النساء في سوق العمل غير الرسمي والتشغيل الذاتي في فلسطين



سلامه ابو زعيتر
2021 / 3 / 31

بسم الله الرحمن الرحيم
30/3/2021
النساء في سوق العمل غير الرسمي والتشغيل الذاتي
مقدمة:
تعاني النساء العاملات الكثير من تحديات ومشاكل منذ خروجهن للعمل وخاصة في ظل ارتفاع نسب البطالة ومعدلات الفقر، حيث بلغت نسبة البطالة في صفوف النساء العاملات 80% وزادة في ظل تداعيات كورونا، وحالة الاغلاق والحجر الصحي التي طالت الكثير من القطاعات التشغيلية والإنتاجية في سوق العمل، وعند الحديث بعمق عن واقع النساء العاملات وضمن منهجية مبنية على التحليل نجد أن النساء العاملات هن الأضعف في معادلات سوق العمل ارتباطا بالعديد من الأسباب والعوامل التي تضعف مشاركتها وتعرضها أحيانا للاستغلال وسلب الحقوق والتحرش والعنف المبني على اساس النوع الاجتماعي، ومن خلال هذه الورقة سأقوم بتناول الموضوع من جوانبه بهدف تسليط الضوء على واقع النساء في سوق العمل غير الرسمي، وهو الأكثر تشغيلا للنساء في ظل الواقع حيث يشتغل فيه اكثر من 55% نساء، في ظل غياب القوانين وشروط وظروف عمل مجحفة، والاشارة للتشغيل الذاتي وطبيعته والتحديات المعيقات التي تواجهه في ظل انتشاره في محافظات غزة وخاصة العمل عن بعد وما يواجه من مشاكل وجميعها قضايا مهمة في تشغيل النساء العاملات تحتاج للبحث والتقصي في محاولة لفهمها والوقوف عليها وتسليط للضوء حولها ورصد وتوثيق الانتهاكات والواقع، والتدخل لحماية المرأة العاملة والوقوف على مشاكلها ومعالجتها بالنضال النقابي والاجتماعي وتطوير التشريعات المنظمة للحقوق الاجتماعية العمالية.
أهداف ورقة العمل:
تهدف هذه الورقة للتعرف على التالي:
- عمل المرأة في الاقتصاد غير الرسمي واقع وتحديات
- العمل غير الرسمي في الحقوق المترتبة على العمل اللائق للمرأة
- عمل المرأة والية التشغيل الذاتي، الشروط والمتطلبات.
- وضع تصور لتحسين ظروف العمل للنساء في سوق العمل غير الرسمي والتشغيل الذاتي.
اولا/ عمل المرأة في الاقتصاد غير الرسمي واقع وتحديات
يعرف الاقتصاد غير الرسمي بانه مجموعة الانشطة الاقتصادية التي تحدث خارج منظومة الاقتصاد الرسمي ولا تخضع للقوانين والأنظمة المعمول بها، أو لرقابة وضبط الحكومة، وفيه أنواع وأشكال من الدخل غير منظمة أو مضبوطة، وهذه النشاطات الاقتصادية لا تخضع للضرائب ولا تراقب من قبل الحكومة ولا تدخل ضمن الناتج القومي الإجمالي، على العكس من الاقتصادي النظامي أو الرسمي، وهذا الشكل موجود في كل العالم بنسب متفاوتة أكثرها بالدول النامية.
ويعمل عدد كبير من العاملات والعمال في الاقتصاد غير الرسمي، ويتفاعل باستمرار مع الاقتصاد الرسمي، إلا أن من أهم المشاكل المرتبطة به هي غياب الأرقام والإحصائيات والبيانات حوله، إضافة لغياب المعلومات عن ظروف وشروط العمل في هذه القطاعات غير المنظمة وبالأخص ارتباطا مع المجموعات المهمشة مثل النساء، والنساء هن من يعملن في الاقتصاد غير الرسمي بشكل رئيسي وهي الظاهرة متشابهة في كل الدول.
وبالنسبة لواقعنا الفلسطيني فيشكل العمل غير الرسمي تقريبا نسبة لا تقل عن 40% من حجم العمالة، وتشغل النساء العاملات فيه نسبة لا تقل عن 55% وذلك يعود للأسباب التالية:
- ارتفاع نسبة البطالة في صفوف النساء العاملات، وخاصة الخريجات والتي تزيد عن 60%.
- عدم قدرة سوق العمل والقطاع الخاص على استيعاب الاعداد الكبيرة من النساء العاملات اللواتي يرغبن بالالتحاق بسوق العمل.
- تداعيات النظام الأبوي والعمل الاسري والعائلي والذي انعكس على واقع مشاركة النساء الاقتصادية، وحد من وصولها لفرص عمل في بعض القطاعات الإنتاجية وبعض المهن.
- انخفاض تشغيل النساء في القطاعات الصناعية والإنتاجية للعديد من العوامل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
- غزو الاسواق الفلسطينية بالمنتجات الأجنبية والصينية والإسرائيلية الاسواق وتأثيرها السلبي على القطاعات الإنتاجية الفلسطينية، وهذا يقلص فرص العمل.
وهذه الأسباب وغيرها ساهمت في دفع النساء العاملات للبحث عن بدائل للتشغيل واستحداث فرص عمل جديدة في مجال العمل غير الرسمي، في ظل من محدودية فرص العمل في سوق العمل المنظم بشكل عام، وبالتالي يبقى الملاذ أمام النساء هو الانخراط في أعمال تعتبر تقليدية للنساء وعائلية أوضمن شروط المشغلين والفرص المتاحة في واقع غير منظم.
وتواجه لنساء العدي من التحديات في سوق العمل غير الرسمي ومنها:
- غياب الرقابة والمتابعة من الجهات الرسمية.
- تدني الأجور واستغلال لظروف وشورط العمل وغياب القانون.
- ضعف الموارد والامكانيات المالية، وخاصة للنساء صاحبات المشاريع الصغيرة، وفي ظل جائحة كورونا وقع ظلم كبير عليهن ....
- قيود الملكية للأرض والتوارث والتي تكون في العادة لصالح الذكور.
- غياب التنظيم النقابي الذي يمثلهن ويدافع عنهن في سوق العمل غير الرسمي.
مشاركة النساء في سوق العمل والعملية الاقتصادية تساهم في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية وصولا للعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، ولمواجهة كافة الإشكاليات والتحديات يجب العمل على تحقيق العمل اللائق وترسيخ مفاهيم ومعايير الحماية الاجتماعية والضمان الاجتماعي وتقليص الفجوات في تشغيل النساء وتأنيث الفقر، فمعظم الدراسات والبحوث تؤكد حجم معاناة النساء العاملات في الاقتصاد غير الرسمي، ولا يمكن للمجتمعات ان تنهض في ظل معاناة النساء وتعرضهن للاستغلال في سوق العمل، ولتحقيق التنمية المستدامة يجب الاخذ بعين الاعتبار كل أفراد المجتمع وخاصة النساء فهن نصف المجتمع، ولا تنمية بعيدا عنها.
وبالنتيجة فإن تدني مشاركة المرأة في سوق العمل يعكس واقع ضعف الاقتصاد الفلسطيني والمشاكل، البنيوية التي يعانيها، في ظل الحصار والتبعية الاقتصادية وسياسات الاحتلال وقلة الموارد.

ثانيا/ العمل غير الرسمي والحقوق المترتبة انسجاما مع معايير العمل اللائق للمرأة
يشكل العمل غير الرسمي في معظم الأحيان مدخلا للاستغلال فهو اقرب لسوق عمل اسود اذا ما غابت عنه إجراءات وسبل الرقابة وتنفيذ القانون وهو يؤثر سلبا على علاقات العمل ويوقع ضرر وانتهاك لحقوق الفئات العمالية الهشة والضعيفة وخاصة النساء العاملات اللواتي يعملن مغلوبا على امرهن بسبب الأوضاع وغياب القانون مما يمس بحقوقهن، في ظل غياب الدور الرقابي وضعف تنفيذ القانون وركاكة إجراءات واليات ضبط علاقات العمل، وهذا يتعارض مع حقوق الانسان والمعايير الدولية للحق بالعمل اللائق، والتي تؤكد على حق العمل لكل انسان قادر عليه، مع ضرورة توفير شروط وظروف عمل لائقة وإنسانية وحماية حقوق العاملات والتي تتعلق بالتالي:
- الحق بالآجر الكريم
- العدالة والتساوي في الحقوق.
- توفير بيئة عمل آمنه وصحية وتطبق معايير السلامة المهنية.
- مراعاة ساعات عمل وفق القانون.
- مناهضة كل اشكال العنف والتحرش على أساس النوع الاجتماعي.
- الحماية الاجتماعية والتأمينات من المخاطر.
- التدريب وتنمية المهارات والقدرات.
لتحقيق ذلك يجب ان تلتزم الجهات الرسمية بتطوير سياساتها فيما يتعلق بالتشغيل في الاقتصاد غير الرسمي بحيث يكون هنا اليات وإجراءات متابعة تساهم في مراقبته وتنظيم علاقات العمل لتنفيذ قانون الحمل لحماية العاملات من الاستغلال واهدار حقوقهن العمالية.
ثالثا/ المرأة والية التشغيل الذاتي، الشروط والمتطلبات:
يعتبر التشغيل الذاتي أحد الوسائل والاشكال والفرص الجديدة للانخراط في سوق العمل في ظل التحديات والمتغيرات والمهن المستحدثة، والعمل عن بعد، كاستجابة طبيعية للعالم الحديث والرقمنه والتكنولوجيا التقنيات الجديد، وهذا المجال ساهم في زيادة مشاركة المرأة في العمل باعتمادها على قدراها الذاتية، ومهاراتها لتحقيق دخل ثابت، وهناك تجارب عديدة للعمل الذاتي، والحر، والعمل عن بعد: كالتجارة الالكترونية والتسوق والتسويق والاعلام الالكتروني، ....الخ، والتي حققت من خلاله النساء مدخولات مناسبة، وساهمت في اعالة نفسها واسرتها وبحسب الدراسات فأن العمل الذاتي يواجه مشاكل تحديات واحيانا يتعرض العاملين فيه للتنمر والنصب والاستغلال، والذي يوقع الضرر على العاملين والعاملات فيه مما يدعو لضرورة تطوير السياسات والتوجهات الرسمية لتنظيمه وتذليل العقبات فهذا النمط من العمل يحتاج لشروط ومتطلبات ومنها:
- ان يكون لصاحب المشروع مهارات ذاتية وقدرات يمكن أن يبني عليها فكرته ويطورها من خلال التدريب والتأهيل.
- أي مشروع ذاتي يحتاج لرعاية وتمويل ولخطة ولدعم ومساندة.
- هذا النمط الجديد من التشغيل يحتاج لقوانين وتشريعات لحمايته وتنظيمه.
- يحتاج لدراسات وبحوث مختصة لتطوير هذا النوع من الاعمال.
- يجب توفير مؤسسات تقدم الرعاية والدعم للأفكار الريادية والمبادرات الذاتية للتشغيل.
- تقديم المساعدة لتطوير المشاريع الذاتية الناجحة، سواء بالعم المالي والقروض الحسنة والتسهيلات المطلوبة لتحقيق النجاح والتقدم.
لتعزيز العمل والتشغيل الذاتي للنساء يجب تطوير السياسات العامة للتنمية والتشغيل ووضع الخطط المناسبة لمواجهة التحديات والمعوقات التي تواجهه، بالإضافة لضرورة تعزيز ثقافة المجتمع الإيجابية نحو عمل المرأة، واهمية ذلك للتنمية وتشجيع الاستثمار الجماعي وخاصة من خلال التعاونيات الإنتاجية وحاضنات الاعمال بحيث يتم توحيد الجهود لحمايتهن من الاستغلال، او الفشل.
رابعا/ تصور لتحسين ظروف العمل للنساء في سوق العمل غير الرسمي والتشغيل الذاتي.
اعتقد ان النساء في ظل هشاشة سوق العمل وغياب الرقابة يعرضهن للانتهاكات والتحرش والعنف وهذا يحتاج لتدخل حقيقي وفعال من خلال تصور مقترح لبناء خطة تدخل لحماية النساء العاملات ومن هنا اقدم بعض التوصيات وهي:
- زيادة الوعي لدى المجتمع بأهمية عمل المرأة ودورها بالتنمية. وذلك من خلال حملات التوعية للمجتمع والمرأة نفسها عن طبيعة العمل وقيمته.
- العمل على خلق بيئة داعمة لتشغيل النساء العاملات ودمجهن في سوق العمل وتقليص الفجوة في نسب البطالة بين العملات والعاملين.
- خلق فرص عمل جديدة لإعطاء النساء مزيداً من الخيارات للاندماج والالتحاق بسوق العمل.
- العمل على توفير تطوير سياسات التعليم العالي وتطوير التخصصات من خلال إعادة النظر بالمناهج والتخصصات الأكاديمية وموائمتها مع احتياجات السوق الفلسطيني.
- تطوير المهن وسياسات التدريب المهني وفق احتياجات سوق العمل ولتنمية مهارات النساء وإعادة تأهيلهن للمهن الجديدة.
- على الحكومة ان تشارك النساء العاملات من خلال مؤسساتهن في التخطيط والتدخل لتحسين الواقع في سوق العمل.
- توفير دراسات لفهم واقع مشاركة النساء في سوق العمل.
- التشجيع على زيادة نسبة تشغيل النساء العاملات في القطاع الخاص وتطوير التشريعات لحمايتهن وخاصة قانون العمل الفلسطيني.
- دعم المبادرات والتشغيل الذاتي من خلال دعم التعاونية النسوية والمشاريع الجماعية المنتجة والصناعية، وتقديم الدعم والتدريب الازم لإنجاح الفكرة والمشروع والمتابعة الفعالة له.
- تنظيم النساء العاملات في سوق العمل غير المنظم في اجسام نقابية تدافع عنها وتناضل من أجلها.
أخيرا ان مشاركة المرأة في سوق العمل يحتاج دائما لرعاية ومتابعة وحماية لها وتدعيم ومساندة للقيام بواجباتها وادوارها المهنية والعملية والمنزلية، لذا لنعمل سويا على تعزي مشاركتها في بيئة عمل لائق وعمل كريم
مقدمة من/ د. سلامه أبو زعيتر
عضو الأمانة العامة للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين