الطلاق التعسفي وفق قانون متعسف



نادية خلوف
2021 / 3 / 28

عندما تستعرض ما يجري للنساء المطلقات في العالم تعتقد أنّ جميع الرّجال يتبنون أحكام قانون الأحوال الشخصية للمسلمين ، حتى لو لم يكونوا مسلمين مثل: تعدّد الزوجات تحت أسماء مختلفة كالصداقة ، الطلاق التّعسفي ، غسل العار بقتل المرأة ، وربما الانتقام ، و أشياء أخرى . أود أن أتحدّث عن ما يسمى الطلاق التّعسفي، وتعسّف المحكمة في تطبيقه في الوطن العربي بشكل عام ، وسورية بشكل خاص .
تواطؤ القانون لصالح الرجل
ماهي حقوق المرأة في حال الطلاق التعسفي؟
في أغلب الدّول الغربية أوجدوا حلولاً تجعل المرأة تحصل على الحقوق المادية ، فالزواج المسجل قانوناً يتقاسم فيه الزوج و الزوجة الثروة عند الطلاق سواء كان تعسفياً أم لم يكن، لكن ذلك لا يتناول الزواج الغير مسجل، و الذي يسمى زواج فرند ، وهذا الزواج شائع لدى الجاليات الأسلامية أيضاً في الغرب ، حيث يسجل الزواج عن طريق الشيخ و الشهود، ولا يثبت في المحكمة، و المرأة هي الخاسر الوحيد.
لو عدنا إلى قانون الأحوال الشخصية ، فسوف نعرف أنّه :
"إذا طلق الرجل زوجته، وتبين للقاضي أن الزوج متعسف في طلاقها دون سبب معقول، وأن زوجته سيصيبها بذلك بؤس وفاقة جاز للقاضي أن يحكم لها على مطلقها بحسب حالة ودرجة تعسفه بتعويض لا يتجاوز مبلغ نفقة ثلاث سنوات لأمثالها فوق نفقة العدة، وللقاضي أن يجعل دفع هذا التعويض جملة، أو شهرياً بحسب مقتضى الحال".
حتى تستحق المرأة التعويض عن ذلك الطلاق يجب أن يكون الزوج متعسفاً بطلاقها، أي إنه طلقها دون سبب مشروع. وإذا كان هناك سبب مشروع للطلاق وجب أن يكون هذا السبب معقولاً.‏
اشترط القانون لاستحقاق الزوجة التعويض أن يصيبها من جراء ذلك بؤس وفاقة، فإن كانت موظفة، أو ذات مال، فلا تعويض لها.
لا عجب أن يكون هذا هو وضع المرأة بعد انتهاء صلاحيتها لا ستعمال الرجل ، ولعشرة عمر معه، و التّعرض إلى الذّل اليومي، و الصبر على ذلك الذّل لأن أمها توصيها بالصّبر ، وثقافة الصمت تجعلها تخجل من تعرضها للإهانة حيث تعتبر نفسها مع مرور الوقت أنّها مخطئة فعلاً، و أنها تستحق تلك المعاملة.
أحياناً نتساءل : لماذا وضع هكذا قانون متعسّف ؟
وهل استطاعت أغلب النّساء المطلقات تعسفياً ، أو غير تعسفياً من تحصيل "حق" له؟
كذبة المهرلعبة للتحايل على النساء المعنفات و المطلقات ، فأغلب النساء يدفعن ثمن المهر من الذهب لشراء بيت يسجل باسم الزوج مثلاً ، وبعد أن تخسر الزوجة شبابها ومالها يقول لها الزوج " ليس لك شيء لدي. يزهو منتصراً بإذلالها، ويزهو القانون برفقته ، فقد حمى المرأة من الفاقة، وسنوات عمرها التي دفعتها لا قيمة لها حتى لو كانت موظفة ، وتنفق من مالها على أسرتها ، كما أنه لا يحق لها في هذه نفقة الطلاق التعسفي .
نحن هنا لا نناقش قضايا قانونية ، بل قضايا إنسانية ، و إذا كان المجتمع الغربي توصل إلى قوانين تحمي المرأة و الأطفال من التّعسف ، رغم ذلك فالمجتمع الغربي ذكورياً ، فقط هناك قانون يحمي النساء، ورغم ذلك نرى بين الفترة و الأخرى جرائم قتل كي لا تأخذ المرأة نصيبها . هذا في الغرب المتقدم ، أما في الوطن العربي عامة، وسورية بشكل خاص، وبعد أن استشرى وباء الإسلاموية، فقد أصبح ثمن المرأة أقل من ثمن ربطة خبز، و "العلمانيين" هم أكثر من يتعسف، فالعلماني السوري بشكل عام إلا ماندر قد يكون عشوائي شعبوي ، و أكثر إسلاموية من الإسلاميين .
عندما كنت محام في سورية . أتتني امرأة كردية في الخمسين من عمرها طلقها زوجها طلاقاً تعسفياً ، كانت معلمة ، ودفعت أقساط البيت الذي نقل الزوج ملكيته لأسمه، هذه المعلمة ليس لديها نفقة الطلاق التعسفي لأنها موظفة ، عادت إلى بيت عائلتها حيث والدتها السبعينية التي تعيش في رعاية أخيها . سألتني : كيف لي أن أستعيد بيتي منه؟ شرحت لها أن الأمر غير ممكن لأن بينهم عقد بيع وشراء. قالت لي: أفكّر بالانتحار . استنكرت الكلمة، قلت لها: هل تحبينه إلى تلك الدرجة؟ من لم يرغب بك عليك أن لا ترغبي فيه. قالت لي: توقعت أنّك لست مثلهم ، تتعاملين بالمنطق . الموضوع لا يتعلق بالزواج ، بل بالحياة . أنا اليوم لا أملك شيئاً، و أعيش عبئاً على أخي، و ربما أتسبب بموت أمي فهي من جهة حزينة عليّ، إضافة إلى أنها تخشى أن يتهمني المجتمع بالرذيلة، ولا حل بيدي ، حتى أولادي قد لا يحترمونني فقد رأوني ذليلة على الدوام. أنا اليوم لا شيء،لماذا أبقى على قيد الحياة؟ قلت لها: يجب أن تبقي على قيد الحياة كي تعلّمي ابنتك على الاستقلال الاقتصادي، وعدم التفريط بالحقوق الشخصية . قالت: ربما هناك سبب آخر ، وهو أنّه علي أعيد تأهيل نفسي كي أصبح امرأة ناضجة، وليس امرأة تبحث عن زوج فقط ، لكن الدّرس كان قاس، و الثمن باهظ.
تعسف القانون ، و تعسف الرجل معادلة سليمة ، فالرجل هو من صنع القانون ، و سوف يكفرونك عندما تتحدث بطريقة عقلانية عن الطلاق التعسفي ، وسوف تضجّ وسائل التواصل ليقولوا لك، ورد في صحيح البخاري عن فلان بن فلان بن علان أن حكم الشّرع هو كذا وكذا ، وتكون المرأة المطلقة تعسفياً قد اختبأت خلف سبع أبواب كي لا يألكلها الغول. الغول هو ذلك المجتمع الجاهل الذي يحارب الضحية، ويتهمها.