حال المرأة العراقية



رائد الدنيناوي
2021 / 6 / 21

إن دراسة المجتمع العراقي وتطوره خلال العقود الأخيرة اقتصادياً واجتماعياً وحضارياً تشير إلى الوقائع التالية: استمرار سيادة العلاقات الإنتاجية شبه الإقطاعية وتقاليدها وعاداتها، بما في ذلك العلاقات العشائرية التي تعود إلى حد ما إلى فترة العلاقات الأبوية التي تسبق العلاقات الإنتاجية الإقطاعية في الريف، ولكن تعكس تأثيراتها وممارساتها البارزة على المدينة بشكل كبير وبشكل خاص في المجتمعات أو الجماعات الاجتماعية المهمشة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً من قبل الدولة والمجتمع والمنحدرة في أغلبها من أصل ريفي فلاحي أو بدوي ولم تدخل عالم الصناعة والعلاقات الإنتاجية الرأسمالية. وهي علاقات تحترم المرأة نسبياً في داخل العائلة، ولكنها تحتقرها خارج إطار العائلة والمجتمع وتعتبرها ناقصة العقل وعاجزة عن التفكير والتصرف العقلاني وهي دونية ينبغي الحذر منها، إذ حتى عندما يأتي ذكر المرأة في حديث بين الرجال يرفقها الرجل "حاشاك!"، وكأنها شيئاً محتقراً أو غير نظيف وليست إنساناً كالرجل. وهو تعبير يحط من قدر الأنثى، وكأن الذكور يتحدثون عن شيء لا قيمة له بل أن ذكره يسيء للإنسان الذكر الذي هو "أعلى خلقاً وأكثر عقلاً وأوفر حصافة وقدراً من الأنثى في المجتمع!". علماً بأن المرأة في الريف تُستغل بشكل مريع وأكثر من الرجل في أحايين كثيرة، فهي التي تنجب الأطفال وتقوم على تربيتهم، وهي التي تمارس الطبخ وتنظم وتنظف الدار، وهي التي تساهم في أعمال الحقل وتذهب لتسويق المنتجات الزراعية في السوق المحلية، ولكنها، ورغم كل ذلك، غير مستقلة اقتصادياً عن الرجل، بل خاضعة وتابعة لسطوته وهيمنته الكاملة اجتماعياً واقتصادياً، ولا شك في أن أوضاع المرأة في المدينة تختلف إلى حد ما عن أوضاعها في الريف، ولكنها تعاني من انتقال علاقات الريف إلى المدينة، وخاصة في المرحلة الراهنة. ورغم وجود نسبة لا بأس بها من المتعلمات، إلا أن الكثيرات منهن يعانين من البطالة المزمنة. وأصبحت حالياً حبيسة البيت والمطبخ وتربية الأطفال والحرمان من أغلب الحقوق والواجبات الحقيقية في المجتمع. وعندما تحرم النسبة العظمى من النساء من العمل والحصول على أجر مناسب, فهن لا يتمتعن بأي استقلال اقتصادي ولا بحريتهن، وبالتالي فهن خاضعات وتابعات للذكور.
والحياة السياسية في العراق على امتداد العقود الثمانية المنصرمة لم تكن في الغالب الأعم سوى حياة خالية من ممارسة النصوص الدستورية، سواء أكانت تلك النصوص دستورية دائمة أم مؤقتة، رغم أن تلك الدساتير كانت تتضمن بعض المبادئ الديمقراطية العامة، ولكن الممارسة العملية لها كانت تشير إلى عكس ذلك وخاصة في العقود الأربعة الأخيرة. فالمجتمع خلال فترة حكم البعث الصدامي لم يعرف الحرية والديمقراطية واغتيلت بالكامل حقوق الإنسان وحريته وكرامته، بما في ذلك حقه في الحياة، بصيغ وأساليب وأدوات شتى. وكانت حصة المرأة تمثل الجزء الأكبر من الحرمان والظلم والعذاب والتمييز المقيت في كل شيء. لم تتمتع المرأة بحريتها واستقلالها الاقتصادي ونشاطها الاجتماعي ولم تُظلم من قبل الدولة والحكومة وحدهما فحسب، بل من قبل المجتمع، والذكور منهم بشكل خاص. وهي إشكالية مرتبطة بالعامل الأول. والدستور المدني العراقي الجديد، الذي لا يزال يغيب حقوق المرأة الأساسية ويعزز من الحالة السيئة الراهنة التي تواجهها المرأة العراقية، وهي اليوم ليست حبيسة الدار والمطبخ فحسب، بل وحبيسة الإرهاب الذي يمارسه في الغالب الأعم الذكور، وهي حبيسة تخلف الغالبية العظمى من النسوة والجهل الكبير واستخدام الدين والشريعة كسلاح متحيز من قبل الذكور ضد النسوة وحريتهن. ورغم اعتراف دولة العراق بلائحة حقوق الإنسان منذ إقرارها في العاشر من كانون الأول/ديسمبر 1948، فإنها لم تجد التطبيق الفعلي، بل داس جميع الحكام في العراق، ومعهم الغالبية العظمى من رجال الدين في المؤسسات الدينية العراقية، عليها بالأقدام.
ما هي المشكلات التي تواجه المرأة مباشرة في المرحلة الراهنة؟
هناك الكثير من الأسئلة التي يفترض فينا طرحها والإجابة عنها في كتاباتنا وحواراتنا الفكرية والسياسية, ومنها مثلاً:

• هل النساء يفهمن مشكلاتهن الفعلية التي تواجههن يومياً؟ وإذا كان كذلك لم لا يناضلن بشكل واسع ضد هذا الواقع؟ أم أن المشكلة تكمن وراء التفسير الخاطئ لأسباب المشكلات واعتبار ذلك قدراً إلهياً لا مناص منه؟

• هل تلعب القوى الإسلامية السياسية عموماً دورها في التغطية على التفسير الأسلم والأكثر عقلانية لمشكلات المرأة ودفعها للتفكير باتجاه غيبي محبط؟ إلا يلعب التفسير الإسلامي السياسي لأوضاع المرأة دوره في التغطية على الصراعات الاجتماعية وخاصة الطبقية لصالح الصراعات الطائفية والهامشية التي يواجهها المجتمع في العراق حالياً؟
• هل الواقع السياسي الراهن وتعقيداته وتشابكاته في العراق يسمح بتطوير دور المرأة ونضالها في سبيل انتزاع حقوقها من المجتمع الذكوري السائد وتقاليده الجلفة في التعامل مع المرأة؟
• هل يمكن للمرأة الديمقراطية واللبرالية والعلمانية أن تلعب دورها في توسيع قاعدة تأثيرها ونشر منظومتها الفكرية والسياسية المرتبطة بالحقوق الأساسية والمساواة مع الرجل؟
• هل يلعب السياسيون الذكور عموماً دوراً سلبياً معرقلاً لتطور وتنامي دور المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وفي انتزاع حقوقها المتساوية مع الرجل؟
كل المؤشرات تؤكد إن غالبية المؤسسات الدينية ورجال الدين والقوى السياسية، وخاصة غير الديمقراطية، تساهم في إعاقة تقدم المرأة وتطورها وضمان انتزاع حقوقها المشروعة. ولو ألقينا نظرة فاحصة على المجتمع العراقي الراهن لوجدنا المشكلات التالية:

تراجع حقيقي للمرأة عن المشاركة في الحياة الوظيفية والخدمة العامة وفي النشاط الاقتصادي، وبالتالي تبعية فعلية للرجل في تأمين لقمة العيش والملبس والمأوى.
تراجع فعلي في دور المرأة في الحياة الاجتماعية والثقافية وفي التأثير الإيجابي على المجتمع وفي حياة الأندية الفكرية والرياضية والمحافل الثقافية. وتشير بعض الإحصائيات إلى تنامي الأمية في صفوف المجتمع في الريف والبادية إلى 75 % بين الرجال و98 % بين النساء في الوقت الحاضر.
انتشار البطالة بشكل واسع في صفوف الإناث ويشكل أضعاف حجم البطالة في صفوف الذكور، إضافة إلى التمييز الصارخ في الأجور. ويشار إلى أن نسبة البطالة في العراق تتجاوز ال 60 % من إجمالي عدد القادرين على العمل، ولكنها متباينة في نسبتها بين الرجال والنساء في غير صالح النساء.
تنامي عدد الأرامل بسبب الحروب الماضية وبسبب الإرهاب الذي يحيل الكثير من النساء إلى أرامل والأطفال إلى يتامى ويخل بالتوازن المطلوب في التناسب بين عدد الإناث وعدد الذكور في المجتمع.
تنامي عدد النساء العازبات اللواتي تجاوز عمر كل منهن الثلاثين سنة واللواتي لا يحملن شهادات أو عجزن عن الحصول على فرصة عمل شريفة.
تفاقم أزمة السكن التي تسحق يومياً وتحيل الكثير من العائلات الفقيرة والكادحة وخاصة النساء الأرامل والمطلقات مع أطفالهن إلى العيش في ظل ظروف قاسية ومريرة وحرمان مطلق، وانعدام الحياة الطبيعية الخالية من المشاكل.

التأثير الصارخ لرجال الدين والمؤسسات الدينية، وليس لبعض علماء الدين الذين يتفاعلون مع العصر الحديث والتغيرات الطارئة على الحياة، وكذلك المشعوذين والسحرة واللاعبين بعقول كثرة من الذكور البسطاء والمسيطرين على عقول نسبة كبيرة من النساء وعلى تصرفاتهن وممارساتهن اليومية.
انغماس المرأة في ضوء العلاقة مع رجال الدين والفتاوى في الغيبيات واعتبار أن ما يصيبها هو قدرها المكتوب عليها وليس في مقدورها رد المكروه عنها.
ارتفاع نسبة الجريمة المرتكبة بحق النسوة من حيث الاختطاف والابتزاز والاغتصاب الجنسي والاعتداء بالضرب والاضطهاد والقمع غير المعهودين. وعلينا أن نؤكد بأن المرأة تعاني من انتشار البغاء النسوي لا لرغبة فيه بل لأسباب اقتصادية واجتماعية قاهرة.
تفاقم الفساد في الدولة والمجتمع حيث تعاني المرأة في ظل هذا الفساد وخاصة في المحاكم الشرعية والمدنية حيث لا يمكن تمشية حالة واحدة دون رشوة ...الخ.