عدا الثرثرة، هل تستخدمُ النساءُ قدراتهن الصوتية جيداً؟



شذى كامل خليل
2021 / 5 / 28

يقولُ فرويد : " احصل على مستلزماتِ العدالة، تحصلُ على مستلزماتِ الحضارة؟ "
فرويد نفسهُ لم يحدد طبيعة العدالة، هل هي عدالة جميع البشر؟ أم هي عدالة تخصُّ المجتمعَ الذّكوري؟ فهذا الطبيب النفسي المشهور أفلتَ دون قصدٍ من قبضةِ المحاولة التي أبداها لفهمِ المرأة أو تخفيفِ أعبائها الاجتماعية هو الذي أرسلَ لزوجتهِ ( مارتا برزنيز ) في فترةِ الخطوبة، رسالةَ تحذيرٍ قالَ فيها : " انتظري.. عندما أعودُ ستعتادينَ الأمرَ، أن يكونَ لكِ سيدٌ، سيدٌ قاسٍ بلا ريب، وسوف تعرفين أنه لن يحبكِ أحدٌ مقدارَ ما أحبكِ"
رسالةٌ واحدةٌ أو هي جملتين لا أكثر تعكسُ حجم التشظي الدّاخلي لدى فرويد، إذ غالباً ما يعاني الأطباء أنفسهم، ألمَ المرضِ أكثر من المرضى، استخدمَ فرويد القسوة والحب في جملتين، انطوت الأولى على مفهوم تحذيري أما الثانية فقد حاولت أن تؤكد على أن الحب الذي يقدمهُ فرويد لزوجته هو حبٌ لا يمكن لها بطبيعةِ الحال أن تحصلَ عليه إلا من خلالهِ أو معه.
وهو أمرٌ أنانيٌّ أن نترك الآخر يتخبطُ في شعورهِ بالمهانة جراء تلقيهِ عاطفة في الوقت الذي قد لا يستحقها. لكن من يحدد استحقاقَ أحدٍ للعاطفة؟ من يقرر أن هذا الشخص أو ذاك يحقُ لهُ أن يحصلَ على اهتمام أو حب؟ ولماذا لا ندركُ أن عملية تجويع المرأة ( نفسياً وعاطفياً ) هي عملية قديمة قدم التاريخ يمارسها الذكوريين المثقفين وغير المثقفين مدفوعين بالفطرة الدينية التي تقولُ أن الرجالَ قوامونَ على النّساء؟
يقولُ فرويد أيضاً : " من غيرِ المعقولِ رميُّ النساءِ في معتركِ الحياة" مُضيفاً أنه سوفَ لن يسندَ دوراً لحبيبتهِ الناعمة إلا دورَها الطبيعي وهو الاهتمام بمنزلهِ!
لا يمكنُ إغفال تأثيرات علماء مهمين على المدى البعيد مثل فرويد وغيرهِ، الذين لقنّوا اللاوعي الإنساني مفردات حيّاتية دائمة ومستمرة إلى هذه اللحظة، إنكَ لا تستطيعُ حتى أن تتأقلمَ مع فكرة دحض بعض المسّلمات مثل حصول المرأة على منزلٍ خاصٍ بها وعلى عيشها وحيدة، ولا يمكن لكَ أن تتخيلَ أن تحبَّ ابنتكَ رجلاً ينتمي إلى طائفةٍ مختلفة عن طائفتكَ، الأمر يبدو شاقاً فاللاشعور الجمعي عادةً ما يربطكَ بقسوة بمن حولكَ وهو يشدد على عدم انقلابك أو التفكير بانقلاب مهما بلغ حجمهُ أو صغرت قيمته، الانقلاب انقلاب مهما حاولت تبسيطهُ وهو أمرٌ مرفوضٌ في العقلِ الجمعي ولذلكَ أقل شيءٍ يمكنكَ عملهُ وسط مجتمعٍ يزدهرُ بالقيل والقال ويتحكمُ بسمعةِ الأفراد ويستحكم إلى المعطيات الفارغة الخفيفة التي لا تثير زوبعة أفكار حديثة؛ هو أن تلوذ بجلدك وتنضمَ إليهم وهذا لا يغدو تأقلماً عابراً وإنما قتلاً رحيماً على المدى البعيد.
إن أهم سؤالٍ يمكنُ لنا طرحهُ ومحاولةَ الإجابة عنه بالشكل الدقيقِ هوَ : من الذي يقودُ عملية التعتيم على العقل الفرديّ، أو بمعنى آخر من هوَ عدو المرأةِ الحقيقيّ؟ هل هو الرجلُ أم هي المرأة؟
كثيرون أكدوا أن المرأة عدوة المرأة، فهي تحاربها حين ترفضُ على سبيل المثال تزويج ابنها من امرأةٍ مطلقة، ترفضُ أن يحب ابنها امرأة أرملة أو أكبر سناً منه، هي تصيرُ عدوةً عندما تتقبلُ جميع ما يأتي به المجتمعُ الشرقيٌّ من عادات بدءاً من تخليها عن الميراث لأخوتها مروراً بالزواج كأكبر أحلامها وانتهاءً بالثرثرة، فالمرأة ثرثارة لأنها وُصمت بهذا العار منذُ القديم، وإن أكثر النساء ثرثرة هن أكثرهن تصدعاً في الداخل وأكثرهن سوءاً بالنسبة للأخريات.
في المجتمعات العاطفية؛ الشرقية أو الدينية التي تخضعُ إلى قوانين لا يمكن مناقشتها أو تغييرها، تعاني المرأة تعتيماً على إمكانيات لا محدودة تمتلكها، وربما يكون تعتيماً مقصوداً يراد له أن يجري وفقَ نسق معين ومن أجل بلوغ غاية محددة تؤدي سلفاً للاعتراف بقدسية الرّجل ككائن مختلف ومهم يأتي في المرتبة الثانية بعد مرتبة الآلهة، رغم ذلك ثمة صوتٌ مرتفع في تلك المجتمعاتِ فجميع الرّجال فيه يريدون امرأة تشبه أمهم.
تربي المرأةُ الشرقية الذكورَ كما لو كانت تُربي ملكية شخصية لذلك أمرُ التخلي عنهم هو أمرٌ شديدُ القسوة عليها، من هنا تولدُ التربية المقرونة بالعاطفة التي تهبها للأبناء الذكور دون الإناث وهي تربيةٌ تحتم عليها عدمَ تركهم يتساوون مع النّساء في مهام تبدو أنثوية ولا طائل منها، يفترضُ هذا النوع من السلوك التربويّ أسساً عديمة المعنى تسيرُ وفقها المرأةُ الأم التي تحدد صفاتاً معينةً ومستحيلة في آن معاً لا بد توافرها في المرأة الأخرى ( النقيض لها ) التي سوف تتزوج ابنها، من هنا تنشأُ صراعاتٌ حيّاتية لا قيمة مطلقة لها ولكنها إذ تتغلغل في الدّاخل الإنساني لأيّ كائنٍ شرقي وتصيرُ شيئاً فشيء منهجاً عظيماً لا يمكن إنكاره أو لا يمكن تغييره، فرويد كان واحداً ممن تعلقوا بأمهاتهم إلى الدّرجة التي عدّ فيها الأم امرأة لا مثيل لها وبالتالي لا يمكن توافر صفاتها لدى امرأة أخرى ومن هنا علينا التدخل بالقول أن الأم لا يمكنُ أن تكون زوجةً هذا أمرٌ مرفوض اجتماعياً ودينياً وإنسانياً وبالتالي لا يمكن للزوجة أن تكون زوجة وأماً معاً، لا يمكنُ إسناد الأدوار وفقاً لمخيلة مجتمعية طاغية، الأم أم والزوجة زوجة.
ماذا عن الحركات النسويّة الفردية؟ أو ما هو الطائل من وراءِ محاولة إحداث تغييرٍ لدى الناس بقيادة فردٍ واحد؟ تجربة الناشطة النسوية دارين حليمة لا يمكن أن تحدث أثراً كبيراً على المدى الطويل، يمكنها ذلك على المدى القصير فحسب لكنه آنيٌّ أيضاً فدارين حليمة ألقت الضوءَ المبهر على مجموعةٍ من الناس الذين قضوا حياتهم وسطَ العتمة، ما الذي توقعتهُ منهم في طبيعة الحال؟ أو ما الذي فكرت فيه حين شاركتهم قصتها عندما مارست الجنس مع شخص لا تحبهُ؟
لا يمكن إنكار قوة حليمة في طرح هذه الجدال حول ملكيتها الشّخصية لجسدها ولكن لا يمكن أن تستبدلَ مجتمعات دينية منذ آلاف السنوات بمجتمع علماني بين ليلة وضحاها، مثل هذه الحركاتِ النسوية الفردية عليها أن تسلكَ منهج التّدرج، أن تتغلغل ببساطة ضمن شرائح مختلفة ضمنَ المجتمع الواحد، أمرُ إلقاء التّجارب الشّخصية لا يؤتي ثمارهُ على الإطلاق وإنما يجعلها عرضة لتحويلها من ناشطة نسوية إلى امرأة سيئة السمعة.
تجاربٌ أخرى لنساء تشاركن حملة النهوض بواقعهن ولكنهن ارتكبن أخطاء كبيرة حين سلطن الضوءَ على مجتمعاتٍ أخرى بعيدة كل البعد عن مجتمعاتهن، فحين تحاول المرأة السورية الحصول على حقوقٍ متساوية مع الرجل عليها أن توظف إمكانياتها في سبيل ذلك وليس أن تهدر طاقتها المحدودة في سبيل نيلِ نساء دول أخرى لحريتهن! الأمر يبدو غريباً حين تظن للوهلة الأولى أن نظرة المرأة للنسوية تتشابهُ في جميع الدول، فهناك من يناضلن في سبيل الحصول على حق العمل في حين تقوم نساء أخريات حاصلات على هذا الحق بحملة للحصول على حق منح الجنسية لأطفالهن، الحقوقُ التي تنالها النّساء حول العالم غير متشابهة على الإطلاق وعليه فإن توسيع دائرة النسوية يبدو أمراً خاطئاً أو هو لا يعدو كونهُ أمراً ارتجالياً لا ينتهي إلى نتائج فعلية.
على النّساء أن يبدأن بتغيير مساراتهن إلى الأسرة، تربية الذّكور بالطريقة الصحيحة والواضحة فهذا على ما يبدو هو المدخل الوحيد نحو مساواة شاملة أو بداية معقولة لنيل ما يجب نيلهُ.