البطريركية الأنثويّة كردٍّ معادل للأبويّة!



ثائر الناشف
2021 / 4 / 20

نظرة أفقية على تجربة المرأة الشرقية المهاجرة إلى أوروبا!
منذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها ساد نظام اجتماعي جديد أطّر العلاقة بين الذكور والإناث في معظم البلدان الغربية، وقدم تعريفات جديدة لماهية المرأة، وحدّد دورها ووظيفتها في العالم الإنساني الجديد؛ عالم ما بعد التحولات الثقافية العاصفة التي أطاحت بكل القيم العائلية ذات الرمزية الأبوية، والتي لا تختلف في شيء عن قيم العائلة الشرقية وتراثها الديني المغرق في القدم.
كان من سمات هذا الانقلاب الدراماتيكي أن تلاشى دور السلطتين الذكورية والأبوية على الدولة والمجتمع؛ السلطة الذكورية المختصة أساسًا بأنساق الحياة السياسية وما يتصل بها من سلطة تشكيل الأحزاب والتيارات الفكرية والثقافية، والسلطة الأبوية بحيزها الاجتماعي باعتبارها سلطة تقليدية اختصت أصلًا في تكريس سلطة الرجل على المرأة سواء أكانت زوجة أم ابنة.
فالحرب الثانية بكل ويلاتها وكوارثها لم تكن مجرد عمل جراحي حاسم استأصل شأفة النظم السياسية المارقة وحسب، بل كانت تحولًا شاملًا زحزح المجتمع عن قواعده الفلسفية وأسسه الروحانية، ثم دفع به بعيدًا إلى واقع جديد لا يميز بين الرجل والمرأة على أساس الأصل الجنسي (الهوية الجندرية) بل أعاد رد الاعتبار للهرمون الأنثوي جاعلًا منه الهرمون الأنسب والأفضل لمزاولة الكثير من الأعمال والمهن التي لا تليق بأصحاب الهرمون الذكوري، ربما لأنهم كانوا أكثر تهورًا وطيشًا في مزاولتها قبل سنوات الحرب، وأقل تفاعلًا في إعادة بناء ما خلفته الحرب، فالأسباب كثيرة ولا يمكن حصرها هنا ببضعة أسباب.
فنمط الحياة الغربية الذي يتخبط الرجل الشرقي المحافظ في متاهاته وسراديبه، لكونه لا يملك فهمًا عميقًا لتحولات الحياة التي مرَّ بها الغربيون على مدار قرن كامل من الزمن، كما أنه يظل (الرجل الشرقي) يسأل نفسه، أنهم لا يثورون (الغربيون) ولا يغضبون، ولا يحتجون على نسائهم لأتفه الأسباب وأهونها، ولا يميلون للأخذ بالثأر والانتقام منهن.
لا بد أن تتساءل المرأة الشرقية المهاجرة إلى الغرب ذات الأسئلة التي يطرحها الرجل الشرقي على نفسه، حتى وإن كانت لا تملك أجوبة لها، إلا أنها لا تنفك تعيش الاغتراب مُضاعفًا دون أن تشعر بنفسها، فهي من جهة ستظل أسيرة لهويتها الشرقية ذات الطابع المحافظ، فهويتها أشبه ما تكون بظلها الأبدي الذي لا يفارقها، رغم محاولاتها الدءوبة في التخلص من جذور هويتها عن طريق التبرؤ من تراثها الديني لتثبت للمجتمع الغربي حقيقة ارتباطها به؛ لتنعم بتلك السلطة الأنثوية التي يتيحها الغرب لنسائه، طالما أنها (المرأة الشرقية) حرمت منها في مجتمعها المحافظ الذي لم يكن يتيحها لها بحكم القوانين الأبوية المُستقاة من سلطتي المجتمع والدين نفسه، لكن تمتعها بالسلطة الأنثوية يظلّ منقوصًا وغير مكتمل، ليس لأنها ما تزال تحتفظ بجذورها الشرقية كشجرة ضاربة في أعماق الأرض، بل لأن البطريركية النسوية التي أسس لها الغرب قبل نصف قرن تحتاج إلى بيئة سليمة لتحقيق شرط اكتسابها، وهذا يتطلب تنشئة اجتماعية خاصة منذ سنوات الطفولة، تتولاها المؤسسات التربوية الغربية، أساسها التوعية بأهمية النسوية، بينما شكَّلَ حضور المرأة الشرقية إلى الغرب، لا سيما في السنوات العشر الأخيرة قفزًا على تلك الخطوات كلها، واجتيازًا للمراحل الأساسية، سعيًا وراء اكتساب السلطة الأنثوية، وهو سعي زائف، لأنّ الاكتساب الراهن، وإن تحقق مرحليًا، سيظل اكتسابًا منقوصًا غير مكتمل بشروطه الأساسية، ومتطلباته الثقافية، فضلًا عن كونه مجاراة للرجل الشرقي، أو لكسر سلطته اعتمادًا على إسهامات الغرب في بناء البطريركية الأنثوية كردٍّ معادل للبطريركية الذكورية.