بمناسبة اليوم العالمي للمرأة 08 مارس: المرأة / الإنسان:بين الاستغلال الرأسمالي، وبين الرِؤيا المنحطة في الواقع الاجتماعي، في ظل جائحة كوفيد 19.....10



محمد الحنفي
2021 / 4 / 21

الرؤيا المنحطة للمرأة في الواقع الاجتماعي:.....1

إن المرأة، مهما كانت، وكيفما كانت، ومهما ادعت الابتعاد من كل ما يسيء إليها، ويسيء إلى المجتمع، ويسيء إلى سمعة الأسرة، والعائلة، وإلى الشعب، فلأنها تبقى محكومة بالرؤيا المنحطة، التي تشيع في المجتمع، بقرار سياسي، والمرأة، عندما تنعت بما يسيء إليها، في الوقت الذي تعتبر هي بريئة، براءة الذئب من دم يوسف، فلأن ما تنعت به، يعتبر مبيتا، من قبل القائمين، بوصف المرأة، بما ليس فيها، أملا في جعل انحطاط المرأة، هو السائد، حتى يتأتى تكريس دونيتها، على المستوى العام، وعلى المستوى الخاص، حتى تنحني المرأة أمام الرجل، كزوج، وكأب، وكأخ، وكإبن، وكقريب، بل كإنسان قادر على تحقيق ذاته، في الوقت الذي يتم التعامل مع الرجل، على أنه إنسان صالح، مهما ساهم في نشر الفساد، في المجتمع: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا. وعلاقته غير المشروعة بالمرأة، علاقة رجل فقط، يحضر في وقت محدد، يمكن أن يتحرك فيه، بينما توصف المرأة، بكل الأوصاف الدنيئة، والمنحطة، في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، لنفي إنسانيتها، نفيا مطلقا، وهو أمر يقتضي العمل على تجسيد إنسانية المرأة: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، ومدنيا.

فرفض وصف المرأة بالانحطاط، ورفض عدم مساواة الرجل بالانحطاط، في حالة وقوعه، يفرض الرؤيا الإنسانية للمرأة، والتعامل معها على أنها إنسانة، لها مكانتها الإنسانية: في الاقتصاد، وفي الاجتماع، وفي الثقافة، وفي السياسة، ونحن عندما نستحضر إنسانية المرأة، في واقعنا الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، نعطي للمرأة مكانتها، التي تستحقها، وفي نفس الوقت، ندرس تلك الرؤيا المنحطة، التي تكونت في أذهاننا، عبر مرور كل التشكيلات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، في مراحل العبودية، والإقطاعية، والرأسمالية. وهي التشكيلات، التي تغيب فيها مساواة المرأة للرجل، على جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. ففي التشكيلات المذكورة، نجد سيادة الرجل على المرأة، في كل المجالات، وفي جميع القطاعات الاجتماعية، التي لا بد فيها حضور المرأة، بشكل، أو بآخر.

فلماذا نجد أن اعتماد انحطاط المرأة، صار ملازما للمجتمع؟

هل يرجع إلى أن المرأة دون مستوى الرجل؟

وما دور الدين في هذا الإطار؟

وهل للرؤيا الدينية للمرأة، أثر في جعل المرأة دون مستوى الرجل، حتى وإن كانت متفوقة عليه في الواقع، وعلى جميع المستويات الإنسانية؟

وما العمل من أجل تجاوز هذه الرؤيا؟

أليس للمرأة مكانتها في الواقع الإنساني / العلمي/ المعرفي / الفلسفي / الاقتصادي / الاجتماعي / الثقافي؟

ألا تحتل المرأة نفس مكانة الرجل، على مستوى العطاء، على جميع المستويات؟

ولماذا لا نعترف لها بذلك؟

لماذا لا نتعامل معها، على أساس المساواة بينها وبين الرجل؟

ولماذا نفرض عليها، بطريقة غير مباشرة، أن تتعامل مع نفسها، على أنها من مستوى الرجل، في الحقوق، وفي الواجبات؟

إن ملازمة المرأة في المجتمع، هي ممارسة ، على أساس أفضلية الرجل على المرأة، في التشكيلات الاستغلالية: العبودية، والإقطاعية، والرأسمالية، نظرا لكون المرأة، يفرض عليها، أن تكون دون مستوى الرجل.

وهذه الرؤِيا، يجب أن تخضع للنقاش، على جميع المستويات، حتى نجيب عن الأسئلة:

هل يصح أن نمارس النظرة الدونية، تجاه الطبيبة، والمهندسة، والأستاذة الجامعية، والأستاذة في مختلف أسلاك التعليم، والعاملة المنتجة، والأجيرة لتقديم الخدمات المختلفة للمجتمع، والممرضة؟

هل العصر الذي أصبحت فيه المرأة مساهمة في اقتصاد الأسرة، وفي اقتصاد المدينة، والقرية، وفي الاقتصاد الوطني، هو نفس العصر الذي عرفته مرحلة نزول الوحي، الذي جاء فيه: (للذكر مثل حظ الأنثيين)؟

وهل نعتبر: أن ما عرفته مرحلة نزول الوحي، يجب أن يسري على هذا العصر؟

أليست المرأة في مرحلة نزول الوحي، مساوية للرجل في كل شيء، إلا في الإرث، كما ورد في الآية المذكورة؟

وفي أي إطار نضع قول الله: ( والمومنون، والمومنات، بعضهم أولياء بعض)، إذا لم نضعه في خانة تقرير القرءان الكريم للمساواة، بين الرجل، والمرأة؟

وإذا كان الأمر كذلك، ألم يكن القرءان الكريم، مساويا بين الرجل والمرأة، قبل ظهور الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين؟

ألا نعتبر أن الإرث، الذي لم تتساو فيه المرأة مع الرجل، يدخل في إطار الشريعة؟

أليست الشريعة كالقوانين المتغيرة، حسب الزمان، والمكان؟

أليس من حق المومنين بالدين الإسلامي، أن يقرروا المساواة في الإرث، لوضع حد للحيف الذي يلحق المرأة، في هذا الإطار؟

إن النقاش الواسع، الذي يجب أن يسود في جميع البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، وبين جميع الفئات الشعبية المقهورة، بالخصوص، وبين الجمعيات بصفة عامة، والجمعيات الحقوقية بصفة خاصة، والجمعيات النسائية، التي تهتم بحقوق المرأة، بمرجعية الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية، وبين الناس جميعا: ذكورا، وإناثا.

وهذا النقاش، عندما يجري، وعندما يصل إلى الخلاصة المرجوة، فإن ذلك يعتبر دليلا، على أن المجتمعات في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، هي مجتمعات متطورة فعلا، أو في طريق التطور. وهو ما يجعلنا نطمئن على مستقبل العرب، والمسلمين، ما داموا يعتمدون العقل، والنقل، في تقرير المصير الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، للعرب والمسلمين.

وممارسة دونية المرأة، واعتبارها منحطة، لا يرجع إلى أن المرأة، دون مستوى الرجل، بقدر ما يرجع إلى طبيعة العقلية السائدة، في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، على جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

فالعقلية السائدة في هذه البلدان العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، هي العقلية المتخلفة، التي لا علاقة لها بما يجري في المؤسسات التعليمية، في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، ولا في المؤسسات الإعلامية، ولا بما تروجه الوسائل التثقيفية المختلفة، التي ينتجها المثقفون الجادون، والثوريون، والهادفة إلى النهوض بالمجتمع، في أفقه الإنساني، الذي يقتضي النهوض بحقوق الإنسان: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، من أجل جعل المجتمع القائم، مجتمعا إنسانيا صرفا. أما المرأة، فقد أثبتت، وعن جدارة، واستحقاق، أنها ليست دون مستوى الرجل.

وإذا كان المصرون على ممارسة دونية المرأة، وتكريس انحطاطها، يستند إلى الدين الإسلامي، فإن استنادهم ذاك، دليل على أنهم، لا علاقة لهم، بالفهم الصحيح للدين الإسلامي.
وتطبيق الشريعة الإسلامية، مبني على أساس فهم له علاقة بأدلجة الدين الإسلامي، وبالتعامل معه، على أنه مجرد شعارات سياسية، واقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وسياسية. ويهدف إلى جعل الناس يعتقدون: أن الدين الإسلامي، يتمثل في تطبيق الشريعة الإسلامية، حسب فهمهم لتطبيق الشريعة الإسلامية، خاصة، وأن الشريعة الإسلامية مطابقة للعقيدة الإسلامية. وهي مطابقة غير واردة؛ لأن العقيدة ثابتة، والشريعة متغيرة، والثبات، والتغيير، يقتضيان الاختلاف. والاختلاف يقتضي التعامل مع العقيدة، تعاملا مختلفا عن التعامل مع الشريعة، التي ترتبط بالزمان، وبالمكان. والارتباط بالزمان، والمكان، يقتضي التغيير المستمر. وهو ما لا يذهب إليه مؤدلجو الدين الإسلامي، الذين يتخذون من أدلجة الدين الإسلامي، وسيلة للوصول إلى الحكم، ومن تطبيق الشريعة الإسلامية،، وسيلة لفرض الاستبداد القائم. والاستبداد لا يكون قائما إلا على أساس تطبيق الشريعة الإسلامية. وتطبيق الشريعة الإسلامية، وسيلة لإرهاب المسلمين، حتى لا ينالهم عقاب تطبيق الشريعة الإسلامية، الذي يكون في قطع الرأس، أو في الرجم حتى الموت، أو في قطع اليد، أو الرجل، أو في الجلد، أو في غير ذلك، مما لا يتحمله المومن الذي يقبل بالاستبداد المعمق، والمبالغ فيه، على أن تطبق في حقه الشريعة الإسلامية.

ودور الدين، في هذا الإطار، إذا وجد من يحاول فهمه، فهما صحيحا. والفهم الصحيح، هو الذي يجعل الدين الإسلامي، في مستوى استيعاب التحولات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والمعرفية، والفكرية، التي تحصل في الواقع، بفعل التقدم، والتطور، الذي يعرفه، في جميع المجالات، من خلال جعل الثابت ثابتا، والمتغير متغيرا فيه، حتى يتأتى للعقيدة في الدين الإسلامي، أن تستمر، وأن تمتد ومنسجمة مع تغير الواقع الإنساني: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، الذي يستلزم تغير الشريعة، مع تغير الواقع الإنساني، ليصير الدين الإنساني الثابت، في عقيدته، منفتحا على استيعاب ما يحصل في المستقبل، الذي يقتضي التغير في الشريعة، حتى تناسبه وتنسجم معه، ليصير الدين، بذلك، مؤديا دوره، في الاتجاه الإنساني، وفي اتجاه واقع الإنسان، ليصير الدين الإسلامي، بذلك، عقيدة، وشريعة، منسجما مع تحولات العصر، الذي نعيشه، وتعيشه الأجيال القادمة، إلى ما لا نهاية.

وانطلاقا من تحول الدين الإسلامي، في تعامله مع الواقع، في تحوله، فإن الرؤيا الدينية للمرأة، لا تختلف عن تعامل الدين الإسلامي مع الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي. وانطلاقا، كذلك، من الآية الكريمة، الواردة في القرءان: (والمومنون، والمومنات، بعضهم أولياء بعض، والتي لا يمكن أن نفهم منها: إلا المساواة بين الرجل، والمرأة، فإن الدين الإسلامي، الذي يستوعب تحولات الواقع، يسير في اتجاه جعل المساواة بين المرأة، والرجل، وبين الذكر، والأنثى في المجتمع، حتى يعتبر مسايرا للعصر، في الوقت الذي كان متميزا فيه، أثناء نزول الوحي. ولذلك، فرؤيا الدين الإسلامي للمرأة، هي رؤيا متقدمة، ومتطورة. وما نحتاج إليه للسير، في هذا الاتجاه، مما أساء إلى الدين الإسلامي، وإلى المسلمين، مما وقف وراء الاستمرار في أدلجة الدين الإسلامي، إلى درجة التطرف، والمتجسد عادة في جعل الدين الإسلامي، يستعيد ماضيه، كما كان، في شروط مختلفة، عن هذه الشروط التي نعيشها.