المصادقة على (سيداو) بين النصر وعرج المسير!



بثينة تروس
2021 / 4 / 29

(شكرا حمدوك) ومجلس الوزراء للمصادقة على برتوكول (مابوتو) و(اتفاقية القضاء على كافة اشكال التمييز ضد المرأة) المشهورة (بسيداو)، وبالفعل يستحق هذا الإنجاز العظيم الاحتفاء والتقدير ويعد نصرا لحقوق المرأة السودانية في ظل الحكومة الانتقالية، ويعزز من بنية دعائم الدولة المدنية والديموقراطية. والجدير بالذكر ان بروتكول ( مابوتو) يقارب (سيداو) في الأهمية، فواحدة من اهم مواده ال26 ( القضاء على التمييز ضد المرأة) اذ يعد البروتوكول الميثاق الافريقي لحقوق الانسان، ويتضمن حقوقاً شاملة للمرأة الافريقية، بما في ذلك الحق في المشاركة في العملية السياسية، والمساواة الاجتماعية والسياسية مع الرجل، وتحسين الاستقلالية في قرارات الصحة الإنجابية، ووضع حد لتشويه الأعضاء التناسلية للإناث وخلافها من الحقوق (ولقد اعتمد الاتحاد الافريقي البروتوكول في 11 يوليو 2003 في قمته الثانية في مابوتو، موزمبيق وفي الخامس والعشرين من نوفمبر 2005، بعد أن صادقت عليه الدول الأعضاء الـخمسة عشر اللازمة في الاتحاد الأفريقي، دخل البروتوكول حيز التنفيذ).. المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلم، رصد حقوق الأنسان في السودان، يونيو – 2009 اما اتفاقية القضاء على كافة اشكال التمييز ضد المرأة - سيداو - التي حوت ستة أجزاء تفصلت في 30 مادة، وهي باختصار لحماية المرأة من التمييز وانتهاك حقوقها بسبب جنسها كامرأة، ووقف تلك الانتهاكات اذا كانت من أقارب كالأزواج أو الأوصياء من أفراد الاسرة او غيرهم من الشركاء، وهي تسعى لتثبيت الحقوق التي تحفظ إنسانيتها، ولقد أريق في حقها مدادا عظيما بين التأييد والاعتراض، وللأسف شابه تطرف وغلو تولى ادارة دفته أعداء الاستنارة، من المتطرفين دينياً، حتى شوهوها وذهبوا بجميع محاسنها الرامية لقيمة المساواة والحياة الكريمة الحرة بين الرجال والنساء والاسرة السليمة.. شيطنوا الدعوة لسيداو حتى أضحت وكأنها دعوة للتحرر من الأدب والأخلاق، وهي في حقيقة امرها تأكيد لمبدأ ان الناس من ذكر وانثي يولدون احراراً متساوين، كما ذكر سيدنا عمر بن الخطاب في كراهة الظلم "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟"
وحتى لا تخرج علينا جحافل الهوس الديني وفلول النظام البائد، وأئمة الجوامع، بفتاوي التكفير والردة في حق رئيس الوزراء دكتور حمدوك والحكومة الانتقالية، ونأمل ان لا يحدث ذلك! اذ لم نشهدهم يتظاهرون ضد رئيس المجلس السيادي الفريق البرهان حينما التقى بناتنياهو ودعا (للتطبيع مع إسرائيل) وللسلام مع (اليهود والصهاينة)! لذا عليهم ان يعلموا ان حكومة الاخوان المسلمين المقتلعة وافقت على المصادقة عليها (كما أعلنت وزيرة الدولة بوزارة العدل آنذاك نعمات الحويرص، وكذلك وزيرة الضمان الاجتماعي وداد يعقوب، مع بعض التحفظ على بعض البنود) وبالطبع لم تكن تلك اتفاقية منبتة ابان فترة الحكم الاسلامي كما قد وقعت قبلاً على (بروتكول مابوتو).
وهكذا خاضت النساء معركة حقوقية للمطالبة بالتصادق عليها، ومعركة وعي في التعريف بها، بالرغم من أن الحركة النسوية في السودان بدأت منذ نهايات الأربعينات، ووصلت ذروة نجاحاتها بعد ثورة أكتوبر 1964 حيث حصلت على مكتسبات لم تستطع أن تحققها النساء في المنطقة العربية والأفريقية، بل حققن الكثير من مواد الاتفاقية نفسها، بحيث انتفي التمييز السياسي، ونالت حق الانتخاب، والتصويت وحصلت على العديد من المكتسبات اجتماعياً، واقتصادياً، وحققت نجاحات في ميادين المعرفة العلمية والثقافية، وكانت الانتكاسة الكبرى حين تولي الاخوان المسلمون الحكم وتمت إهانة النساء بصورة غير مسبوقة في تاريخ البلاد.
اما عرج المسير الذي ينتقص من فرحة النصر بالمصادقة على اتفاقية ( سيداو) هو ان حكومة الثورة شاطرت حكومة الاخوان المسلمين ذات التحفظات حول بعض بنودها، وهو ما لا ينبغي حدوثه اذ كيف تتساوى التحفظات بين حكومة مدنية ديموقراطية تقرر وثيقتها الدستورية ان (لكل مواطن حق التمتع بكافة الحقوق والحريات التي ينص عليها دستور البلاد دون تمييز بسبب العنصر او اللون او الجنس او اللغة او الدين او الرأي السياسي او أي رأي اَخر، او الأصل الوطني او الاجتماعي او الثروة او الميلاد او أي موضع اَخر، دون اية تفرقة بين الرجال والنساء).. وبين حكومة الاخوان المسلمين التي تدّعي تحكيم الشريعة الإسلامية، وبالرغم من احكام الشريعة الإسلامية، حكيمة كل الحكمة ومنصفة للمرأة في وقتها (القرن السابع)، الا انها اذا طبقت اليوم كما كانت عليه حينها، فهي مجحفة لا تتناسب وحقوق والمرأة المعاصرة، وتحتوي على كاَفة اشكال التمييز ضد المرأة، وهذا ما سوف نجليه في سياق تحفظات الحكومة الانتقالية على المواد التالية (2) و16 والفصل الاول من المادة (29) وتلك المواد هي في حقيقة امرها روح الاتفاقية كلها، واذا لم تطبق كاملة فهي لن تحدث التغيير الذي تتطلع اليه المرأة السودانية، ولقد أشرنا الى سبقها للاتفاقية في كثير من الإنجازات النسوية.
ثم انظر المادة (2) (تنص هذه المادة على أن كل الدول التي تصدق على هذه المعاهدة يجب عليها إظهار نيتها الحقيقية للمساواة بين الجنسين في دساتيرها المحلية، وأن يتم إلغاء كافة القوانين التي تسمح بالتمييز بناء على الجنس، وأن تسن هذه الدول قوانين بهدف الحماية من أي تمييز يتم ضد المرأة. الدول المُصدقة على الاتفاقية يجب عليها إنشاء محاكم ومنظمات مجتمعية بغرض ضمان حماية فعالة للمرأة ضد أي ممارسات تميزية، ويجب عليها أيضًا اتخاذ خطوات حقيقة تجاه الأفراد، والمؤسسات، والمنظمات التي تمارس التمييز ضد المرأة) انتهى.. وتجدر الإشارة الي انه تم تفصيل هذه المادة في 7 بنود بالأحرف، وتحفظت العديد من الدول العربية والإسلامية على بعض تفاصيلها وباختلاف وتفاوت كبير بينهم، مما يؤكد على انعدام المذهبية الدينية الموحدة بينهم، واختلافهم حول مفهوم تحكيم الشريعة والدساتير الإسلامية، وحقوق المرأة من داخل تلك الدساتير الاسلامية المحلية، ولتقريب الصورة اكثر فقد حكمنا الاخوان المسلمون ثلاثين عام بفهم تطبيق الشريعة الإسلامية، التي شرعت قوانين النظام العام وكرست للتمييز بين الرجال والنساء واعتدت على حرية المرأة، وشرعت محاكم تمييزية ذات سلطات ومؤسسات مطلقة، جلدت واغتصبت النساء بموجبها، في مخالفة للدين والأعراف المحلية، وهو ما تسعي المادة 2 لتغييره، وعمان من بين دول قليلة اعترضت على هذه المادة ثم عادت ورفعت التحفظ بعد سنوات.
اما المادة (16) التي تم التحفظ عليها ايضاً، فقد ورد تفصيلها في عشرة بنود، وهي من الأهمية بحيث ان التحفظ عليها يجعل المصادقة على سيداو شكلي لا غير اذ هي معنية بوقف (جميع أنواع التمييز ضد المرأة في جميع الأمور المختصة بالزواج وتكوين أسرة. فتكفل هذه المادة لكلًا من الزوج والزوجة نفس الحق في الزواج، واختيار شريك الحياة بحرية، وتكفل لهم نفس الحقوق والواجبات أثناء الزواج أيضًا إذ قررا الانفصال، ولهم نفس الحقوق والواجبات في كونهم والدي الأطفال، نفس الحق في حرية اختيار عدد الأطفال والمدة بين إنجابهم إذا قررا إنجاب أكثر من طفل، نفس الحقوق والواجبات كزوج وزوجة متساويين في اختيار اسم للأسرة، وتحديد المهنة، نفس الحقوق لكلا الزوجين في التعامل مع ممتلكات الأسرة من حيث الحق في امتلاك، حيازة، إدارة، التحكم، التمتع وحرية التصرف في هذه الممتلكات، سواء إن كان هذا التصرف مجاني أو بمقابل ما) ويكبيديا.. مرة أخرى، تحفظت الدول العربية والإسلامية على هذه المادة باختلاف بينها، وذلك لارتباطها بقوانين الاحول الشخصية والتي مرجعيتها الشريعة الإسلامية! وهي مركزيتها الاستناد على التمييز بين الرجل والمرأة بحسب فهم الآية الكريمة (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم، فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله، واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن، فان أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا، ان الله كان علياً كبيراً).. وهذا الفهم ارتكز عليه الفقهاء ورجال الدين في موازين العلاقة بين الرجال والنساء، والشاهد انه لابد من إيجاد نصوص دينية من داخل الدين لتصحيح هذا الفهم الذي تجاوزته البشرية كما في قوله تعالى (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)، حتى يتسق الفهم الديني وما حققت النساء بنضالاتهن من مكتسبات، اذ لا قوامة لرجل بقوة عضلاته او سيفه، كما ان الانفاق لم يعد حكراً على الرجال دون النساء فيتم التمايز بسببه، ونحن نعلم اليوم النساء ينفقن على الكثير من الاوصياء عليهن من الإباء والاخوة الذكور بل حتى الأزواج، وان القانون هو الحارس لسلامة المجتمع، كما لا ترضى نفس حره كريمة ان تُضرب او تُهان مهما تعددت الأسباب. فحين تتحفظ الحكومة الانتقالية على تلك المادة فهي تقر ببيت الطاعة، وتقر بزواج الطفلات القُصّر وفي ذلك تعارض مع مواثيق حماية الطفل التي صادقت عليها الحكومة وفيها تحديد عمر المسئولية ب ثمانية عشر عاما في حين ان الشريعة يمكنها تزويج الطفلة اذ بلغت سن البلوغ ولو بعمر الثامنة! ويجوز تزويجها لاي رجل وبأي عمر كان، ولقد صادقت الحكومة على تعديلات قوانين (الحقوق والحريات الأساسية) وتم حظر وتجريم ختان الاناث والسماح للنساء بالسفر واصطحاب اطفالهن، وفي هذا الإطار لا يعقل أن تتساوي بنود التحفظ بين السعودية والسودان! السؤال: هل كل المذاهب الفقهية من مالكية وحنفية وشافعية وحنبلية تتفق جميعها على بطلان محتويات المادة 16؟ بالطبع لا، اذ ان السادة الحنفية يقولون ان المرأة الرشيدة، وهو ما عليه واقعها الان، يمكنها ان تزوج نفسها، بل حتى تزوج غيرها من النساء (قد جاء في كتاب "الأحوال الشخصية حسب المعمول به في المحاكم المصرية والسودانية" لمؤلفه معوض محمد مصطفى سرحان في صفحة 149(وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف في ظاهر الرواية الى إثبات هذا الحق لها، فلها أن تزوج نفسها متى كان كفؤا والمهر مهر المثل، ولا اعتراض لأحد عليها، كما لها الحق في أن تزوج غيرها أيضاً)، وهنالك العديد من النماذج لا يتسع المجال هنا لسردها. نخلص الي ان انجاز المصادقة فيه نصر كبير للمرأة ولكنه تقاصر عن بلوغ شأو قامة ثورة ديسمبر المجيدة ومطالبها في الحرية والسلام والعدالة وان مشاركة النساء للثورة بالصورة التي اكدت أنهن صاحبات حق اصيل في التغيير الجذري، وستظل الحقوق تنتزع ولا تعطى.