حد الرجم بين المؤيدين والمعارضين من المنظور الديني



حسن نبو
2021 / 7 / 1

يمكن القول ان عقوبة الرجم او مايسمى شرعا ب: حد الرجم الذي تطبقه بعض الدول في عصرنا الراهن على الزاني المحصن والزانية المحصنة، امثال: ايران والصومال وباكستان وسلطنة بروناي وبعض ولايات نيجيريا والسعودية - تراجعت عقوبة الرجم في السعودية خلال السنوات العشرة الاخيرة - تعرضت الى الكثير من الانتقادات القاسية، ليس من قبل منظمات وجماعات حقوق الانسان فحسب ، بل من قبل بعض المذاهب الاسلامية وعدد كبير من الشيوخ والأئمة وعلماء الدين قديما وحديثا وارتقت بعض الانتقادات الى حد المطالبة بإلغاء هذه العقوبة كليا لتعارصها مع روح الاسلام .

فقد انكرت فرقة الخوارج التي ظهرت في اواخر خلافة عثمان بن عفان هذا الحد ، كما انكرتها المعتزلة ايضا التي ظهرت كمذهب ديني او فرقة دينية في بداية القرن الثاني الهجري .وسبب انكار هاتين الفرقتين لعقوبة او حد الرجم هو عدم وجود اي آية في القرآن الذي تعتبرانه المصدر الوحيد للأحكام في الاسلام، تؤيد اقامة حد الرجم ، وان آية الرجم هي منسوخة او مرفوعة من القرآن قراءة وحكما في منظورهما . كما عارض حد الرجم العديد من الأئمة والشيوخ ورجال الدين المتأخرين ، اذكر منهم على سبيل المثال: الشيخ ابو زهرة كبار علماء الازهر ، وشيخ الازهر الامام محمود شلتوت ،والمفكر الاسلامي السوداني حسن الترابي، والشيخ محمد المختار الشنقيطي من موريتانيا، والفقيه والمفكر العراقي الاسلامي طه جابر العلواني، والشيخ مصطفى الزرقا من سوريا ، والعلامة المصري محمد الخضري وغيرهم .

وبالمقابل فقد اجمعت المذاهب السنية الرئيسية الاربعة : المذهب الحنفي والمذهب الشافعي والمذهب المالكي والمذهب الحنبلي اضافة الى جميع المذاهب الشيعية وكل فقهاء وشيوخ هذه الملتزمين بهذه المذاهب على وجوب اقامة حد الرجم كعقوبة شرعية على الزاني المحصن والزانية المحثنة عند توفر شروطه ، وتستند هذه المذاهب على الادلة التالية في اقامة حد الرجم :

الدليل الاول : وجود اية الرجم التي تقول: (الشيخ والشيخة اذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم) ، ويعلل هذا الفريق الاستناد على هذه الاية رغم عدم وجودها في القرآن بالقول : ان هذه الآية منسوخة لفظا وباقية حكما ، اي : ان حكمها باق رغم نسخها لفظا .

الدليل الثاني : هو قيام النبي برجم رجلين وامرأتين وهم : ماعز بن مالك والمرأة الغامدية ورجل وامرأة يهوديان . وهذا يعني ان النبي استند في الرجم على حكم اية الرجم رغم عدم وجودها في القرآن مما يؤكد عدم نسخ حكمها .

الدليل الثالث : هو قيام صحابة النبي بتنفيذ حد الرجم من بعده ، فعلي بن ابي طالب رجم شراحة الهمذانية في خلافته . وان عثمان بن عفان ايضا امر في خلافته برجم زانية .

الدليل الرابع : ماقاله عمر عمر بن الخطاب في خطبة يوم الجمعة على المنبر عندما سؤل عن حد الرجم ، فقد ورد عن هذا الفريق ان عمر قد قال : (الرجم في كتاب الله حق على من زنى اذا احصن من الرجال والنساء، اذا قامت البينة او الحبل او الاعتراف) وان الصحابة الذين كانوا حاضرين قد اقروا عمر على اثبات الآية أي: اثبات حكم اية الرجم .

وقد انفرد المالكية باضافة شرط اخر الى الشروط المذكورة وهو ان يكون الزاني مسلما وان تكون الزانية مسلمة.

ويشترط هذا الفريق لاقامة حد الرجم على الزاني والزانية والثيب مايلي:

1 - ان يكون الزاني او الزانية محصنين ، اي متزوجين ، ويعتبر الثيب في حكم المحصن . واذا وقع الزنا بوجود عقد النكاح دون الدخول اي : دون حدوث الجماع بين طرفي العقد فلايعتبر الزاني والزانية محصنين ولايقام عليهما حد الرجم .

2 - ان يتم اثبات الزنا بشهادة اربعة شهود عدول ، يشهدوا انهم رأوا الميل في المكحل . او بإقرار الزاني و الزانية بارتكابهما فعل الزنا .

3 - ان يتم الاثبات عند الحاكم الشرعي وان لايقام الحد الا عنده فهو وحده المخول بتطبيق حد الرجم وغيره من الحدود الشرعية . والحاكم الشرعي هو الامام اي : السلطان بصفة ولاية الحاكم او من يقوم مقامه .

4 - ان يكون الزاني او الزانية بالغا حرا وعاقلا ، وعليه لايقام حد الرجم على القاصر والمجنون والعبد والأمه بل يتم جلدهم ، وبالنسبة للعبد والأمه فعقوبتهما هي نصف عقوبة الحر اي خمسون جلدة بدلا من مائة جلدة .

يتم تنفيذ حد الرجم  بوضع الضحية ضمن حفرة، الرجل بوضعية الوقوف والمرأة بوضعية الجلوس وتشد عليها ثيابها حتى لا تنكشف، تنتقى الحجارة المعتدلة بسعة الكف لا بحصيات خفيفة كي لا تستغرق العملية نهارا بطوله ولا بحجارة كبيرة تقضي على الضحية بسرعة لئلّا يفوت التنكيل المقصود من وراء الرجم! "حسب تعبيرهم"، عموما تستغرق عملية الرجم عدة ساعات حتى يموت المحكوم عليه رجلا كان او امرأة .

الفريق المعارض لتطبيق حد الرجم على الزاني فله ايضا ادلته التي يستند اليها وهي :

الدليل الاول : عدم وجود اية في القرآن التي بين ايدينا تشرع اقامة حد الرجم على الزاني والزانية المحصنين والثيب ، فآية الرجم حسب قول هذا الفريق قد نسختها الاية الثانية من سورة النور التي نزلت بعد اية الرجم والتي تقول: ( الزاني والزانية فاجلدوا كلا منهما مائة ...) والتي لم تفرق بين الزاني المحصن والزاني غير المحصن ، وان ليس من الحكمة والمنطق ان يقر القرآن عقوبة الرجم بآية ثم يتم ازالتها من القرآن .

الدليل الثاني : ان التشريع وقف عند مرحلة سورة النور وانتهى اليها وهو الجلد فقط لجميع الزناة محصنين وغير محصنين .

الدليل الثالث : من غير الثابت لدى فقهاء المسلمين ان النبي رجم بعد سورة النور ، وقد ورد في صحيح مسلم ان مسلم بن اسحق الشيباني سأل عبدااله بن ابي اوفى : هل رجم الرسول ؟ قال : نعم . قال : هل بعد ماانزلت سورة النور ام بعدها ؟ قال : لا ادري .

الدليل الرابع : مادام العبد والامة المتزوجين هي  نصف عقوبة الحر فهذا يعني ان عقوبة الزنا هي الجلد وليست الرجم لأن الجلد يقبل الانتصاف ، اما الرجم لايقبل الانتصاف لأنه موت وبعده قبر، والموت لاينتصف .

الدليل الخامس : تقول الاية 30 من سورة الاحزاب  :( يانساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذالك على الله يسيرا ) . وطالما ان الرجم الذي هو الموت ، فالموت لايمكن مضاعفته، وهذا يعني ان عقوبة الزاني المحصن والزانية المحصنة هي الجلد لأن الجلد هو الذي يمكن مضاعفته .

الدليل السادس : ان قول القرآن في سورة النور أن (الزاني لاينكحها الا زانية او مشرك وحرم ذلك على المؤمنين) هو دليل على ان الزاني والزانية يبقيان احياء بعد اقامة الحد عليهما ، وان العقوبة هي الجلد وليست الرجم، لأن الرجم لايبقي الزاني والزانية أحياء .

خلاصة القول : يعتبر هذا الفريق ان عقوبة الرجم ليست شريعة اسلامية وانما هي احدى المصائب الكبرى في تاريخ الاسلام ، وان الفقهاء فرضوها على الزاني المحصن والزانية المحصنة  بناء على احاديث معلولة المتون والاسانيد .