من يؤتمن على العرض ... !



هند الصنعاني
2021 / 6 / 8


شهدت الأيام الأخيرة ضجة كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي عندما قام والد عروس ببادرة مختلفة قوبلت بالاستحسان و الدهشة عند البعض، و خلقت لغطا عند البعض الآخر، فقد رفض هذا السيد تحرير قائمة بالمنقولات الزوجية و كتب مكانها " من يؤتمن على العرض لا يسأل عن المال..." بادرة طيبة بالنسبة للمجتمع المصري، الهدف منها تخفيف الاعباء و دعوة لحسن اختيار الأزواج و الربط بينهم بالمودة و الرحمة لا بالماديات و هو ما ينعكس على المجتمع الذي بدأ يتآكل بالصراعات بين الأزواج.
" من يؤتمن على العرض لا يسأل عن المال.." عبارة نقف عندها، تعني الكثير عند ذلك الأب الذي يقدم اغلى ما لديه لرجل غريب قد يشك او لا يشك في خباياه التي ستظهر حتما بعد العشرة.
هذه المبادرة لا أراها فريدة حتى تحصل هذه الضجة، لأنها مسألة اختيار، ربما غريبة فقط على المجتمع المصري لكنها عادية جدا في معظم الدول العربية لأنها لا تعتبر بندا من بنود الزواج، فهذا البند الذي استغربه انا شخصيا خصوصا انه لا يستخدم لاسترجاع المنقولات عند الطلاق، لكنه غالبا ما يستعمل لحبس الزوج باستعمال الاعيب كثيرة.
الأكيد أن كل اب لا يتمنى ان يلجأ الى هذه الأساليب، و يبقى " الرجل السوي" هو المطمع الذي ينادي به كل اب، لكن يا ترى من هو هذا الرجل السوي، و ما هي صفاته؟!
الرجل السوي، هو ذلك الرجل الخالي من العقد النفسية المدمرة و السامة، هو أيضا ذلك الرجل الذي تتطابق صورته الداخلية و الخارجية، يكون في معظم الأوقات واضحا و صريحا، لا يحب الطرق الملتوية للوصول الى الهدف، غالبا ما يكون متصالحا مع نفسه و متقبلا للغير بكل اختلافاته، يتمتع بمرونة فكرية تجعله قادرا على التواصل بطريقة حضارية، قادرا على استيعاب الصدمات و ادارتها، و ايضا على السيطرة على انفعالاته، يتميز بهدوء نفسي طبيعي، يستطيع رؤية الأمور من زوايا مختلفة بدون تعصب، مقتنع بخطواته و قراراته، قادرا على اكتساب الحكمة و الاستفادة منها من خلال كل التجارب التي مرت عليه، فهل هذه الصفات متواجدة بداخلنا حتى نضمن حياة مستقرة لنا ولأطفالنا؟!.
الجواب...بالطبع لا!، معظمنا شخصيات غير سوية، تأثرت بالعديد من المشاكل و الصراعات و التجارب السلبية، لذلك جل العلاقات الزوجية الحالية تعاني من صراعات تتضخم آثارها حتى اصبحت ظاهرة تستحق الدراسة لأنها تحولت في بعض الأحيان إلى جرائم يهتز لها المجتمع.
اختلفت الحياة، و اختلفت الخلافات أيضا، فالطرفين في عصرنا الحالي لا يتصفان بأهم الصفات و هما الصبر والرضا، هاتان الصفتان كانتا اهم مبدئين عند ابائنا و اجدادنا، ليتحول الخلاف البسيط بسبب العناد الى خلاف هدام لا ينتهي الا بالمحاكم، وتقف المرأة وسط طريق مليء بالالغام بسبب ثغرات القانون، التي تناصر الرجل، و تساهم في تقديم الأطفال ضحية اختيار خاطىء، ويضاف هذا الطفل فيما بعد الى قائمة الرجال المعقدين المدمِرين والمدمَرين و يصبح طابور من "لا يؤتمنون على العرض" أطول و أطول.
الجانب المادي لا يضمن حياة سوية لأحد، لذلك علينا مراعاة نقاطا أخرى أهم من الماديات و " القايمة" والمؤخر ، لنهتم بالتربية السوية لأطفالنا فهم رجال الغد، علينا ان نربيهم على قدسية الحياة الأسرية، ولا نقدم على خطوة الزواج الا و نحن جاهزون معنويا قبل ماديا، و ان نربيهم على الحب و الاحترام و الرضا و القناعة، لكن كل هذا لا يعني اننا نتجاهل الحقوق المادية في حالة الطلاق لأن المحاكم لن تغلق ابدا، لكن علينا ان نطالب بقوانين صارمة و ان يتم تفعيلها أيضا لضمان للزوجة والأطفال كافة الحقوق بدون الجلوس على سلالم المحاكم لسنوات طويلة أو الخضوع للممارسات المهينة التي يلجأ إليها الزوج للانتقام منها واذلالها، حتى نجعل من الطلاق وسيلة للراحة عند الاختلاف لا وسيلة للانتقام و ارتكاب الجرائم وقتها لن نحتاج الى قوائم تهدد حياة الأزواج.