عزاء النساء



حسن مدن
2021 / 5 / 3

في حينه، رأى الأستاذ محمد شوقي أمين، عضو مجمع اللغة العربية في القاهرة، أن عبارة: «لا عزاء للسيدات» عبارة غير دقيقة لغوياً، فإذا كان العزاء هو الصبر فإننا حين نقول: «لا عزاء للسيدات»، كأننا ننزع عن السيدات، وعن المرأة عامة، صفة الصبر، ومن الظلم بالطبع قول ذلك في مجتمعاتنا التي تعرف فيها المرأة بطول النفس والصبر والجلد، واقترح أمين أن يصار إلى تصحيح هذا التعبير المتداول، فيقال: «لا تعزية للسيدات».
وأصل تعبير «لا عزاء للسيدات» عائد في الأساس إلى الإعلانات التي كانت تنشر في أزمنة ماضية في الصحف المصرية عن نعي المتوفين، حين يحدد مكان استقبال العزاء للرجال، ويجري، في بعض الحالات، استثناء النساء من واجب أداء التعزية، فيكتب في الإعلان: «لا عزاء للسيدات»، أي أنه لا يقام مجلس لقبول تعازي السيدات، وأنهنّ معفوات من الحضور للمواساة، بإرادة ورغبة أهالي المتوفى، أو المتوفاة.
ولكن مع الزمن خرج التعبير عن سياقه الأصلي، ولعلنا نتذكر هنا فيلم: «لا عزاء للسيدات» بطولة فاتن حمامة ورشدي أباظة الذي يعدّ نموذجاً على ذلك، فمحتوى الفيلم بعيد عن الفكرة التي نشأت هذه العبارة بسببها، فهو يناقش قانون الأحوال الشخصية، وحقوق النفقة، وسواها من حقوق المرأة الأسرية.
ويمكن القول إن حملة «عزاء النساء» التي أطلقتها مجموعة كبيرة من الناشطات الكويتيات اقتربت من المفهوم الأصلي للتعبير، فتلك الحملة جاءت على خلفية مقتل سيدة كويتية على يد شاب، كانت قدّمت بحقه العديد من الشكاوى، وهي جريمة أثارت غضباً في الشارع الكويتي، ودفعت النساء إلى التظاهر احتجاجاً على العنف الممارس ضد المرأة، والذي بلغ في أكثر من حالة حدّ قتلها، وهو أمر لا يحدث في الكويت وحدها، وإنما في الكثير من البلدان العربية التي عرفت جرائم مشابهة بحق النساء.
ووجدت حملة «عزاء السيدات» صدى كبيراً لها على مواقع التواصل الاجتماعي، حين أطلقت القائمات بالحملة هاشتاج بالعبارة نفسها، أي «عزاء السيدات»، الذي وجد تفاعلاً واسعاً لدى الرأي العام، خاصة من قبل مرتادي هذه المواقع، والناشطين عليها، ومن صور تلك الحملة نشر المشاركات فيها صوراً شخصية لهن، وهن يرتدين ملابس سوداء اللون، كتلك التي تُرتدى عادة في مجالس العزاء النسائية، كأن حملة الاحتجاج على قتل المرأة الضحية أقامت ما يشبه «مجلس العزاء الافتراضي»، إن صحّ القول، للمتوفاة، مقترناً ذلك بمطالبات واسعة لتعديل القوانين المعمول بها، لتكون أكثر صرامة مع من يتورط في جرائم مشابهة.