المرأة بالجنوب الشرقي المغربي والحاجة إلى تكوين القدرات وإعمال الحقوق المدنية والسياسية



لحسن ايت الفقيه
2021 / 4 / 19

تتمتع المرأة في الأوساط القبلية المغلقة بالجنوب الشرقي المغربي ببعض الحقوق الطبيعية، أعني المرتبطة بطبيعة الإنسان، ويمكن القول إنها هي المضمنة في المواثيق الدولية حول حقوق الإنسان والمعاهدات ذات الصلة بذات الحقوق والإعلانات والعهود. إلا أن هذه الحقوق متفاوتة في درجة التمتع والانتهاك. ومرد ذلك التفاوت إلى التوتر بين الدولة مؤسساتها ومؤسسة القبيلة أي: التوتر بين العرف الشفاهي والقانون الوضعي المكتوب، وبين التقاليد الثقافية الشفاهية التقليدية والسلوكات التي يستصحبها الانفتاح حول الحداثة من ذلك مشاركة المرأة في الحياة السياسية والاقتصادية. وباختصار، فالأنساق الثقافية تشكل توترا سلبيا، في الغالب، مع الحقوق الطبيعية للمرأة، وينجر عن ذلك التهام الثقافي للحق المسطر في القانون، وطالما يغلف الحق ثقافيا. ويكاد وقع التقاليد يضيق على الحريات الفردية حرية التفكير والتعبير والانخراط في الحياة الثقافية والسياسية وتحمل المسؤولية. وكثر من التقاليد الشفاهية ما تنتهك بعض الحقوق كنحو ما يلي:
- الإرث حق مشروع لكن المرأة لا تستفيد منه في كثير من الأوساط بفعل وقع الثقافة غير العالمة. ويقوم حرمان حق المرأة من الإرث على مبدأ التماسك العشائري إذ لا يجوز في بعض الأوساط انتقال الملكية من أسرة إلى أخرى ومن عشيرة إلى أخرى. وتنبغي الإشارة إلى أن ملكية الأرض غير واردة في بعض الأوساط فهي ذات طبيعة سلالية مشاعية يجري استغلالها جماعيا. ولم يظهر تجزيئها إلا في وقت متأخر لما تأثرت الكثير من الأوساط بالكتابية وبالتدخل الاستعماري الذي عمل على انتزاع الملكية الجماعية وتحويلها إلى ملكيات فردية. ويعنينا أن ملكية الأرض غير واردة ثقافيا. وتجب الإشارة إلى أن الجماعات لم تعد تستفيد من الأرض السلالية رغم أنها حق مشروع، فقد وزعت على المستثمرين مما يستدعي مراجعة وضع الأرض السلالية من منظور الحقوق الثقافية.
- الحقوق المضمنة في مدونة الأسرة لا تتناسب في الغالب وحق المرأة الثقافي في بعض الأوساط، فتميل المرأة، مضطرة، إلى نصرة الجانب الثقافي وتتنازل عن حقوقها من ذلك الحق في النفقة على سبيل المثال.
- حق المرأة في التسيير العرفي وتحمل المسؤولية في الجماعات السلالية والمشيخة وفي المشاركة في الرأي حق غير وارد في العرف وفي التقاليد الثقافية الشفاهية، ولا امرأة تجرأ على المطالب بهذا الحق عدا امرأة واحدة تمكنت في بلوغ منصب نائب أرض الجموع بإقليم ورزازات
- وبالمقابل يضيق القانون الوضعي الخناق على بعض الحقوق الثقافية أو على الأقل لا يصدر القضاة أحكاما خفيفة على مرتكبي بعض الجنح أو الجنايات المرتبطة بالعرف. وطالما يميل القضاء إلى نصرة الرجل.
نشأ هذا الوضع يتغير تدريجيا حيث حصلت في شأن إعمال حقوق النساء المدنية والسياسية مجموعة من المكتسبات، وذلك في إطار مسار ترسيخ دولة الحق والقانون الذي سلكته الدولة المغربية خلال العقدين الأخيرين. ولقد أتى ذلك في إطار الانفتاح الديموقراطي في الميادين السياسية والقانونية، حيث جرى إنجاز مجموعة من الإصلاحات الكبرى خصوصا تعديل قانون الحريات العامة، وقانون الانتخابات ومدونة الأسرة وقانون الجنسية، كما انكب المغرب خلال العقد الأخير على معالجة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتكبة في الماضي.
وفي أجواء انفتاح المغرب في العقد الأول من الألفية الثالثة برز تشريع في مجال السجون يحوي أحكاما ذات صلة بالمرأة مراعاة لخصوصياتها البدنية والنفسية، وضمانا لحقوقها بما هي امرأة. وجرت مراجعة قانون كفالة الأطفال، إذ لم تعد الكفالة حقا معلوما للمرأة المتزوجة وحدها، فهو حق ممارس تتمتع به العزبة (العازبة) أيضا. كما تعززت حماية المرأة في القانون الجنائي في كل ما له صلة بالتحرش الجنسي، والعنف والتمييز ضد النساء، واستفادت الزوجة من ظروف التخفيف شأنها شأن الزوج في كل الجرائم التي يمكن أن تنجر في حال التلبس كالزنا، والقتل والضرب، وكان القانون رقم 24 -2003 المعتمد سنة 2003 كافلا المساواة بين الزوجين فيما سلفت إليه الإشارة من الظروف المخففة. وصدر قانون ينظم الحالة المدنية التي لم ترد فيها المرأة، من قبل، إلا فيما له علاقة بأبنائها، فحصل التعديل بما يتلاءم وقانون الأسرة، وأنشيء قضاء الأسرة، فوق ذلك، إعمالا لمدونة الأسرة. وصدق المغرب اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية المنشورة بالجريدة الرسمية في شهر فبراير من عام 2004.
وضمن السياق الوطني وجب تسطير أن المغرب عرف خلال العقود الأخيرة (دينامية سياسية وحقوقية وتنموية كانت قاعدتها الأساسية الشباب والنساء المنتظمين داخلة تنظيمات تتخذ في الغالب شكلا جمعويا كإجابة عن مجموعة من الإشكالات الاجتماعية والتنموية الجماعية، لكن دون تغييب الجوانب المتعلقة بالتنمية الديموقراطية، وفي هذا الصدد تنوعت أشكال هذا الحراك لتصل ذروتها إبان الربيع الديموقراطي في مناقشتها الإشكالات المتعلقة بالمشاركة السياسية في تدبير الشأن العام وخاصة تلك المتعلقة بتوسع دائرة مشاركة النساء والشباب وآليات تشجيعها). وفي السياق ذاته وجوب الإشارة إلى أن الحركة الجمعوية بالمغرب عامة وبالجنوب الشرقي خاصة أسهمت في هذا الحراك الاجتماعي من خلال ما راكمته من تجارب وخبرات ميدانية في مجال التنمية الديموقراطية بالتحسيس والتعبئة والمواكبة والتكوين والمرافعة، ولا تفتأ تساهم في النقاش العمومي الذي يروم ترسيخ التنمية الديموقراطية...فاستطاعت أن تجعل هذه القضية عادلة لتنشيط نقاش الحركة الجمعوية حولها، ونقلها لتضحى موضوعا للنقاش السياسي والرسمي. وتوج المجهود في إصدار تشريعات من ذلك دستور 2011، والميثاق الجماعي 2009، واعتماد مبدأ الكوطا في الانتخابات، وإحداث المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي. ورغم ذلك، لم يكف ما حقق من مكتسبات لإرضاء تطلعات الشباب والنساء والحركة الجمعوية.
ويعد الحق في المشاركة في تدبير الشأن العام للنساء ولجميع الفئات من الحقوق الأساسية التي ضمنتها المواثيق الدولية الملزم منها وغير الملزم، كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)، والاتفاقية بشأن الحقوق السياسية للمرأة (1952)، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966)، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) (1979)، وإعلان الحق في التنمية (1986)، وإعلان براغ حول إستراتيجية لتمكين الشباب من المشاركة في التنمية البشرية (1998)، وإعلان لشبونة بشأن الشباب (1998)، وإعلان الأمم المتحدة بشأن الألفية (2001)، والاستراتيجية العالمية للشباب (2001). ذلك هو السياق الدولي لمشاركة النساء والشباب في تدبير الشأن المحلي والجهوي، والذي يزكيه ويدعمه ما عرفه المحيط الإقليمي والدولي من تفاعلات كبيرة (أبانت على قدرة النساء والشباب على تقديم إجابات لمشاكل الديموقراطية والتنمية المحلية خاصة في بلدان الربيع الديموقراطي).
وتجدر الإشارة إلى أن المغرب منذ توقيعه على اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة «السّيداو» في 21 من شهر يونيو من العام 1993، وتحفظ على بعض المواد، كما وقّع اليمن على عدد من الاتّفاقيّات والمعاهدات الدوليّة المهمّة جداً بالنّسبة للمرأة منها:
- العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية سنة 1979.
- العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية سنة 1979.
- الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز العنصري سنة1970
- الاتفاقيّة الدولية لحقوق الطّفل سنة 1993.
- الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة21 من شهر يونيو من العام 1993.
وقامت الحكومة ببعض المجهودات على الصعيد الوطني ببعض الجهود كدعم ترشيح النّساء للانتخابات البرلمانية، والمجالس المحلية، وتعيين النّساء في مختلف المناصب الحكوميّة، بما في ذلك المناصب القيادية، ودعم المشاريع التّنمويّة التي تستهدف المرأة والنوع الاجتماعي، ودعم إرساء قواعد آليّات المجلس الأعلى لشئون المرأة (اللجنة الوطنية والأمانة العامة).
ورغم ما حصل إنجازه لا يزال وضع المرأة في حاجة إلى مزيد من الدعم من لدن كل الفاعلين السياسيين والمدنيين.