رواية: بيت بِثلاثة جُدران-لوليتا- (23)



فرياد إبراهيم
2021 / 4 / 8

الجزء الثالث
لوليتا
**
23
لاحظت تقوس ظهره لاول مرة فما اشبهه بالشبح في تلك اللحظة بسرواله وقميصه الابيض. انتابها شعور بالنفور والاشمئزاز. شع شارباه من تحت ضوء السراج، ولاول مرة بدت لها خطوط بيضاء في ثنايا شعيراته السوداء. رفعت عيونها الى صورة بالابيض والاسود، على الحائط، صورة مصطفى الشاب العريس في بذلته الرمادية وابتسامته العريضة ، والتجعيدتين الطويلتين المتوازيتين اللتين علتا جبينه العريض، وأخريتين على جانبي فمه ، وقد أختفى شعر راسه تحت طاقية مستديرة سوداء، و الارتفاع الملحوظ في منتصف الانف ، كان يمسك بيدها، وهي ترفل في فستانها الابيض، فستان العرس ، و شعرها القصير العاجي، وقوامها النحيل ، وابتسامتها الخجولة ولا اثر لاسنانها.
كانت طفلة ذات اربعة عشر ربيعا عندما جاء من وراء الحدود على ظهر حصان اصهب ليطلب يدها وليمنّ عليها وعلى والدها . وعلى صهوة الحصان تعارفا وتصافحا فتم الزواج والتعارف في آن واحد.
في تلك الليلة وفي غرفة رقم 1 التي تحمل اسم آخر سري ابتكرته مريم وهو(كهف مصطفى المُظلم) اعلن لها العلامة عن بدء خطته الجديدة في بحثه الطويل وهو البحث والتنقيب عن العظماء من الرجال والنساء الذين عظّمتهم العظائم والآلام. ونظريته هذه استقاها من قول كاتبين عربيين، احدهما اسمه جبران خليل جبران الذي يقول:" من رحم المعاناة ولدت كل النفوس القوية،" وآخر اسمه توفيق الحكيم: "لا يجعلنا عظماء غير ألم عظيم."
سهر سهرا طويلا الى عمق الليل وراء طاولته الخشبية العتيقة. وسهرت طويلا في الفراش الخالي من رائحة الزوج ودفئه.سهر وثابر وصمم ان لا يستكين ولا يلين ولا تغمض له عين لحين اتمام مشروعه الضخم الهادف في الترقية ومنصب المدير العام.
وسهرت وثابرت وصممت ان لا تستكين لحين الوصول الى الميستر الموسيقي الشاب. فمنذ اللقاء مع الموسيقي والدقائق القليلة التي تحدثت اليه لم يفارق محياها بصوته الرقيق . فحالما تغمض عينيها يظهر لها خياله واسلوبه المرح في التخاطب وضحكته الهادئة المقتضبة وبريق عينيه الخضراوين، فكلماته العذبة غير المتكلفة ، وصوته الرقيق الهادئ اضحت لها نوتة موسيقية ، اغنية المحب الليلية في عالم الاحلام الوردية . فقد كانت مريم تشعر، ومنذ ذلك اليوم الذي تقابلت فيه مع المعلم بأنها عادت عقدين من الزمان الى الوراء. فقد أسحرتها كلماته ومنذ متى لم تدغدغ مثل هذه الالحان شغاف قلبها وتداعب روحها المعذّبة وشخصيتها التي ضاعت في متاهات الحياة الزوجية؟ فهل انتقل تفكيرها وحرصها على ابنتها الى نفسها؟ كل معارف الدنيا لا تساوي عندها كلمة الاعجاب التي عبر عنها لها في لقائهما: ("كنت على يقين ان تكون للوليتا الجميلة ام جميلة لكنني لم أتوقع أبدا ان تكون بهذا الجمال الخارق. أنتِ أصغر بكثير مما توقعت!" وكم من مرة اعادت العبارة حتى حفظتها عن ظهر قلب.
أشار عقرب الساعة الى منتصف الليل. نهضت بتثاقل تخطو الى المطبخ ثم تعود ، يحس بوجودها ، يرفع راسه متململا من على السجل العظيم ويقول لها بصوت لا يكاد ان يُسمع: "مريم حبيبتي، انتهيت تقريبا ، تجديني حالا في الفراش."
"اواه كل ليلة نفس الكلام ." تتثائب . يقوم ويطبع قبلة على جبينها ثم يعود الى علمه المنثور فوق الطاولة المستطيلة، ترفرف فوقه بعوضة دائرة حول المصباح الأصفر، عبرت ملامح وجهه عن اشمئزاز من أزيزها ، رفع عينيه اليها مرتين بوجه مقطب كالح، وطوال جلسته تلك لاحظت مريم انه لم يرفع لها عينيه سوى مرة خاطفة.
عادت الى عالم السحر الحلال ، لم ترغب في العودة الى الحقيقة والواقع ، الحقيقة الوحيدة التي بقيت لها هما: الظلام والفراش الذي لم يعد يدفئها منذ ذلك اليوم سوى الصور والخيال، ونسيَت نفسها في سبات رومانسي.
احست بشفتيه اليابستين على رأسه، ايقظها لهاثه . "لستِ نائمة ، بل تتظاهرين بالنوم، ما كل هذا الدلال؟"
"بلى ، نمت ، وايقظتني شعرات شاربيك."
تتثائب . " انك تألمني، انها توخزني كالابر."
صمت وتثائب يليهما تأنيب: ورائحتك كريهة، انك لم تغسل اسنانك بعد، يبدو ان فرشاة العلوم والمعارف غسلت عنك كل اضراسك يا مصطفى."
"هه حالا ،" يقوم ويمضي الى المطبخ بترنح، ومن مكانها تسمع مريم صوت فرشاته الخشنة في رحلتها المكوكية بين اضراسه وثناياه غير المُنتظمة. وعاد اليها وحينها كانت مغمضة العينين اخذتها احلامها الوردية الى عالم السكون اللذيذ. وقف فوقها في سرواله الابيض الطويل . حبل سرواله الداخلي راخٍ لم يشدّه. أنصت الى انفاسها المنتظمة وتأمل رأسها الجميل المحاط بطيات شعرها الناعم كخيوط الحرير رونقا ونعومة ووجهها البرئ ذا الاستدارة المليحة وذقنها الدقيق، وأنفها المستوي الرفيع. وبلا وعي التفت الى الوراء حيث المنضدة. ثبت نظره الى القلم الراقد هناك وخال انه دبت فيه الحركة مهيبا اياه بالعودة الى عالمه الخاص ، ثمة امنيات واحلام مرئية وغير مرئية منوطة تحقيقها بعودته السريعة اليه. رأت عينيها ترفرفان ومنفذ ضئيل بين شفتيها الطريتين يسمح بمرور هواء بحجم ثغرها المكتنز، أحس بشهية خفية. صوت ناجاه في عمق الليل: لا تضيع وقتك علامة ، الفلوس والمنصب والمركز سيغنيك عن كل هذه المتاعب الليلية ، فز بهما تفز بليالي طويلة هنيّة، كَفَر الذي تذوق طعم الحياة وجيوبه فارغة ويداه تستعطيان معاشا لا يكاد يلبي طلبات الامعاء الدقيقة والغليظة والمعدة بيت الداء، اذهب هناك مستقرك كي تنال اعجابها واعجاب اطفالك ورضاهما، وثمة مستقبل رغيد في انتظراهما ، كلها شهر وبعده لن تسمع منهم شكوي لا نهارية ولا ليلية. أجاءه صوتها من لا مكان وفيه كانت نهاية تردده بين الفراش والمنضدة الخشبية: مصطفى الحيطان لها آذان لا تطبُق بكفك على فمي ، فلا شهوة ولا نشوة ان لم يتح لي الصراخ بملء فمي، انت فقط تقتل نفسك وبلا مقابل كلهم أثرَوا باتعاب لا تساوي نصف او ربع اتعابك، لولا الدجاج لحرمنا حتى من البيوض والمواد البروتينية.
"اسمه همبربر، لا ، اعتقد انه همغرغر!" غمغمت كالنائمة.
آخر كلمة منه وصلتها في عتمة الفراش كانت: غدا. وغدا وبعد ذهابه الى المركز جلست أمام المرآة لمدة طويلة تتجمل تتزينّ وتصفف شعرها وتجرب اجمل ثيابها. قالت في سرّها: لولي تقول انه يأتي الى المدرسة بعد الثانية ظهرا. اي انه يتواجد في البيت قبيل الظهر
خرجت من البيت تحمل بيدها كيسا اسود منتفخ. سلكت طريقها عبر حديقة عامة صغيرة . هناك آوت الى شجرة كبيرة اختبأت وراءها. اخرجت من داخل كيسها عباءة طويلة وبرقع تعودان الى ايام خطوبتها وقد احتفظت بهما في خزان ملابسها. لم تكن البراقع متداولة وكانت تستعمل فقط من قبل قبيلة بعينهم تسكن في اطراف البلدة. ثم مضت في طريقها وهي تردد :"اسمه همبغنر."
"يسكن في حي الفنانين."
لكنها عادت في منتصف الطريق وهي ترتجف هلعا. ضمت يداها في مناجاة وخشوع: "رباه ما أنا فاعله؟!"

**
في صباح اليوم التالي تنكرت، تشجعت، وتغلبت على مخاوفها . تزينت بإفراط بالغ كالمرة السابقة ثم ألقت عبائتها على رأسها وخرجت ، وحين بلغت حي الفنانين أسدلت برقعها على وجهها وسألت أول شخص لقيته في الطريق عن العنوان. كان رجلا كهلا يمشي متكأ على عصا طويلة ، فاشار برأس العصا الى شجرتين توأمتين على جانبي باب برتقالي اللون قائلا: هناك ، سيدتي ، اعتقد انك تقصدين ميستر الموسيقى همبرغر؟" وقبل ان ينتظر منها الجواب تراجع الى الوراء وهو يتفحص بعينيه الصغيريتين من وراء زجاجة نظاراته السميكة تحت عشين من الحواجب، وهو يقول متسائلا وقد علت وجهه امارات العجب:"من انتِ ، ولماذا تخفين وجهك سيدتي بهذا الشكل؟ هل ترومين امرا نكرا ؟ انا اخاف على الميستر المحبوب ، لابد ان تكشفي عن وجهك ، أسرعت في مساعدتك وتعريفك بمكان سكنه ، كنت مخطئا، وليس هناك ثمة سبيل في تصحيح الخطأ الا ان تكشفي عن وجهك."
ولما آنس من مريم ترددا وتلكلأ عاد يقول بنبرة صارمة:"هيا والا سألم المارة عليك."
نزل الكلام هذا على مريم نزول الصاعقة. رأت في عينيه الاصرار. ولم تجد بدّا الا ان ترفع عن وجهها الغطاء فظهر وجهها البديع. فتأملها الرجل العجوز مليا مضيّقا حدقتيه وقال بشئ من الشك: "انك ِ...هه ...أظن اني عرفتك سيدتي، لقد شاهدتك يوما ما، لكن مع من ؟ من؟ من؟ من؟ من؟ وجدته ، مع الطالبة تلك الموسيقية الجميلة ذلك اليوم في الاحتفال." ثم جعل يبحث في ذاكرته عن اسمها فلم يهتدي إليه. حك راسه وقال بعجز: اسم غريب انه على لساني، إلهي ما اسمها ؟ اعرفها من وجهها ، يا للجمال البهيّ ."
قاطعته مريم بعد أن سحبت البرقع فوق وجهها: "سيدي انك لا تعرفني لا شك انك متوهم ، انا لست التي تتحدث عنها، انا من حي البراقع ."
ضحك العجوز ضحكة هزت له بطنه الضامرة . وبعد أن القى نظرة خاطفة أخيرة عليها مضى في سبيله وهو يهز راسه و يغمغم مع نفسه: ولله في خلقه شؤون.
تسمرت في مكانها ماذا تفعل؟ "هل عرفني؟ الويل لي أذن." جعلت تلهث. فقد شاعت في الآونة الاخيرة انباء تفيد ان بعضا من اللصوص متنكرين بزيّ نسائي سطوا على بيوت متنكرين كمتسولات طرقوا الباب فلم يجدوا احدا فاقتحموا الباب واخذوا معهم كل غالي ونفيس.
وقضت على مخاوفها بصعوبة وواصلت طريقها مسرعة الخطا في اتجاه الباب البرتقالي و شجرتي البرتقال، وهي تناجي نفسها وتقلب بين الامور وتمشي بوجل: ما انت فاعل مريم؟ وباي عذر وذريعة أو مبرر انتِ هنا؟ وكيف سيقابلكِ الشاب الوسيم ؟ هل يستدع عليك الشرطة او يفتح لك الباب؟ لا لابد انه يستقبلني بالأحضان، سيرحب بي وخاصة لا احد يعرفني ، ثم لا ، وانتقل تفكيرها في اتجاه آخر: لا، لا مريم عودي من حيث اتييت مالك وهذه المغامرة الصبيانية؟ ثم جعلت ترى الجهة المعاكسة للرأي الأول: كلا لا تعودي لا تضيعي الفرصة ، انه سوف يرحب بك ، ألست اما لأعز تلميذة لديه، ابنتكِ؟ وما زيارتي هذه له الا من باب الحرص على مستقبلها ومستواها التعليمي، وحتى لو رآني الناس بدون العباءة والبرقع سيقولون نفس الشئ ..والاهم الشاب هذا سيكون لديه نفس الانطباع اولا ومن ثم أستدرجه شيئا فشيئاالى شركي، سافتنه ..سأسحره بجمالي وفتنتي..سأعري له نفسي اجعله ينحني امام قدمي ويتوسل ضمة مني. " نست نفسها في لجة افكارها المتشابكة تدفعها الرغبات والأماني وفي لحظة ما وجدت نفسها تقف امام الباب البرتقالي.
ولما وصلت الباب توقفت ، ولم تجرأ ان تنظر يمينا أو شمالا، تحسست برقعها وارتعشت هلعا، قد يكون العجوز الاشمط في إثرها، كانت له عينا بوم، احست بساقيها لم تعودا تحملانها.
"لا تقفي طويلا كي لا يشك بك احد." ألقت نظرة سريعة خاطفة يسارا وجنوبا ثم طرقت على الباب طرقة واحدة خفيفة. وانتظرت وانصتت فلم تسمع حسا ولا حركة من وراء الباب، ، فقرعت مرة اخرى، وما هي الا لحظة حتى ظهر وجه المعلم، كان في ملابس العمل ويمسك بيده مقص لقطع الاغصان.
دون ان تنطق كلمة اندفعت الى خلف الباب من الداخل ، واستدار المعلم وقد صعق للمفاجأة ودخل وراءها وهو يلهث: هه ! من أنت؟ احتارت مريم وعيّت جوابا، كانت من الخجل والارتباك في نهاية. "قولي من أنت والا طعنتك بهذا." اشار الى المقص. لم تتوقع مريم منه هذه الفظاظة لكنها اعطت له الحق: انها لصة امامه الآن. لابد ان اتدارك بسرعة، قالت في نفسها ووجدت شقا في الباب الداخلي فاندفعت اليه وولجت فيه برشاقة الغزال. ودلف وراءها واغلق الباب وبسرعة متناهية.
تأملها وهما يقفان وسط غرفة الجلوس وقال لها صائحا:"حسنا لكن عليك ان تلقي عن نفسك البرقع والعباءة اولا والا ستتحملين العواقب هيا حالا."
"لا حاجة للخفاء والتنكر الآن سيدي،" قالت مريم وازاحت البرقع من وجهها وأزاحت العباءة ، وطوتهما في يدها. شع وجهها في ظلمة الغرفة كالبدر التمّ. "هيت لك حبيبي." قالت والقت بنفسها على أول كنبة.
"هل تعرفني؟" قالت له ودعته ان يجلس بجانبها وكشفت عن ساقيها البضتين. ابى وقال لها بجفاء وقد غلبت عليه الحيرة والارتباك:"اعرف انك أم لطالبة لي ولكنك في بيتي وانت غريبة وأنا لوحدي ومن ثم باي حق تناديني حبيبي. لم ارك سوى مرة واحدة ولثواني قليلة ، وثم انك امّ وزوجة لرجل محترم يشهد له في الاوساط. اخجلي هيا تفضلي مع كل احترامي هذا ليس المكان الصحيح، انت مخطأة تماما فارجوك لا تدعيني اغتاض اكثر ونجني من كارثة محققة ان طال بقائك هنا."
بعد عشر دقائق شاهدت العيون المرأة المُبرقعة ترشق من باب المعلم كالسهم الى الخارج وهي تتلكأ وتمشي بميلان شمالا يمينا كمن تلقى ضربة على العجيزة. وعلى بعد أمتار رأت نفس العيون وراء النوافذ شابة في مقتبل العمر تعترض سبيلها وتثب عليها وتلقيها ارضا.
فلم تكن مريم قد ابتعدت أكثر من عشرين مترا من الباب البرتقالي الا وأحست بأن قبضة قوية دفعتها من الخلف دفعة جبارة أوقعتها على بطنها، ويد انتزعت القناع من وجهها. وانقلبت على ظهرها بخفة وهي تتكأ على مرفقيها وفركت عينيها اذ علتهما غشاوة، وحينما بصرت بالوجه المنحني فوقها صدرت منها صرخة دوت في الانحاء: لوليتا!!
***
*اما وكيف عرفت لوليتا بزيارة امها؟
في الوقت الذي كانت مريم في طريقها قاصدة بيت المعلم، خرجت لوليتا من البيت تبحث عنها. فقد رأتها من نافذة غرفتها تخرج وبيدها كيس أسود. أرتدت لوليتا وبسرعة البرق ملابس قديمة كنوع من التنكر ووضعت قبعة بنيّة متهرئة فوق رأسها وأخذت تتابع امها من بعيد. كانت قد أعدت هذه الملابس سلفا ووضعتها في متناول اليد. وقد ملكها إحساس ان امها تبيت أمرا نكرا وراء ظهر والدها. حاستها السادسة أملت عليها ان تقوم بطريقة ما أو بأخرى بمراقبتها. وخاصة ان اباها لا علم له بكل هذا التبرج والتزيّن. بعد ان تجاوزتا حيهما عرجت مريم الى متنزه عام صغير قديم مهجور واختفت فجأة عن انظارها. توقفت وأجالت النظر عسى ان تخرج امها في طريق فرعي ولكن شيئا من هذا لم يحدث فغمرتها الخيبة. تهالكت على مقعد في مواجهة المتنزه وسط صيحات الاطفال من ساحة اللعب المجاورة. حارت ماذا تفعل. ومرت دقائق وهي تنظر بشرود الى القادم والرائح . كان الوقت يقارب الظهيرة وفجأة أحست بيد على كتفها. التفتت مذعورة الى الوراء فإذا بوجه مألوف يبتسم لها تحت شعيرات شاربه الاشهب وعينان صغيرتان تحدقان بها وراء عدستين سميكتين كقاعدة الأقداح الزجاجية. كان منحنيا فوقها متكأ على عصاه.
"من أرى عم فؤاد ؟" قالت ونهضت قائمة تقدم له يدها . بعد ان تصافحا دعته الى الجلوس . كان العم فؤاد مستخدم وحارس المدرسة التي كانت لوليتا تدرس فيها، مدرسة تريسك. سألها ما سبب وجودها هناك لوحدها ، فأجابته بأنها تبحث عن امها. فجلس العجوز واخبرها بقصة امها وتنكرها. فقامت القيامة.
وانطلقت تتابع سيرها في الاتجاه الذي وصفه لها العجوز سالكة الطريق المختصر وفقا لتوجيهاته.
اختبأت وراء حائط تترقبها ورأت المنقبة تمر امامها على عجل وتتلفت في ارتباك ، ورأتها تدخل بيت معلمها حينها تقدمت واختبأت خلف اضخم شجرة في الطرف المقابل من الشارع. وثبتت عيناها في قلق على الباب البرتقالي بين شجرتي برتقال.
وهكذا شاءت الصدف ان يكون دليل مريم هو نفس دليل ابنتها.
*************************
يتبع-24