ أستمعُ إلى الموسيقَي ..
وأَلتقطُ بعضَ الصورِ وأنا مُبتسمةٌ..
ثم أَرسلتُ رسالةً إلي صديقتِي أخبرتُها أنني أَنتظرُ القطارَ ..
حدث شيئًا ليسَ مُختلفًا ولكنني انتبهتُ لهُ..
سيدةٌ في عقدِها الرابعِ ومعها طفلةٌ لم تتجاوزَ الخمسَ سنواتٍ قالت للمسافرينَ عبارةً من ثلاثةِ كلماتٍ جعلَت الكُلُّ يُعطِيها المالَ والإبتسامةُ تملأُ وجوهَهُم.. قالَت السيدةُ: إنها طَفلةٌ يتيمةٌ.. لا أَعلمُ لماذا شَعرتُ بالفرحِ من أَجلِ ذلكَ، رغم أنني أشعرُ بالحزنِ والكآبةِ حينما أرى الصغارَ يتسوَلونَ..
الصغار يَنبغي أن يلعبونَ،يمرحونَ، يعزفونَ، يشدونَ، يتعلمونَ..
قُلتُ لنفسِي : حقًا الحياةُ قاسيةٌ على من لا يَملِكُ إلا إحسانَ البعضِ..
عُدتُ إلى استماعِ الموسيقَى وبينما أنا أَفعلُ ذلكَ تذكرتُ فصولَ السنةِ واجبَ الحسابِ الذي كانَ من مَهامِ صغيرتِنا..
وقلت لنفسي مرةً أُخرى: ينبَغِي أن يكونَ هناكَ فَصلٌ يُسمَى فَصلَ العطاءِ..
فأُمي أَعطَتني القوةَ والنشاطَ، وزوجةُ أَخي الأكبرِ أَعطتني بريشتِها بعضَ لمساتِ الجمالِ، وأنا أَعطيتُ إلى الصغيرةِ بعضَ العلمِ، وأعطيتُ البعضَ ابتساماتٍ خلالَ تلكَ الساعاتِ، والممرضةُ أَعطَتني كلماتٍ مُشجعةٍ تُساعِدُنِي هي ورفاقها على التعافِي، والمسافرون أعطوا الطفلةَ المالَ، وأنا قُمتُ باستبدالِ مقعَدِي ليجلسَ الشريكينِ معًا وجلستُ أنا في مقعدٍ منفردٍ أُحاولُ الكتابةَ وأَعطَتني صديقَتي صورةً تُناسبُ كلماتي..
حقًا إننا بحاجةٍ لفصلِ العطاءِ يكونَ للجميعِ دونَ تمييزٍ، دونَ انتظارِ شهرًا معينًا أو أيامًا بعينِها فكلما كانت أعضاءُ الجسدِ الواحدِ تعُينُ بعضَها ينبغي علينا أَن نفعلَ ذلك . فالعطاءُ قِطارًا سيصلُ بنا إلى النعيمِ .. وفَصلُ العطاءَ يُفترضُ أن يكونَ طِيلةَ العامِ .