النساء والديمقراطية في يوم المرأة العالمي: درس من ميانمار



فيحاء عبد الهادي
2021 / 3 / 16

"علينا أن نتعلم ألاّ نمنح الأشخاص صورة الأيقونة؛ فهذه الصورة تفوق طاقة الإنسان". ديريك ميتشيل. ارتبط اسم"أونغ سان سو تشي" في ميانمار (بورما سابقاً)، وفي العالم، بالنضال ضد الاستبداد، وبالدفاع عن الديمقراطية.

ومنذ أن نالت جائزة نوبل للسلام العام 1991 - حين كانت تخضع للإقامة الجبرية في منزلها - عرفت بأنها علم من أعلام حقوق الإنسان، وأنها مثال حيّ للقوة والصبر والبأس والتحدي.

كان لزعيمة ميانمار موقف واضح وحاسم مع الديمقراطية، وضد الاستبداد؛ ما جعلها تشكِّل حزب "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية"، وتصمِّم على تحمّل معاناة السجن، والإقامة الجبرية في بيتها، مدة خمسة عشر عاماً، دون أن تيأس من إمكانية تحقيق أهدافها، في حرية ميانمار، تحت حكم ديمقراطي متعدد الأحزاب.

فازت في أول انتخابات ديمقراطية في تاريخ البلاد، العام 1990؛ ومع ذلك لم يسلِّمها الجيش السلطة، وفرض عليها الإقامة الجبرية، ولم يفرج عنها سوى العام 2010.

دخلت البرلمان في 2012، وفي 2015، فاز الحزب الذي تترأسه بالانتخابات فوزاً ساحقاً، وأسَّس أول حكومة مدنية منذ نصف قرن في ميانمار، ومنح الجيش "أونغ سان سو تشي" منصب مستشار دولة، بعد منعها من تولي الرئاسة وفقاً لدستور البلاد، بسبب ولديها اللذين يحملان جنسية أجنبية.

وفي 1 شباط 2021؛ انقلب الجيش عليها وعلى الدولة المدنية، وأعاد فرض سيطرة الجيش على البلاد.

هل يمكن الجمع بين محاربة الاستبداد وممارسة التمييز ضد عرق أو جنس أو دين؟

هل يمكن للإنسان؛ رجلاً أو امرأة أن يكون ديمقراطياً، ويصمت بل ويدافع عن إبادة أقلية من الأقليات العرقية في بلاده؟

جاء موقف "أونغ سان سو تشي"، من أزمة الأقلية المسلمة "الروهينغا"، حين اعتبرت أنهم مجرّد مجموعة إرهابية؛ انتهازياً ومتعارضاً بشكل صارخ مع مبادئها الديمقراطية؛ ما حدّ من شعبيتها عالمياً، وسبَّب انطلاق حملات عديدة تطالب بسحب جائزة نوبل منها، وبالاستقالة من منصبها، وإلغاء العديد من الأوسمة التي نالتها.

"تحوَّلت رئيسة حزب "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية في ميانمار"، من حائزة جائزة نوبل للسلام إلى منبوذة دولياً".

حين أصبحت "سو تشي" الزعيمة الفعلية للبلاد؛ أدركت أنها لن تستطيع إنجاز الكثير، ما دام الجيش يحتفظ بربع مقاعد البرلمان، وبحقائب وزارية سيادية أساسية، منها وزارة الدفاع، ووزارة الداخلية، وشؤون الحدود، ولذا؛ وعوضاً عن تقليص دور الجيش في الحياة السياسية، والعمل على حلّ محنة الروهينغا، كما تعهدت خلال فترة الانتخابات؛ حاولت كسب صداقة الجيش، كي يقف إلى جانبها.

هادنت الجنرالات ضمن حكومتها، ووصفتهم باللطف، وغضَّت النظر؛ بل ودافعت عن حملة تشريد وإبادة قرابة مليون مسلم/ة منهم، وعن ممارسة العنف الجنسي ضد نسائهم وفتياتهم، هذا العنف الذي رصده ووثّقه تقرير الأمم المتحدة، العام 2017، والذي دعا إلى محاكمة قادة في الجيش الميانماري بتهمتي "الإبادة الجماعية" و"التطهير العرقي"، وكلتاهما جريمة ضدّ الإنسانية.

زيَّنت ما قام به الجيش بقولها: "إن الجيش يعمل على فرض سيادة القانون"، ولم تكتفِ بذلك؛ بل وقفت أمام محكمة العدل العليا العام 2019؛ دون أن تذكر كلمة روهينغا، ووصفتهم بأنهم مجموعة من "المتطفلين الإرهابيين"، تماماً مثلما يصفهم الجيش.

كيف تصرَّف الجيش مع "السيدة" زعيمة البلاد؟ هل ساندها لتحقيق أهدافها، كما توقعت؟

انقلب جنرالات الجيش عليها؛ لأنهم لم يعودوا بحاجة لها. أعلنوا أن الانتخابات باطلة، واستولى الجيش على السلطة بالعنف، ونكَّل بالمعارضة، مستخدماً القوة المفرطة، والاعتقال التعسفي، والقمع بأشدّ أشكاله.

تنكَّر لنتائج الانتخابات، وإرادة الشعب، واستعان بطائرات استطلاع إسرائيلية الصنع، وبرمجيات أميركية، وأجهزة أوروبية، لقمع المتظاهرين ضد الانقلاب، وأنهى واقعياً عشر سنين من الديمقراطية الشكلية، في البلد الذي يحكمه العسكر منذ العام 1962.

لم يجدِ اللطف مع العسكر نفعاً، ولم تجدِ المهادنة، وثبت بالملموس أنه لا يمكن أن تعمّ الديمقراطية في بلد يحكمه العسكر.

اعتقل الجيش السياسيين المدنيين قبل ساعات من انعقاد البرلمان، وعاد ليفرض سيطرته على طول البلاد وعرضها، ويقمع المتظاهرين، وأعاد الزعيمة المنتخبة إلى الإقامة الجبرية.

كيف تصرَّف الشعب بعد الانقلاب؟

تظاهر مئات آلاف الأشخاص والمؤسسات؛ رفضاً للانقلاب، ورفعوا شعارات واضحة: "لا للديكتاتورية"، "نعم للديمقراطية"، "نعم لدولة مدنية"، "حرِّروا قادتنا" و"احترموا أصواتنا" و"ارفضوا الانقلاب"، "لا للعسكرية"، ""لنناضل معاً ضد الحكم العسكري"، "أوقفوا كل أشكال العنف في ميانمار"، "ما يحدث في ميانمار ليس شأناً داخلياً"، "ادعموا الديمقراطية في ميانمار".

ونحن نحتفل بيوم الديمقراطية (7 آذار)، ويوم المرأة العالمي (8 آذار) 2021، أي درس من ميانمار! وأي حكمة!

الديمقراطية لا تتجزأ. لا تجدي أنصاف الحلول.

علينا أن نتعلم ألاّ نمنح الأشخاص صورة الأيقونة. لا بشر فوق النقد.

كل الدعم من فلسطين لشعب ميانمار في نضاله لوقف أشكال العنف كافة، ولتحقيق الديمقراطية.

لا أمان ولا سلام للبشرية سوى بالنضال ضد الفكر العسكري، وملاحقة مجرمي الحرب، حتى نصنع السلام في الفضاء الخاص والفضاء العام، وحتى نحصد الأمان الإنساني.