متى تخرجُ المرأةُ السوريةُ من مخاضها العسير؟



شذى كامل خليل
2021 / 5 / 17

(متى تخرجُ المرأةُ السّوريةُ من مخاضها العسير؟ )

وفقاً للتقريرِ الصّادرِ عن الأمم المتحدة عام 2019م فإن عددَ اللاجئين السوريين قد بلغ نحو 5,6 مليون لاجئ، نسبةُ النساء والأطفال تتخطى عتبةَ 66%، حصلت تركيا على أكبر نسبة لجوء سوري في أراضيها أي حوالي 3,6 مليون لاجئ، فيما بلغت نسبةُ اللاجئين في المخيمات حوالي 1,8 مليون لاجئ.
هل يمكنُ اعتبار ما حدثَ في سوريا بعد 2011م ثورةً حقيقية تقودها البروليتاريا الخارجة من نزاعاتٍ اجتماعيةٍ واقتصاديةٍ متردية؟
ومن هو المتضررُ الأكبر في هذا الجحيمِ النّازف الذي يبدو من المتعذرِ إيقافهُ أو تحديد خطوط عريضة يمكنُ التوقفُ عندها؟
بين عام 1516م و 1923م شهدت بلادُ الشامِ أسوأَ سنواتها حين تغلغلَ الاستعمارُ العثمانيّ في أراضيها مستبيحاً المدنَ ومهجراً الرجالَ والنساءَ والأطفال، ومؤثراً بشكلٍ سيء في النظم الاجتماعية والاقتصادية، فمن ـ عمليات الإبادة الجماعية مروراً بسبي النساء وبيع الأطفال كعمال مأجورين في سن صغيرة؛ إلى إطلاق أكبر مؤامرات التهجير القسريّ والاستيلاء على حريات بعض أرباب المهن من ذوي الكفاءاتِ العالية وتهجيرهم إلى داخل تركيا وانتهاءً بالتطهيرِ العرقي ـ نجد أن ما حدث في سوريا بعد عام 2011م لم يكن ثورةً بالمفهوم الحقيقي لها، وإنما بدت كذلك للوهلةِ الأولى إمعاناً في توظيفِ أكبرَ عددٍ ممكنٍ من دعاةِ الحرية والمساواة؛ خاصةً النساء اللواتي هدرن عمرهن في محاولةِ لفتِ الأنظارِ إلى قضيتهن المتمثلة بالحصول على حقوقٍ متساويةٍ وتوظيفِ إمكانيتهن في المكانِ المناسبِ والتخلصَ من تبعيات النظامِ الأبويّ الآخذ في الاتساع عاماً تلو آخر.
الحربُ التي دارت رحَاها داخلَ البلاد السورية ليست سوى استنساخ مُكرر عن حربٍ عثمانية تتمثلُ برغبة الأتراك في إعادةَ مجدهم الغابر، فالثورة غالباً ما تقودها الشعوب ذاتها وليس شعوباً أخرى بالنيابة عنها.
عاشت المرأةُ السوريةُ ضمن عالمين، عالمٌ سورياليٌّ؛ ما قبل الحرب أي ما قبل 2011م ، وعالمٌ واقعي ما بعد 2011م.
قبل الحرب انتزعَ قانونُ الأحوالِ الشّخصية قدرةَ المرأة على التخلصِ من تبعيات النظام الأبويّ وإذ يعدّ هذا القانون بمثابة كارثة حقيقية حُرمت بسببهِ المرأة السُّورية من حق الحصول على طلاق سهل أو على تعويضٍ يناسبُ ما أنفقته طيلة حياتها في البيتِ الزوجي، تخرجُ المرأة مُعدمة بالكامل حتى أنها تفشلُ في حضانةِ أطفالها بسبب عجزها عن تبني استقرار مالي بعدما أُرهقت خلال سنواتِ الزواج، فبحكم العاداتِ والتقاليدِ والقوانين السورية لا مناص من التمرغ في الحالةِ البدائيةِ لزواجٍ تقليديّ يتطلبُ حضورَ المرأةِ بالكامل مالياً ونفسياً وجسدياً. ولعلَ أكثرَ ما يسيء إليها أنها لا ترث وفي بعض الحالاتِ ترثُ بعض الممتلكات وفق حق الانتفاع الذي تخسرهُ بمجرد وفاتها.
رغم ذلك نجد أن حياةَ الأسرة السورية قبل الحرب ظلت مُتماسكة على نحوٍ ما، ربما كان تماسكاً آنياً لكنهُ بشكلٍ أو بآخر حافظَ على مسارٍ واحدٍ كانت فيه المرأة على قناعةٍ تامة بضرورة حرمانها من حُقوقها وفقَ المقولةِ السّائدة بأن الرّجالَ قوامونَ على النساء أو أنها ناقصة عقل ودين.
في العالم الآخر أي عالم ما بعدَ الحرب نشهدُ انطلاقةً خجولةً نحو تصحيحِ مساراتٍ عديدة مثل مسارِ المساوة الذي بدا مطلباً ملحاً في ظل توسع وسائلِ التواصل الاجتماعي الذي عرّفَ النساء حولَ العالم على حقوقهن بالكامل وبتعرفيهن على وجهِ الخصوص بإنسانيتهن فالمرأة إنسان قبل أن تكونَ أنثى.
غيرَ أن المرأة السورية ورغم اتساعِ رقعةِ التواصل بينها وبين مجتمعاتٍ أكثر تحضراً لم تفطن للطريقةِ المثلى الواجب اتباعها كي تحصلَ على حقها كاملاً دون نقصان، فعملية النهوض بواقعها المتردي إلى واقعٍ أفضل يتطلبُ منها العملَ الجماعيّ ضمنَ حركةٍ نسويةٍ فعالةٍ ومنضبطة وما تشهدهُ المرأةُ السّورية هو مجرد حالات دفاعٍ فردية عن حقوق غالباً ما تخصُّ حالاتٍ معينة ولا يمكن تعميمها بالإجمال على حياة النّساء السوريات، مثل تعديل ما يجب تعديله من القوانينِ السورية أو حصولها على وظائف بنسبة تساوي ما يحصل عليها الرّجال.
عند متابعة أو تقصي الحالات التي بدأت تظهر في الآونة الأخيرة على وسائل التواصل الاجتماعي كالفيسبوك نجد بداية خجولة لنساءٍ يعترفن بتعرضهن للتحرشِ الجنسي خلال فترات الطفولة أو المراهقة وحتى أثناء العمل ضمنَ احتكاكهن الضّروري بالرجال في مجال عملٍ معين، يعزى ذلك إلى انفضاحِ قصصٍ تعرضت فيه نساءٌ لاجئاتٌ للاغتصاب أو للتحرش الجنسي وللبيع في ظروفٍ أخرى كحال النساء الإيزيديات.
الانفعالُ الوجدانيُّ الذي أحدثتهُ قصصٌ عديدة حصلت لنساء سوريات كثيرات في المهجرِ أو حتى داخل البلاد، كان بداية حقيقيةً لانفتاحِ المرأة السورية على مفهوم التعبيرِ والرفض.
لا يمكنُ التحدثُ عن معاناة المرأة ما بعد الحرب دونَ التطرقِ الفعليّ لتلكَ القصصِ التي تُشكلُ صدمةً عاطفيةً في المحيط الاجتماعي والإنساني أدت في نهاية المطافِ إلى حدوث عقد نفسية تنذر بكوارث فعلية فالصدمة العاطفية تُنسى في إطارٍ زمنيّ ما فيما تبقى العقدة حيّة داخل الكائن الإنساني المتلقي لها على حد قول فرويد.
ولنذكر على سبيل المثال ما حدث في عدرا العمالية خلال شهر كانون الأول من عام 2013م عندما هاجمت جبهةُ النصرة سكان تلك المنطقة وقتلتهم تبعاً للطائفة المنبوذة لديهم، ممن ينتمون إلى الطوائفِ التالية : العلويين والدروز والإسماعيليين، ومما يُذكر في هذه المجزرة اقتيادَ النّساء والأطفال عراة بالكامل حتى مدينة دوما التي كان يسيطرُ عليها آنذاك جيشُ الإسلام الإرهابيّ وهناكَ تمّ وضعُهم في أقفاصٍ حديدية .
أما في ريف اللاذقية تحديداً في 8 أب 2013م ، تلك المجزرة التي استهدفت فيها النساءُ بشكلٍ لا يُصدق، يمكن عدّها مشابهة لهجماتِ المغول والتتر تلك الهجماتُ الوحشيةُ التي لا تحمل في اندفاعها نحو قتل الذاتِ الإنسانية على أدنى ذرةٍ من الرأفة الفطرية المولودة طبيعياً مع كل الكائناتِ الحية.
مجزرة الزارة ريف حماه الجنوبي التي حملت ذكرياتٍ مرّوعة لا يمكن إغفالها أو محاولة طمس حدّة ألمها على من تعرضَ لها.
ولعل تعرض المرأة السّورية للأذى الجسدي والنفسي يبدو أشد إيلاماً مما قد يتعرض له الرجل بحكم طبيعتها الأنثوية واندفاع الارهابيين نحو الاقتصاص من المجتمع بالاقتصاص من جسدها، نساءٌ كثيراتٌ كن يحملن في أحشائهن طفلاً وتم إجهاضهُ بالركلِ على سبيل المثال أو باستخدامِ سكينٍ ونحر منطقة الرحم.
وفق ما ذكرتهُ منظمات حقوقية تركية فإن معدل قتل النساء التركيات عام 2020م بلغ حوالي 3000 امرأة تم تغيير واقعةُ قتلِ البعض منهن وتحويلها إلى محاولةِ انتحارٍ! مما قد يطرح السؤال التالي: إن كانت تركيا تشكل خطراً على نسائها وتلغي دور تلك الجمعيات الإنسانية في الدفاع عنهن فما هو مصيرُ النساءِ السّوريات المهجرات إلى أراضيها؟
في العديدِ من القصصِ التي وردت إلى جمعيات حقوق المرأة فإن غالبيةَ النّساءِ السّوريات المقيمات في تركيا قد تعرضن في أحسنِ الحالات لتحرشٍ جنسيّ من رب العمل أو من المحيط.
وفي أسوأ الحالات تمت المتاجرة بأعضائهن!
لدى الأكراد في سورية، تجربةٌ مختلفةٌ تماماً عما حدثِ لعمومِ النّساء السّوريات ضمن المناطق المشتعلة، لقد تمكّنوا من فهم قدرة المرأة على خوضِ النزاعاتِ كما يخوضها الرجل وأن تخرجَ منه منتصرة؛ وإن لم يكن انتصاراً فهو محاولة جدّية لإظهار قدرة المرأة على التساوي مع الرّجل في ميدان شرسٍ كميدانِ الحرب.
ففي عام 2012م قامت النساء الكرديات بتأسيسِ وحدات حماية المرأة حيثُ حملن السّلاح وتدربن على فنونِ القتالِ وكانت لهن حصصٌ متساويةٌ عسكرياً ومدنياً في المناطقِ الكردية. تجدر الإشارة إلى أن جميع المقاتلات الكرديات، متطوعات. وأنه بالإضافة للتدريب الفكري والعسكري، كن يخضعن للتدريب الأكاديمي حيث يتابعن دروساً حول مفاهيم متعددة متعلقة بالإدارة الذّاتية الديمقراطية، وكن لا يشاركن في القتالِ إلا بعد انتهاءِ تدريبهن بالكامل.
استقبلت تلك الوحدات التي تُعنى بحماية المرأة جميع النساءِ من جميع القوميات إذ كن يعتبرن الدفاع عن البلاد واجباً مشتركاً بين جميع أطياف الشعب بعيداً عن العادات والتقاليد التي درجت على إبعاد المرأة عن حيز القتال.
تقولُ زيلان وهي واحدة من مقاتلات كثيرات يتمركزن غرب الرّقة : " أشعر أني أحظى بالاحترام كامرأة، أصبحَ لحياتي معنى الآن "
يبقى السؤال: ما هو الشيءُ الذي لم تتعرض له المرأة السوريةُ قبلَ الحربِ وبعدها؟ أو بمعنى آخر ماذا يجب عليها أن تختبر بَعد كي ينهض الآخرون بواقعها باعتبارها قاصرةً عن أداء دورها في النهوض بذلك الواقع على حدِ تعبير ذكور المجتمع الأبويّ؟
وما هي الحركةُ النّسوية الواجبُ قيامها في سبيل لفت الأنظار إلى الكم الهائلِ من معاناة تلك المرأة في الداخل السوريّ أو في الخارج، فالمرأة السّورية داخل البلاد وخارجها على حد سواء تقف في أدنى السّلم الاجتماعي ولو أنها قد تحصل على منصبٍ معين في مكان ما فإنه لا يغدو كونه مجرد منصب فرديّ ولا ينالُ نسبةً معقولةٌ من تلكَ النسب التي يحصل عليها الرّجلُ في الأوساطِ المهنية.
يبقى أن أذكرُ في نهاية الأمر قدرةَ المرأة ذاتها على التوقف حيثُ أرادَ لها الآخرون؛ أن ترفضَ حقوقها كاملةً، وأن تحاربَ نساء أخريات يحاولن بشتى الوسائلِ قراءة قضيتهن على الملأ. هؤلاء النّسوة أشدُ خطراً من النسبة الذكورية التي تحارب رغبة النّسوية في المساواة، ويعزى خطرها إلى قدرتها المتنامية في تصديقها للهراء المتمثل بالتقاليد البالية ونقل تلكَ المعرفة الضَحلة إلى أجيال كثيرة خاصةً إن كن يعملن في التّعليم ويتوجهن بأفكارهنَ السيئة حولَ حرية المرأة إلى أجيالٍ ننتظرُ منها أن تمثلَنا في المستقبلِ القريب.
إذاً أية عملية يراد لها إطلاق حركة نسويّة فعالة يجب عليها أن تتوجه في البداية نحو إصلاح المناهجِ التعليمية والتركيز فيها على أهمية النّساء عبرَ التاريخ وأن يتم إضافة مادة الأخلاق ضمن خطة المناهج في الحلقتين الأولى والثانية، هذه المادة التي تحتوي على أرقى طرقِ التعامل مع الآخر مستمدة معرفتها من تجارب دولٍ بلغت حداً كبيراً في الرّقي الإنساني والتعامل مع الآخر بعيداً عن العنصرية.